الشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة

د. سعد الدين هاشم

يعد الشخص الطبيعي كائنا ماديا ملموسا, والشخص المعنوي كائن غير مادي الا انه يختلف عن المجموعة المكونة له سواء كانت مجموعة اشخاص او مجموعة أموال, اذ ان ضرورات تطور العلاقات القانونية والاقتصادية فرضت الاعتراف لجماعات من الافراد ولمجموعات من الاموال المرصودة لغرض معين بكيان مستقل عن الافراد المكونين لها والمنتفعين بها, فتدخل هذه التجمعات باسمها في ميدان النشاط القانوني, وتصبح صاحبة للحقوق والالتزامات, وهذا يعني الاعتراف لها بشخصية مستقلة خاصة بها, ويطلق عليها الشخصية المعنوية , توجد في كل من القانون العام والخاص, الا ان لفكرة الشخصية المعنوية اهمية خاصة في مجال القانون العام, لان العلاقات في القانون العام لا بد ان يكون احد اطرافها شخصاً معنويا عاما.

ولا تخرج العتبة المقدسة عن هذه القاعدة, اذ منح لها القانون كياناً معنوياً خاصا بها بهدف السماح لها بان تكون طرفا في العلاقات القانونية.

وسنتطرق الى التعريف بالشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة في مبحث اول, وسنتناول في المبحث الثاني الاحكام الخاصة بالشخصية المعنوية, كما ياتي:

المبحث الاول

التعريف بالشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة

تحظى الشخصية المعنوية بشكل عام بأهميتين , الاولى فنية وتتجلى في عملية التنظيم الاداري, اذ تعد الوسيلة الفنية الناجعة في عملية تقسيم الأجهزة والوحدات الادارية المكونة للنظام الاداري, ووسيلة لتوزيع اختصاصات السلطة الادارية اقليميا ومصلحياً, اضافة الى تحديد العلاقات فيما بينها, والثانية بانها تؤدي دوراً قانونيا مهتما في نطاق التنظيم الاداري, واستقرار علاقاتها القانونية مع الغير, لغرض تحقيق اهدافها.

وتتسم الشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة باهمية متميزة, لما لها من مكانه ومنزلة اختصها الله تعالى دون سائر الاماكن كما بينا ذلك.

وسنسلط الضوء على تعريف الشخصية المعنوية للعتبة المقدسة وعناصرها وذلك في مطلب اول, وسنخصص المطلب الثاني للتعرف على انواع الشخصية المعنوية وطبيعتها, وكالاتي:

المطلب الاول

تعريف الشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة وعناصرها

قبل الخوض في تعريف الشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة لا بد من الاشادة الى ان الشخصية المعنوية بشكل عام عدّها الفقهاء مجموعة من الاشخاص او مجموعة من الأموال, وهي وحدة واحدة تعامل من الناحية القانونية على هذا الأساس, وقد كثرت التعريفات الخاصة بالشخصية المعنوية.

وللإحاطة بموضوع المطلب سنقسمه على فرعين سنتطرق في الاول الى تعريف الشخصية المعنوية بشكل عام, ومن ثم نعرف الشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة, وفي الفرع الثاني سنبيّن عناصرها وكالاتي:

الفرع الاول

تعريف الشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة

بسبب تعدد الحاجات الإنسانية أصبح من العسير على الدولة لوحدها توفيرها, فلا بد من وجود اشخاص يوكل اليهم القيام بجزء من المهام, بعد توفر شروط محددة, ليتسنى للدولة الاعتراف للاشخاص المذكورة بالشخصية المعنوية, لتمكنهم من اداء المهام المطلوبة, ودون ان يكون لهم استقلالاً كلياً ومطلقاً عن الدولة بل مقيد بالنطاق الذي يرسمه القانون.

وسنبين تعريف الشخصية المعنوية بشكل عام ومن خلال تعريفهما لغوياً واصطلاحياً, ومدى انطباقه على الشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة, وكالاتي:

أولا: التعريف لغة: معنى الشخصية لغة: شخص: اي الشخص: جماعة شخص الانسان وغيره مذكر, والجمع على القلة أشخُص, وفي الكثرة اشخاص وشخوص وشِخاص, والشخص: سوادُ الإٍنسان وغيره تراه من بعيد, وتقول ثلاثة أشخُص: وكل شيء رأيت جسمانه, فقد  رأيت شخصه.

والأصل ان لفظ الشخص يطلق على كل ما تراه العين من إنسان وغيره, فلا يطلق على شيء لا يُرى ولا يدركه البصر, ولكن رجال القانون احتاجوا الى اطلاقه على غير المدرك المحسوس, وحاجتهم هذه ترجع الى حل مشكلة عملية تكون موضوعاً لتطبيق القانون.

