مائة سنة من الموت / الجزء الثالث

مائة سنة من الموت

الجزء الثالث

السيد وليد البعاج 

ومراد أصحاب دائرة المعارف الكتابية القول:  أنه كيف يستقيم أن عزرا هو ابن سرايا الكاهن الرئيس ، مع العلم أن هناك ولداً آخراً لسرايا أسمه يهو صاداق كان من ضمن المسبيين  مع عزرا سنة 587 ق . م ، فكيف من المعقول أن يطول عمر عزرا لاكثر من مائة سنة عدا عمره قبل السبي ليعود الى اورشليم في رحلة العودة المشهودة؟! والذي استغربوه كذلك أن في العودة الاولى كان من ضمن العائدين يشوع الكاهن العظيم والذي عاد من بابل مع زر بابل ، ويشوع هو ابن يهو صاداق وحفيد سرايا أي أن عزير يكون عمه فكيف يمكن أن يكون مع وجود عزير ، ابن الاخ هو الكاهن العظيم ويعود قبل عمه عزرا بن سرايا ، فأين كان عزرا وقتها

فحين لم يجدوا جواباً شافيا ذهبوا الى الاستنتاج التالي إلى أنه لا يمكن القول بإن عزير هو ابن سرايا بل هو حفيد سرايا ، ولما لم يجدوا في سلسلة نسب عزرا ، أسم يهو صاداق حتى يكون هو واسطة النسب بينه وبين سرايا لكي تضمحل المائة سنة ، فقالوا :(وحيث أن يهوصاداق لا يذكر في نسب عزرا ، فالأرجح أنه لم يكن من نسل يهوصاداق بل من نسل أخ أصغر له ، ولذلك كان يشوع هو رئيس الكهنة وقتها ولم يكن عزرا هو الرئيس رغم أنه سليل سرايا رئيس الكهنة .

وهذا الكلام مردود لكون عزرا بن سرايا كان من ضمن المسبيين في الحملة الثانية لنبوخذ نصر ، وتذكره المدونات اليهودية ، وقد رعى بني إسرائيل في فترة السبي بنصوص لا يعتريها الشك والطعن ،ولا يمكن المصير إلى إيراد أي تحليل إلا بالقول بموت وانخطاف ورفع عزرا لمدة مائة سنة كاملة ، فيرتفع الاشكال . وان كتب الانساب اليهودية وبمختلف نسخ التوراة المتداولة اضافة للاسفار غير القانونية وغيرها كلها تدرج نسب عزير او عزرا على انه ابن مباشر لسرايا الكاهن .

فثبت بما لامجال فيه للشك للمنصف أن القرآن كان دقيقاً في بيانه لموت عزير مائة سنة وعودته ، وهذا تتبع زماني من كتب اليهود وتوراتهم تثبت دقة القرآن وعظمته وتحل لهم إشكالاً إلى الآن لم يعترفوا به . وكذلك أن الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في أن الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها .... وأماته الله مائة عام هو عزير . فهي دليل آخر يثبت دقة  المسألة.

ومن الاراء التي أثيرت لدى عدد من علماء الكتاب المقدس أن عودة عزير كانت في عهد أرتحششتا الثاني ، حيث أن أرتحششتا الاول توفي سنة 424 ق . م ، وفي سنة 423 ق . م ، استلم الحكم من بعده دارا الثاني ، واستمر حكم الملك الفارسي دارا الثاني إلى سنة 404 ق . م، ومن بعده استلم الحكم على بابل سنة 404 ق . م ، الملك الفارسي أرتحششتا الثاني والذي دام حكمه إلى سنة 359 ق . م ، والذي استلم الحكم من بعده أرتحششتا الثالث الذي ختم به عهد الدولة الاخمينية ونهايتها في سنة وفاته.

 واستدلالهم في ذلك بأن عزير عاد في عهد أرتحششتا الثاني ، مرده الى الاصلاحات التي قام بها نحميا

وكون نحميا قد سبق عهد عزرا بالرجوع الى أورشليم والمباشرة بإعادة بناء الهيكل والمذبح .... بدليل  أن حضور عزير إلى أورشليم ، كان مسبوقا بوجود جالية يهودية واصلاحات عمرانية ووجود معالم للهيكل من جدران خارجية ولو بسيطة مع منصة القى منها خطابه وتعاليمه . فلذا يحكمون أن نحميا قد عاد في عهد أرتحششتا الاول ، وكانت عودة عزير في عهد أرتحششتا الثاني .

وممن أشاروا إلى هذا الرأي وتبنوه من علماء الكتاب المقدس والمختصين بالتاريخ التوراتي هو الخوري بولس الفغالي ، وأشار إليه قبله ما ذكر في دائرة المعارف الكتابية وغيرها من المصادر ولكنهم كانوا يقولونه بالتضعيف لعدم وجود دليل ناهض عندهم على ذلك .

بل لأن هذا القول يصطدم بكثير من الثوابت التاريخية التي تم تدوينها في الاسفار القانونية ومدونات اليهود التاريخية بل أن هذا الأمر قد أغنى المسلمين عن الرد عليه وإبطاله هو تصدي مجموعة كبيرة من علماء اليهود والنصارى لنقده وعدم القول به ... وقد بينت بعض أرائهم في ذلك بما يستلزم في ما تناثر من بحثي في خصوصه .

