السيد سامي البدري: أصبحت الظاهرة الحسينية حقلا لإثبات نبوة الأنبياء (عليهم السلام)

شخصية تميزت بكتاباتها في مختلف المجالات الدينية والتاريخية وغيرها وتكاد تكون ارز كتاباته ومؤلفاته تلك التي تناولت قضية  الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته والمتميزة بربطها بما جاءت به الكتب السماوية بدءا من القرآن الكريم  وانتهاء بالتوراة والإنجيل والإشارات الواردة فيهما عن نهضة الإمام (عليه السلام) وما يجري فيها من أحداث، وبأسلوب علمي بحثي دقيق، وكذلك فانه كان كثيرا ما يرد على تخرصات المنافقين والحاقدين الذين أعمى أبصارهم الحقد والجهل.

انه الباحث الأستاذ السيد سامي البدري الذي حضر الى العتبة الحسينية المقدسة إبان زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) ليلقي وعلى مدى يومين محاضرات عقائدية بخصوص النهضة الحسينية العظيمة، لتقوم مجلة الروضة الحسينية باستغلال وجوده وإجراء الحوار التالي معه:

الروضة الحسينية: هل ترون للقضية الحسينية دورا في تثبيت النبوة أو الإمامة؟

السيد البدري: الواقع أن ظاهرة الحسين (عليه السلام) أسست لنا التوجيه الجديد والإمامة، فحينما ندرس النبوة في القرآن الكريم نلاحظ بأنها مسيرة تنضح بذكر الله تعالى، وأما حين نقرأ مثيلاتها في التوراة مثل مسيرة داود فنرى الاختلاف الكبير، ولدىّ دراسة أسميتها الظاهرة الحسينية دلالات وعبر، وبينت فيها بأن هذه الظاهرة ما نمت من غير وجود الخالق، فنرى الأجساد المرملة بالدماء متروكة في الصحراء وبعدها تدفن ويهال عليها التراب، فأصبحت الظاهرة الحسينية حقلا لإثبات نبوة الأنبياء(عليهم السلام) ولأن الحسين (عليه السلام) ولد والرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في عز دولتهِ ورأى الناس كرامة الحسين(عليه السلام) عند جده، وكيف يتعامل معه وجميع المسلمين يتمنون مكانته وأنت تقرأ في الفصل الثالث والخمسين من التوراة.

(عبدي هذا يفلح بإتباعه كثيرون، ويعتبر قاتله خارجاً عن الدين) في حين أن الله سبحانه وتعالى يجعله مع الصديقين وكثير ما نقرأ في كتب الأنبياء السابقين عن ذكر الحسين (عليه السلام) وهو بذلك توثيق للأنبياء والنبوءة، وإن الحياة الإنسانية وما جاء فيها فإنه يوثق بالحسين (عليه السلام).

الروضة الحسينية:  وهل كان لكم في هذا الخصوص رؤى أو أطروحات معينة ؟ وهل قمتم بطرحها الى المجتمع؟

السيد البدري: هناك أكثر من أطروحة وفي الفترة الأولى كانت هناك أطروحة وهي "الرؤى التاريخية الثلاث عن الحسين (عليه السلام) " والرؤية الأولى هي رؤية بني أمية والتي تحركت في عهدها وقتلت الإمام الحسين(عليه السلام) وكان لابد أن تقدمه بإعلامها على أنه خارج عن الدين، ويضاف إلى أبيه باللعن، وهذه الرؤية انتهت إلا لدى البعض من الجماعات التي تعتبر خروج الحسين(عليه السلام) خطأ فادحا فتح باب الفتنة.

والطرح الثاني: هو الطرح العباسي لأن العباسيين وضعوا شعارات عن الحسين (عليه السلام) وانهارت دولة بني أمية على هذا الأساس وارتأوا انه لو سار الأمر على هذه الوتيرة فسيؤول الحكم للحسينيين، وهذا مخالف لما كان لهم من طمع في الحكم لذلك غيروا مسارهم وانحرفوا وظهرت منهم الدعوى القائلة أن الإمام الحسين (عليه السلام) خرج من اجل السلطة، مستغلين بعض الأحداث لدعم حجتهم ومنها عدم استماع الإمام الحسين(عليه السلام) لناصحيه بعدم الخروج أولا وثانيا تصويرهم بان أخذه للنساء معه كان خطأ آخر يضاف الى خطئه ذاك .

بينما لم تكن حركة الحسين(عليه السلام) من أجل السلطة باعتبار البعض وإنما هي حركة عملت على إحياء رسالة جده محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولذا كان الطرح العباسي ورؤاه بأن خروج الحسين(عليه السلام) كان من أجل السلطة وليس هناك أحد أحق منه بها، ويقولون بأنه أخطأ مرتين ففي المرة الأولى هو مجيئه إلى العراق وإلى الكوفة، والخطأ الثاني أخباره بأن لا يأخذ بكلام أهل المدينة، وأنه سيقتل كما قتل عثمان وهذه كانت نصيحة عبد الله بن العباس ولذلك نجد المقتل الذي كتب على أساس هذه الأطروحة العباسية، وضمن إطار ومفاهيم الإسلام العباسي، وحول ما يذكر عن يوم العاشر عن مقاتل الأصحاب وصياح النساء فبعض منه كذب وهو من إعلام العباسيين.