وشخص بصره من باب خضع فهو( شاخص), اذا فتح عينيه وجعل لا يطرف, وشخص: من بلد الى بلد اي ذهب, وبابه خضع ايضا و(أشخصه) غيره, وشخص : الشخيص: العظيم الشخص بين الشخاصة, واشخصت هذا على هذا اذا اعليته عليه, والشخص كل جسم له ارتفاع وظهور والمراد به اثبات الذات فاستعير لها لفظ الشخص.

اما لفظة المعنوية لغة: هي المعن: الاقرار بالحق, والمعان: المكان, يقال: موضع كذا معان اي نزل عن دسته وتمكن على بساطه تواضعاً, ومعان القوم: منزلهم.

ويرى اخرون ان المعنوي هو الذي يقابل العيني, اي الذي له معنى في القلب لا باللسان اي الذي له وجود ذهني.

ومعنوي(اسم): منسوب الى المعنى المعنو: بخلاف المادي, وخلاف الذاتي, ورفع روحه المعنوية: شجعه وقواه, ومعنوي: اسم منسوب الى معنى: ما يتصل بالذهن والتفكير, كفكرة الحق والواجب, ولا يكون للسان فيه حظ, عكسه مادي, وشخص معنوي, شخصيه معنوية(اي شخصية اعتبارية عكس الفرد)

ثانيا: التعريف اصطلاحاً

الشخص: قانوناً هو ( كل من تخاطبه احكام نظام قانوني لتملي عليه مباشرة التزامات او لتمنحه حقوقاً), ويشمل الشخص اي شركة او هيئة او مجموعة من الناس او جمعية سواء كانوا ذو شخصية معنوية ام لم يكونوا.

وعرفه آخر أنه(كل فرد او جهة اعتبارية او حكومية او قطاع حكومي او جهاز او شركة تدار عن طريق أمناء او شركة اشخاص او جمعية او كيان قانوني اخر), ويعرف الشخص ايضا(انه كل كائن قادر على اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات وهو على نوعين, الشخص الطبيعي او الذاتي اي الشخص العادي, والشخص المعنوي اي الاعتباري.

ووردت للشخصية المعنوية عدة تعاريف فقهية منها انها( مجموعة اشخاص تستهدف تحقيق غرض معين, او مجموعة اموال تخصص لغرض معين, ويعترف القانون لهذه المجموعة بالشخصية القانونية المقررة للانسان فتصبح اهلا لاكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات.

نرى انه لا يمكن القول ان الشخص المعنوي هو مجموعة اشخاص فقط او مجموعة اموال فقط, بل الاثنين معاً, فلا يمكن التصور بان تقوم الشخصية المعنوية على عنصر الاشخاص فقط دون ضم مجموعة الاموال اليها, وفي الوقت نفسه لا يمكن ان تقوم الشخصية المعنوية على مجموعة الاموال فقط دون انضمام الشخص او الاشخاص اليها, فالاموال لا تمتلك الادارة ولا تمتلك التنظيم ولا حتى الحياة, ويمكن ان تقوم الشخصية المعنوية بوجود العنصرين المذكورين معاً ليتسنى عند ذلك تحقيق الغرض الذي من اجله أنشات الشخصية المعنوية.

وورد لها تعريف آخر أبنها( وجود معنوي لا يدرك ولا يمكن ادراكه بالحس, وانما يتمتع بالشخصية القانونية, لتمكنه من تلقي وتحمل الالتزامات لذا يطلق عليه شخصيا معنوياً او شخصاً اعتبارياً).

وذهب الفقيه(ميشو) في تعريفه للشخص المعنوي الى ان كلمة(شخص) تعني في لغة القانون( صاحب الحق)وبمعنى انها تقتضي وجود كائن اهل لتملك حق خاص به, ولتحمل التزامات تقع على كاله, ثم عرف الشخص المعنوي بأنه ( صاحب الحق, ولكنه ليس كائن إنساني اي ليس شخصيا طبيعياً).

وعرفت (الفقرة الخامسة) من المادة (1) من قانون ضريبة الدخل العراقي الشخص المعنوي بانه( كل ادارة او مؤسسة يمنحها القانون شخصية معنوية كالجمعيات على اختلاف انواعها والشركات المعرفة في الفقرة السادسة من هذه المادة).

ويمكن تعريف الشخصية المعنوية للعتبة الحسينية المقدسة بأنها ( مجموعة اشخاص واموال تسعى الى تحقيق مبادئ واهداف النهضة الحسينية, وتحظى باعتراف القانون, فأصبحت أهلا لاكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات).