الامام الصادق (ع) والطب

الإمام  جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) (83 - 148 هـ) من الائمة الاثني عشر المنصوص على إمامتهم في احاديث النبي الاكرم محمد (ص) وإليه ينسب المذهب الجعفري وقد عرفه عصره بالازدهار العلمي.

استمرت مدة امامته 34 عاما كانت حافلة بالعطاء وبشتى العلوم والتخصصات.

نطرح في هذا المقال جانب من الجوانب العلمية الغزيرة التي برع بها الإمام الا وهو الجانب الطبي.

وبهذا الصدد ورد في كتاب (الإمام الصادق(ع) كما عرفه علماء الغرب) موضوعا خاصا بمجال الطب لدى الامام (عليه السلام) نستشهد به في الاسطر التالية.

"لا ريب في أن الامام الصادق عليه السلام كان على إلمام تام بالطب و ما يتعلق به. وقد تحدث في ما روي عنه عن الطبائع والامزجة، وعن الاشياء ومنافعها ومضارها، مما يثبت وقوفه على هذا العلم.

وقد جمع بعض علماء السلف شيئا كثيرا من آراء الائمة في الطب وسماه (طب الأئمة). ويروي المجلسي الكثير عن هذا الكتاب في كتابه (بحار الانوار)، وكذلك الشيخ الحر العاملي في (وسائل الشيعة)، إلا أن هذا الكتاب لا وجود له اليوم.

وقد خصص الامام الصادق عليه السلام في ما ألقاه على المفضل بن عمر الجعفي فصلا تحدث فيه عن الطبائع وفوائد الادوية وتشريح الجسم ومعرفة وظائف الاعضاء (الفسيولوجيا).

وفي ثنايا الاحاديث وما اليها حديث مستفيض من كلام الامام الصادق عليه السلام عن خواص الاشياء وفوائدها وعلاج الامراض والاوجاع والحمية والوقاية. وسنورد بعض هذه الاحاديث للتدليل على هذا القول تدليلا قاطعا.

قال محمد بن مسلم سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :" ما وجدنا للحمى مثل الماء البارد".  وفي حديث آخر: الحمى من فيح جهنم. فأطفئوها بالماء البارد.

وفي وجوب غسل الفاكهة قبل الاكل قال عليه السلام: " أن لكل ثمرة سما، فإذا أتيتم بها فأمسكوها واغسلوها بالماء".

وفي (الكافي) عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه قال: كنت أجالس أبا عبد الله عليه السلام فلا والله مارأيت مجلسا أنبل من مجالسه، قال: فقال لي ذات يوم: من أين تخرج العطسة؟

فقلت: من الأنف.

فقال لي: أصبت الخطأ.

فقلت: جعلت فداك، من أين تخرج؟

فقال: من جميع البدن، كما وأن النطفة تخرج من جميع البدن . أما رأيت الانسان إذا عطس نفض أعضاءه؟

وهذا ابن ماسويه ، أشهر أطباء عصره، ينصت للإمام الصادق عليه السلام في شرحه وتوضيحه للطبائع والامراض. وحدث أبو هفان في محضر ابن ماسويه  بأن جعفراً  بن محمد عليه السلام قال: الطبائع أربع: الدم وهو عبد، وربما قتل العبد سيده، والريح، وهو عدو، إذا سددت له بابا أتاك من آخر. والبلغم وهو ملك يدارى، والمرة، وهي الارض إذا رجفت رجفت بمن عليها. فقال أبن ماسويه:  أعد عليّ، فو الله ما يحسن جالينوس أن يصف هذا الوصف

وهذا طبيب المنصور يحضر عنده ليقرأ عليه كتب الطب، فإذا به يحضر مرة وعنده الصادق (عليه السلام)، فجعل ينصت لقراءته، فلما فرغ، قال: يا أبا عبد الله، أتريد مما معي شيئا، قال: لا، لأن ما معي خير مما هو معك. قال: ما هو؟ قال:

أداوي الحار بالبارد، والبارد بالحار، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وأرد الأمر كله إلى الله، وأستعمل ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأعلم أن المعدة بيت الأدواء وأن الحمية هي الدواء، وأعود البدن ما اعتاد. قال (الطبيب):

وهل الطب إلا هذا؟

قال الصادق: أتراني عن كتب الطب أخذت؟

قال: نعم.

قال: لا والله ما أخذت إلا عن الله سبحانه وتعالى. فأخبرني: أأنا أعلم بالطب أم أنت؟

قال الطبيب: بل أنا.

قال الصادق: فأسألك؟

قال: سل.

فسأله عشرين مسألة، وهو يقول: لا أعلم. فقال الصادق (عليه السلام): ولكني أعلم. وبدأ بشرحها وتفصيلها. وهذا مذكور في كتب الحديث.

وقد فصل (عليه السلام) الحديث عن الهيكل العظمي والأعصاب والجوارح في جسم الإنسان وشرحها شرحا دقيقا عندما سأله الطبيب النصراني عن ذلك. فقد روى سالم الضرير: إن نصرانيا سأل الصادق (عليه السلام) تفصيل الجسم، فقال (عليه السلام): إن الله تعالى خلق الإنسان على اثني عشر وصلا، وعلى مائتين وستة وأربعين عظما، وعلى ثلاثمائة وستين عرقا. فالعروق هي التي تقي الجسد كله، والعظام تمسكها، والشحم يمسك العظام، والعصب يمسك اللحم، وجعل في يديه اثنين وثمانين عظما في كل يد واحد وأربعون عظما، منها في كفه خمسة وثلاثون عظما، وفي ساعده اثنان، وفي عضده واحد، وفي كتفه ثلاثة، وكذلك الأخرى.

وفي رجله ثلاثة وأربعون عظما، منها في قدمه خمسة وثلاثون عظما، وفي ساقه اثنان، وفي ركبته ثلاث، وفي فخذه واحد، وفي وركه اثنان، وكذلك في الأخرى.

وفي صلبه ثماني عشرة فقارة، وفي كل واحد من جنبيه تسعة أضلاع، وفي عنقه ثمانية، وفي رأسه ستة وثلاثون عظما، وفي فيه ثمانية وعشرون واثنان وثلاثون.

 

ولا يتسنى تفصيل الجسم البشري والهيكل العظمي بهذه الدقة إلا لمن أتيحت له فرصة دراسة الطب والتشريح. وقد أفاد الإمام (عليه السلام) غيره بهذا العلم، وتخرج من مدرسته هذه عدد من أصحابه.

ومن خريجي مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) العلمية في مجال الطب والصيدلة جابر بن حيان الطرطوسي. فهو بالإضافة إلى تخصصه في الكيمياء صنف مؤلفات في الطب أورد منها ابن النديم: " رسالة في الطب " و " كتاب السموم " و " كتاب المجسة " و " كتاب النبض " و " كتاب التشريح ".

وكان جابر بن حيان أول من أشار إلى طبقات العين، فسبق بذلك يوحنا ابن ماسويه المتوفى سنة 243 ه‍، وسبق حنين بن إسحاق المتوفى سنة 264 ه‍، وهما من أعلام الطب في هذا العصر.

ومن أبناء هذه المدرسة أبو علي الحسن بن فضل، وهو من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) ومن علماء الشيعة العظام في عصره الذين برعوا في علم الطب وألفوا فيه. ومن مؤلفاته " كتاب الطب " و " كتاب النجوم".

اعداد: فضل الشريفي

تصوير: قاسم العميدي