ولعل من أهم النصوص في ذلك هو ما ذكره واحد من أبرز المؤرخين السريان الذي ذهبوا إلى القول أن نحميا متأخر على عهد عزرا وقد وصل أورشليم بعد 13 سنة من وصول عزير إليها أي في السنة العشرين من ملك أرتحششتا هو المؤرخ الكبير مار ميخائيل السرياني الكبير بطريرك إنطاكيا وهو من أعلام القرن الثاني عشر الميلادي وكانت نقولاته تعتمد المصادر القديمة ومن اللغة السريانية النادرة فقد أورد النص : أنه في السنة 20 لأرتحششتا أرسل نحميا ساقي الملك ليكمل بناء أورشليم بحسب نبوءة دانيال ، ومن أجل معرفة زمن صدور الأمر بالعودة وإعادة بناء أورشليم وشوارعها وأزقتها .

يحصي أفريقيانوس الأسابيع الواردة في نبوءة دانيال اعتباراً من عهد أرتحششتا هذا ، وكان نحميا أميناً للملك ومكث في أورشليم 12 سنة . في سنة 32 لارتحششتا شيدت أورشليم وأقيم يوياداع ابن اليشع رئيساً للكهنة كما شهد عزرا .

وإذا حاول أحد إحصاء أسابيع دانيال الـ(70) التي تعادل 490 سنة لوجد أنها تنتهي سنة 366 يونانية ، وفي السنة  80 لنيرون خلت أورشليم في عهده .

أن مجمل السنين منذ حرق وخراب الهيكل حتى ذلك اليوم 121 سنة ومنذ بناء البيت في السنة السادسة لداريوس 73 سنة . ج1 ص71 .

ولو قرأنا هذا النص لهذا المؤرخ الكبير نجده يقول أن نحميا وصل أورشليم سنة 446 ق . م ، أي بعد عزير ب 13 سنة ، وبقى نحميا في أورشليم لمدة 12 سنة ، أي في السنة 32 من حكم أرتحششتا الاول أي في سنة 434 ق . م .

ونلاحظ أن الأسابيع قد ضرب أيامها بالسنين فأضحت 490 سنة وهي بالحساب 490 يوما ولما عدها بالسنين كما عد الملاك أورئيل لعزير الثلاثة عقود في رؤيا المرأة العاقر أنها ثلاثة آلاف سنة ، استخرج هذا المؤرخ أن أسابيع دانيال تنتهي سنة 366 يونانية.

وأضاف أن مجمل السنين منذ حرق وخراب الهيكل سنة 587 ق . م ، حتى ذلك اليوم ، قصده يوم إرسال نحميا الذي يكون على قوله في السنة العشرين من ملك أرتحششتا أي سنة 446 ق . م تكون الفترة الزمنية قد بلغت 121 سنة ، وبحسابنا تبلغ 141 سنة ، ولا يمكن أن نتعامل مع هذا الرقم 121 سنة بتغيير التواريخ إلا بالقول أن عزرا عاد في السنة السابعة لملك أرتحششتا الأول كما هو ثابت فنسقط 13 سنة زمن عودة نحميا بعد عزرا ، فيبقى 108 سنة ، ونقول أن عزير كانت ميتته حسب النص الاغريقي الذي حققه الدكتور سهيل زكار ، في السنة الثانية عشرة من خراب أورشليم ،وبإسقاط 12 سنة بعد الخراب وقبل الرفع او الانخطاف أو الموت يبقى 96 سنة، وهو رقم قريب من المائة عام ، ونحاول بعدها إيجاد توافقات زمنية ممكنة جداً بقراءة النصوص للعثور على السنوات الأربعة المتبقية. وبالتحقيق بتغيير بعض تواريخ مدد حكم الملوك على بابل الذي أعتبرت سنواتهم تقويما وتاريخا يُحسب منه.

 ولو حسبنا كم هي الفترة من الخراب الى عودة نحميا بما مثبت عندنا من تواريخ تكون الفترة 141 سنة ، ولو قمنا بإسقاط 13 سنة من العشرين لتبقى 7 والتي هي زمن عودة وظهور عزرا في عهد أرتحششتا يبقى 128 سنة أي من خراب الهيكل إلى عودة عزرا . وبما أن عزير كانت موتته في السنة التاسعة والعشرين او الثامنة والعشرين من خراب أورشليم (الذي عبر عنها في ثلاثين سنة تقريبا)،  ستبقى مائة سنة كاملة . ولو سمح المجال لنا أن نراجع التواريخ التي كتبها هذا المؤرخ السرياني من المحتمل أن نجدها متطابقة تماماً بلا فضل سنة او سنتين .

أما رأينا في القرية التي مر عليها عزير بخصوص الاية هي أورشليم وهي شاغلة عقل وقلب عزرا ، ولكني لا أذهب الى المرور المكاني لتعذره واستحالته كونه موجود في بابل ولكن لكثرة  تأملات عزير في أورشليم وهل ممكن أن تعاد وتحيى ، وحتى ما ورد في سفره أنه كان يستلقي ويتأمل حال أورشليم في بابل ، فالمرور كان مروراً ذهنياً أي في باله وفي ذهنه استعرض الالام وحال الدمار الذي حل في أورشليم وكيف أصبحت خاوية  من عبادة الله وخاوية من هيكل أورشليم فأصبحت لا قيمة لها بلا معبد سليمان ، فهل تعاد لها حيويتها ويعطف الرب على إحيائها . وهو في خضم هذه التأملات في قرية يبتعد بها عن ضجيج مدينة بابل رفعه الله أو أماته مائة عام .

 

(18) دراسات في حضارة غرب آسيا القديمة ، توفيق سلمان ، دار دمشق ، ص 371 .

=================== 

المصدر: مجلة الروضة الحسينية / العدد 55