والطرح الثالث والموجود حالياً، وهو الطرح الذي ظهر في خلال أحاديث الأئمة (عليهم السلام) ومنهم الإمام الباقر(عليه السلام) وفي عهد الإمام الصادق(عليه السلام) الذي طرح على الأساس الصحيح القائل أن الحسين(عليه السلام) وارث الأنبياء وهو إمام معصوم من أئمة الهدى وله تسعة من ذريته وكيفية زيارته وعملية البكاء عليه؛ لأنه يختلف عن أطروحة بني العباس الذين كانوا يكرهون البكاء وكانوا يلبسون السواد ويشهرون السيوف من أجل طلب الثأر، ولكن نجد أن الإمام السجاد والباقر(عليهما السلام) قد أسسا البكاء وزيارة وارث والتعامل مع زيارة الحسين(عليه السلام) وكذلك الخامس عشر من شعبان وذكر بأن للزيارة ثوابا كبيرا وهو منهج آخر ونجد الحق مع هذه الأطروحة الثالثة وكل يوم نكتشف شيئاً جديداً يبين عمق موضع الحسين (عليه السلام).

الروضة الحسينية: صدر لحمد الكاتب كتاب الشبهات تعرض فيه لنقد بعض الأمور في النهضة الحسينية فهل كان لكم رد عليها؟

السيد البدري: نعم، فقد ذكر الكاتب بأن الحسين (عليه السلام) لم يوص وكذلك علي أبن أبي طالب(عليه السلام) لم يوص بالإمامة للحسن والحسين(عليهما السلام) ولقد رددنا عليه بالكتاب، بأن الإمام (عليه السلام) قد أوصى والأحاديث عنه كثيرة فبعضها من نهج البلاغة، والبعض الآخر من كتب العامة بأن أهل البيت(عليهم السلام) فيهم الوصية والوراثة، وكذلك ذكر في كتاب الأغاني قصة أبي الأسود الدؤلي رضوان الله عليه حينما بلغ له وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) فصعد حينها المنبر في الكوفة وأخبر الناس بأن الإمام عليا(عليه السلام) قد استشهد ولقد أوصى بالإمامة لولده الإمام الحسين (عليه السلام) وهذا الكتاب هو في عهد الأمويين.

كذلك الإمام الحسن(عليه السلام) في عهده مع معاوية أمر بأن يكون الأمر شورى وقد بين الإمام الحسن(عليه السلام) إن ذلك العهد جاء فيه أن الإمامة للحسين (عليه السلام).

 وهذا نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن (الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا) وشخصيتان تحملان نفس القيمة في المجتمع وأما الحسين (عليه السلام) فلقد ترك تراثه العلمي ووصيته عند أم سلمة وقال لها: إذا جاءك ولدي علي فأعطه ما عندك، ولذلك فالذي يملك هذه الكتب وهذا التراث العلمي فهو أحق بالإمامة وهو شيء متبع حتى عند الأنبياء، ويذكر القرآن قصة طالوت عندما بعث ملكاً وجاء بتابوت فيه سكينة من الله وما ترك آل موسى وهارون من الميراث العلمي فكان طالوت أحق بالملك وكذلك علي السجاد (عليه السلام) ولذلك فنحن بينا أجوبة ما أثار من أسئلة ولنا هدف في ذلك وهو هداية الناس.

الروضة الحسينية: هناك من ينتقدون المناهج الدراسية الموجودة في الحوزة مقابلة بما موجود من مناهج أكاديمية في الجامعات الإسلامية، فما تقولون؟

السيد البدري: نقول أن للحوزة العلمية منهجها الخاص وهذا المنهج قد أثبت كفاءته في تخريج علماء يتميزون بجهدهم ونتاجهم العلمي ولو أخذنا نتاج الحوزة وقارناه مع نتائج أية جامعة أسلامية فسنجده متميزا جدا وخاصة من حيث اعتماده على الأدلة الرصينة التي تدعم دعواته المختلفة، وان من أسباب نجاح الدراسة الحوزوية بصورتها الحالية أن الطالب هو الذي يختار الدرس الذي يدرسه والأستاذ الذي يقدم ذلك الدرس وقد أثبتت هذه الطريقة النجاح الباهر علميا حيث أن التلقي لأمر من تلقاء نفسك يكون أكثر وصولا مما لو فرض عليك، كما أن دراسة كتب التفسير والحديث الشريف الصادرة عن أهل البيت (عليهم السلام) من أرقى الدراسات لما أثبتته التقارير العلمية عن تفرعهما الى كثير من العلوم الأخرى.

==================

المصدر: حوار ، مجلة الروضة الحسينية، العدد العاشر