الحشد و عناصر البقاء

حنان الزيرجاوي

قلوب مفعمة بالإيمان، و ارواح  رسمت للإنسانية معنى الحياة، و ثبات على المبدأ و القيم الخالدة، و بخاصة فيما  يتعلق بحب الوطن، و الدفاع عن حياضه و سيادته و مقدساته.

في ذلك... و في غيره الكثير ، تفانى أبناء الحشد المقدس من اجل ان يبقى الوطن سامقا يعانق السماء، عبر احاطته باسوار  ليست من الحديد و الفولاذ فحسب، بل اشد  و اصلب! بريقها  امتد بالسماء بدعوة  تحت قبة سيد الشهداء (عليه السلام) فاصاب الاعداء بالذهول و الخوار.

 حشدنا المقدس اعطى ارقى معاني الشهاده بالدفاع عن ابناء وطنه في ملحمة باسلة وقف العالم كله اجلالا و اكبارا في نزال لم يفرق بين حماية المسلم او النصراني او اليهودي او الايزيدي، بل كان هدفه استمرار الحياة للإنسانية، في ربوع وطن هو التاريخ، بكل تراثه و آثاره الحضارية المجيدة.

 استمد قوته و شرعيته  من المرجع المفدى الذي اطلق الفتوى المقدسة لتعتلي وجه الوطن ابتسامة الأمل في محيا آفاقه التي لم تفارقها الشمس منذ فجر السلالات و هي تمشي على الأرض،  فهب الغيارى شيبًا وشبابا، تلبية جماهيرية رسمت للايثار عنوانا، و بددت سحب الظلام بفجر لا يغيب، و رسمت البسمة على شفاه اجيال تلو أخرى في صراع لاقتناء أمل لا ينضب.

و كما وصفتهم خطبة النصر من الصحن الحسيني الشريف لممثل المرجعية الدينية العليا  في كربلاء المقدسة فضيلة العلاّمة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (26/ربيع الأول/1439 هـ) الموافق (15/12/2017م) :

 ( إن معظم الذين شاركوا في الدفاع الكفائي خلال السنوات الماضية، لم يشاركوا فيه لدنياً ينالونها أو مواقع يحظون بها، فقد هبّوا الى جبهات القتال استجابة لنداء المرجعية و أداءً للواجب الديني و الوطني، دفعهم اليه حبهم للعراق و العراقيين و غيرتهم، على اعراض العراقيات من أن تنتهك بأيدي الدواعش، و حرصهم على صيانة المقدسات من أن ينالها الارهابيون بسوء، فكانت نواياهم خالصة من أي مكاسب دنيوية، و من هنا حظوا باحترام بالغ في نفوس الجميع).

لقد تركوا  كل شيء في الحياة لأجل  استمرار الحياة، حتى أضحت بطولاتهم تلتهم خواطر الخيال لترسم لهم انجازات خالدة تبقى محفورة في أذهان الأمة ما حييت؛ لأن المسعى كان نبيلا، و التضحيات كانت خالصة معجونة بإباء حسيني، و إيثار عباسي، و يقين وراء مرجعية حكيمة كانت و تبقى فخر الدين و العقيدة في رؤية ثاقبة، و صمام أمان لأمة لا تعرف الموت، و هي ترعرعت بين أحضان سيد الهيجاء، و أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السلام).

 ترك الحشد المقدس ذخيرة حية للأجيال أمضى من أي سلاح، ترك للأمة ما تفخر به أبد الدهور، عبر ربط ماضي الأمة و امجاد المصطفى و المرتضى و الحسنين (عليهم السلام) في مقارعتهم أشباح الظلم والظلام.

بحاضر صلب مثّل إرادة هذه الثلة المؤمنة برسالتها ودستورها السماوي الناصع.

لقد عاد الحشد منتصرا، وعادت معه كل فصول الخير والنماء، وتلاحمت سواعد الشرفاء لتدوين صرح هذه الانتصارات الخالدة، عبر بوابة التوثيق ولملمة كل نبض وعرق تصبب من جبين الاباة، فولدت موسوعة فتوى الدفاع الكفائي، في (62) مجلدا، على يد القائمين على هذا المشروع الضخم من أبناء وخدمة العتبة العباسية المقدسة، فمثلت بحق مسعى ساميا في حفظ هذا التاريخ والصولات المشرقة من أن تنالها يد الضياع والنسيان والتحريف.

لذا كان الحشد، وكانت الكلمة، وكان كل رافد فراتي يستلهم العزم من صعيد عراق هو الرفعة والشموخ أبد الآبدين.

فما تقاعس يوما وطن الحضارات والامجاد، بل كان حاضرا في طليعة التواريخ أمة الحضارة والبناء والصمود، فهنيئا لكل سواتر العز والشرف التي تكحلت بأقدام رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهنيئا لوطن احتضن أوفى وأنبل وأشجع حشد عرفته التواريخ.