كوفيد 19: التقاطع الاجتماعي والعلمي

د. علي المحجوب/ اختصاصي الهندسة البيولوجية
تونس/ خاص مركز الاعلام الدولي

يترافق الإنتشار المتسارع لجائحة "كوفيد19" في العالم مع انتشار سريع ومساوق له لشائعات حول أمرين، متعلقين بالفيروس ومن ثمّ بالجائحة.

يتعلّق الأول من الأمرين بمنشأ الفيروس وحقيقة هل إنّه 1. جسم طبيعي، أم 2. فيروس مخلّق بالمختبرات - الصينيّة أو الأمريكية أو غيرهما- عن طريق وسائل التكنولوجيا الحيوية biotechnology وأنّه انتشر بعد ذلك إما عن طريق الخطأ أو عن طريق العمد وهذا ما استطاع العلماء نفيه في أبحاث منشورة في مجلات علمية عالمية محكمة، وذات مستوى عال من المصداقية.

ويتعلّق الثاني باللقاحات التي أعدّها العلماء في المختبرات العالمية بعد أن وصلوا الليل بالنهار في عمل دؤوب ومشكور ومنها مختبرات في عالمنا الإسلامي كالتي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فما إن فرغ الناس من الشائعات حول منشأ الفيروس حتى لجّوا في غمرة شائعات التأثيرات "السلبية المفترضة" للقاحات على صحة البشر على المديين القريب والأبعد وتضخيمها دونما ساند من بيّنة علميّة.

والخيط الناظم بين الأمرين هو "نظريّة المؤامرة" التي دأب كثير من الناس على استدعائها، عند كل تحليل لكل ظاهرة فيها تقاطع مع الآخر، خاصة الغربيّ.

ورغم أن العلماء قد أثبتوا في أبحاث منشورة أن الفيروس طبيعي غير مخلّق بالمختبرات فلابد من القول: إنّه أيّاً يكن مصدر هذا الكائن فإنّ الجائحة قد وقعت وإن تطوّر الفيروس إلى سلالات أخرى عبر الطّفرات التي تطرأ على مادّته الجينيّة قد حصلت، ويمكن أن تعاود الحصول بطريقة طبيعية فتنتج سلالات أخرى. وإنّ اللقاحات تبقى في أغلب الأحيان ناجعة ضد السلالات الجديدة، طالما أن الطفرة لم تصب من المادة الجينية الجزء الذي قد يكون ناتجه مستهدفاً باللقاح. ويبقى تعدد نوعيات اللقاحات ضامنا للإستفادة من أحدها في السلالة الجديدة في حال تعطّل الإستفادة من آخر.

كشف هذا الكمّ الهائل من الإنسياق وراء كل شائعة في هذا الموضوع عن خلل اجتماعي في مجتمعنا العربي، يتمثّل في تدنّي منسوب الثقة بالعلماء والمختصين، وعدم الرّكون إلى تشخيصهم للأمر. وهذا - في الواقع - ليس إلّا نتاجا طبيعيّا لضرب تقدير المجتمع للعلم والعلماء، وهاهنا تكمن المؤامرة لو أنّها موجودة. فإنّ الإختلال القيميّ الذي جعل من "المّؤثرين الإجتماعيّين" النّاشطين على مواقع التّواصل الإجتماعيّ خبراء إفتاء علميّ وآلات توجيه لوعي النّاس، ولو كان هؤلاء المؤثّرون من غير أصحاب الإختصاص وأنّهم لا ينطقون عن علم، - هذا الإختلال - مؤذن بشرّ عظيم على الأمة، إن لم يقع التّنبّه إليه ومعالجته على المستويين الفردي والمجتمعي عبر المؤسسات. 

ثم إنّك لو قد نظرت إلى العالم الغربيّ لم تجد فيه هذا المنسوب من التشكيك باللقاحات، فضلا عن عدم ركونهم إلى نظرية تخليق الفيروس من قبل، وذلك أن ثقتهم بأبنائهم من العلماء والمختصّين جيّدة، وليس الحال مثل ذلك عندنا.

وجدير هاهنا أن نطرح سؤالاً على القائلين بنظريّة المؤامرة في كلّ تفصيل من معالجة هذه الجائحة: " ماذا لو ثبت أنّ اللقاحات ناجعة ثمّ أعرض النّاس في عالمنا العربيّ عنها - بفعل الشّائعات - فبقي الوباء في ديارنا؟ وتلقّاها غيرنا فحصّنوا مجتمعاتهم؟ ألا يجدر أن ندرج هذا الإحتمال في باب "نظريّة المؤامرة"؟ وإذا وقع الإحتمال بطُل الإستدلال.

فلنحذر وليتّقي الله ربّه كلّ من يطلق إشاعة - دون بيّنة علمية - تنتهي بالناس إلى فزع لا أصل له ثم تصدّهم عن الأخذ بأسباب التوقّي والعلاج، فإنّه "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، وإنَّ رُبّ كلمة تطلقها فتحجز بها النّاس عن الأخذ بأسباب التّوقّي والعلاج قد تودي بأرواح كثيرة، فانظر أيّ ضرر تحدث بعد ذلك ثم انظر ما عليك، فقد تحسبه هيّنا وهو عند الله عظيم.