التطور القانوني للعتبة الحسينية المقدسة

• الحلقة الرابعة

د. سعد الدين هاشم البناء

تطرقنا في الحلقة الثالثة الى التطور القانوني في العتبة الحسينية المقدسة في ظل دستور عام 1963م الملغى, والذي بين ان وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قد اصدرت القانون رقم (50) لعام 1981م الذي أكد ان من ضمن  مهام الوزارة المذكورة رعاية شؤون المقدسات الدينية وتنظيم ادارتها وصيانتها.

فيما أشار  نظام وزارة الاوقاف والشؤون الدينية رقم(21) لسنة 1987م, الى ان من اختصاص دائرة المؤسسات الدينية, رعاية شؤون المراقد الدينية المقدسة, وان الدائرة المذكورة تتألف من قسم المساجد وقسم العتبات المقدسة, وان دائرة الهندسية والتخطيط تتولى تنفيذ مشاريع الوزارة وصيانة المساجد والعتبات المقدسة والمعابد ومباني الأوقاف بوجه عام.

وقد تطرقنا فيما سبق الى التنظيم القانوني للعتبة الحسينية المقدسة منذ قدوم الامام الحسين عليه السلام الى ارض كربلاء, وقبل استشهاده(عليه السلام) مروراً بالمراحل الاولى لتشييدها, مبينين مَن تولى سدانتها ومستعرضين بعد ذلك نصوص الدساتير العراقية الصادرة وموقف كل دستور من العتبات المقدسة( ومنها العتبة الحسينية المقدسة) وزائريها, وممارساتهم العبادية والشعائر والطقوس الدينية فيها, وحرية اعتقادهم والتعبير عن معتقداتهم, كون العتبات المقدسة من اهم رموز المسلمين الذين يمثلون أغلبية سكان العراق, وكون الاسلام دين الدولة الرسمي كما نصت على ذلك الدساتير المذكورة في أوائل موادها الدستورية, موضحين كيفية تعيين سدنتها وموظفيها وخدمتها وتحديد هيكليتها وتبعيت ادارتها, وكيفية تنظيم وتسيير أعمالها بموجب القوانين والأنظمة الصادرة من السلطات الحاكمة وفق الدستور وذلك لغاية (9/4/2003م)

منذ(9/4/2003م) اختلفت تبعية العتبات المقدسة في العراق ومنها العتبة الحسينية المقدسة, فخلال فترة دخول قوات الاحتلال متعددة الجنسيات, عام 2003م الى العراق وبتوغلها الى مدينة كربلاء المقدسة, تم تشكيل لجنة من قبل مراجع الدين العظام في النجف الأشرف, وتخويلها ادارة العتبتين المقدستين كما مر ذكره, وحظيت اللجنة بمساندة محافظة كربلاء لتسيير عملها, وقامت وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية استنادا الى توجيهات المرجع الديني الاعلى في النجف الاشرف, بإصدار امر وزاري تقرر بموجبه جعل أعضاء اللجنة المذكورة المخولة من المراجع الاربعة مشرفين على اللجان الإدارية للعتبتين المقدستين, وأرسل مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى رسالة بتاريخ(21/رجب/1425هـ) الى رئيس ديوان الوقف الشيعي آنذاك, بين فيها(أن قانون العتبات المقدسة رقم(25)لسنة 1966 غير وافٍ إطلاقاً بمتطلبات إدارة العتبات المقدسة في العراق, على الوجه اللائق بها,وبما ينسجم مع مكانتها المميزة المعروفة لدى المسلمين عامة, ولدى أتباع أهل البيت(عليهم السلام) خاصة, فإن من الضروري تدوين القانون بما ينسجم مع المقتضيات المشار اليها, وحسب توجيهات المراجع العظام في النجف الأشرف(دامت بركاتهم) والى ذلك الحين فإن المراجع العظام سيستمرون في تولى إدارة العتبات المقدسة والمؤمل من ديوان الوقف الشيعي تقديم العون لهم في هذا المجال والله ولي التوفيق), وقامت ادارة العتبة الحسينية المقدسة باطلاع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – دائرة الوقف الشيعي – على الفتاوى المذكورة الصادرة من المراجع العظام في النجف الاشرف, وعلى اسماء المخولين بالادارة.

وفيما يتعلق بقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004م, فإنه جاء بضمانة دستورية متمثلة بعدم جواز إجراء أي تعديل على القانون المذكور لعدة حقوق, منها ما يؤثر على الإسلام أو غيره من الديانات والطوائف وشعائرها, إلا بأكثرية ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية الوطنية وإجماع ممثلي الرئاسة, وأكد القانون المذكور على كون الإسلام دين الدولة الرسمي, ومصدر التشريع وأشار الى عدم جواز إصدار تشريع يتعارض مع ثوابت الإسلام, وأكد على احترام الهوية الإسلامية, بكونها لغالبية الشعب, مع ضمان حقوق الأفراد في الحرية الدينية وممارستها, وأن الحرية الدينية مصونة كونها من الحريات العامة, وكذلك حرية التعبير عنها, وحرية التجمع الديني, والتظاهر, وحرية الضمير والعقيدة الدينية, وممارسة شعائرها, ويحرم الاكراه بشأنها ، كذلك بين القانون عدم جواز اعتقال او توقيف أي فرد بسبب معتقداته الدينية وغيرها. ولذلك فإن الفقرات المنوه عنها, جاءت بضمانات للحرية الدينية وممارسة الطقوس العبادية والشعائر في الأماكن الدينية المقدسة ومنها العتبة الحسينية المقدسة.

وأصدرت الجمعية الوطنية العراقية طبقاً للمادة الثالثة والثلاثين بفقرتيها(أ- ب) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية, قانون إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة رقم(19) لسنة 2005م, الذي تطرقنا إليه وبموجبه تم تعريف العتبات المقدسة, وكيفية إدارتها, وكيفية تعيين الأمين العام, ومجلس الادارة, وصلاحيات كل منهما, وبين عدد أقسام العتبة المقدسة, وتطرق الى الموارد المالية للعتبات المقدسة.

 

وفي ظل دستور جمهورية العراق لسنة 2005م, بينت ديباجته ظلامة استباحة الاماكن والمدن المقدسة, وألزم في عدد من مواده بعدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام , وأن الدستور يضمن الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي, ويضمن ايضا كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية لمختلف الطوائف, وبين أن العتبات المقدسة , والمقامات الدينية في العراق, كيانات دينية وحضارية, وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها.

وتم التأكيد على أن  حرية الفكر والضمير والعقيدة مكفولة لكل فرد. وورد نص صريح بأن أتباع كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية, بما فيها الشعائر الحسينية. وأن الدولة تكفل حرية العبادة وحماية أماكنها.

ويعد هذا النص(حرية ممارسة الشعائر الحسينية) الأول من نوعه الذي يرد في الدساتير العراقية, وهذا أمر محمود كونه يلبي مشاعر الملايين من المسلمين ويضمن لهم ممارسة هذا الحق المشروع بحرية ودون مضايقات أو تنكيل أو إصدار أحكام جائرة ضد من يمارسها, على أن لا تتنافى الممارسات المذكورة مع النظام العام والآداب العامة.