اصحاب الرس في القرآن الكريم

ضياء ابو الهيل

من قوام الانسان الواعي المؤمن ان يعرف المعاني و المصطلحات والمفردات القرآنية والتبحر في التفسير والى من يوجه الخطاب القرآني الإلهي , لان تعزيز الثقافة القرآنية تحصن الفرد من الشبهات وتفتح له افاقا معنوية عالية للتدبر في الأمور الدينية والعقائدية وتكون له نبراسا مضيئا إلهاميا معنويا وتضفي للفرد الواعي المثقف المؤمن وتدا راسخا في مختلف اطوار الحياة.

ذكر الله تعالى في كتابه العزيز

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ

وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا


روي في علل الشرائع وعيون الأخبار بإسناده إلى الهروي عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي عليه السلام قال: قال أبي: سأل عليَّ بن أبي طالب عليه السلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له عمرو: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا وأين  كانت  منازلهم و من كان ملكهم و هل بعث الله عز و جل إليهم رسولا و بما ذا أهلكوا ؟فقال عليه السلام: لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك و لا يحدثك أحد بعدي إلا عني و ما في كتاب الله عز و جل آية إلا و أنا أعرف بتفسيرها و في أي مكان نزلت من سهل أو جبل و في أي وقت من ليل أو نهار و إن هاهنا لعلما جما و أشار إلى صدره و لكن طلابه قليل و عن قليل يندمون لو فقدوني.

كان من قصتهم يا أخا تميم: أنهم كانوا يعبدون شجرة صنوبر يقال لها (شاهدرخت) كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها روشناآب و إنما سموا أصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الأرض و ذلك بعد سليمان عليه السلام و كانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له الرس من بلاد المشرق و بهم سمي النهر و لم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه و لا أعذب منه و لا قرى أكثر و لا أعمر منها و ذكر عليه السلام أسماءها و كان أعظم مدائنهم إسفندار و هي التي ينزلها ملكهم و كان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن ساذن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم عليه السلام و بها العين الصنوبرة و قد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة و أجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة فنبتت الحبة و صارت شجرة عظيمة و حرموا ماء العين و الأنهار فلا يشربون منها و لا أنعامهم و من فعل ذلك قتلوه ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتنا و يشربون هم و أنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم و قد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة من حرير فيها من أنواع الصور ثم يأتون بشاة و بقر فيذبحونها قربانا للشجرة و يشعلون فيها النيران بالحطب فإذا سطع دخان تلك الذبائح و قتارها في الهواء و حال بينهم و بين النظر إلى السماء خروا سجدا يبكون و يتضرعون إليها أن ترضى عنهم فكان الشيطان يجي‏ء فيحرك أغصانها و يصيح من ساقها صياح الصبي أن قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا و قروا عينا فيرفعون رءوسهم عند ذلك و يشربون الخمر و يضربون بالمعازف و يأخذون الدست بند يعني الصنج فيكونون على ذلك يومهم و ليلتهم ثم ينصرفون و سمت العجم شهورها اشتقاقا من تلك القرى حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليها صغيرهم و كبيرهم فضربوا عند الصنوبرة و العين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور و جعلوا له اثني عشر بابا كل باب لأهل قرية منهم و يسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق و يقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم فيجي‏ء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا و يتكلم من جوفها كلاما جهوريا و يعدهم و يمنيهم بأكثر مما وعدتهم و منتهم الشياطين كلها فيحركون رءوسهم من السجود و بهم من الفرح و النشاط ما لا يفيقون و لا يتكلمون من الشرب و العزف فيكونون على ذلك اثني عشر يوما و لياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون فلما طال كفرهم بالله عز و جل و عبادتهم غيره بعث الله نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز و جل و معرفة ربوبيته فلا يتبعونه فلما رأى شدة تماديهم في الغي و حضر عيد قريتهم العظمى قال يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي و غدوا يعبدون شجرة لا تضر و لا تنفع فأيبس شجرهم أجمع و أرهم قدرتك و سلطانك فأصبح القوم و قد أيبس شجرهم كله فهالهم ذلك فصاروا فرقتين فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء و الأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه و فرقة قالت لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها و يدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها و بهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه و أجمع رأيهم على قتله فاتخذوا أنابيب طوالا مثل البرابخ و نزحوا ما فيها من الماء ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة و أرسلوا فيها نبيهم.
و ألقموا فاها صخرة عظيمة ثم أخرجوا الأنابيب من الماء و قالوا نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت أنا قد قتلنا من يقع فيها و يصد عن عبادتها و دفناه تحت كبيرها يتشفى منه فيعود لنا نورها و نضرتها كما كان فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السلام و هو يقول سيدي قد ترى ضيق مكاني و شدة كربي فارحم ضعف ركني و قلة حيلتي و عجل بقبض روحي و لا تؤخر إجابة دعوتي حتى مات فقال الله جل جلاله لجبرئيل عليه السلام يظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي و آمنوا مكري و عبدوا غيري و قتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني كيف و أنا المنتقم ممن عصاني و لم يخش عقابي و إني حلفت بعزتي لأجعلنهم نكالا و عبرة للعالمين فلم يرعهم و هم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديد الحمرة فتحيروا فيها و ذعروا منها و تضام بعضهم إلى بعض ثم صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد و أظلتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص بالنار.

مجلة الروضة الحسينية