مسلمو دولة مالي ومدّ يد العون

ناصر الخزاعي 

تقع دولة مالي في فضاء رملي ومرتفعات صخرية، وأراضيها واسعة بحجم فرنسا مرتين لكنها لا تطل على البحار، وشريانيها الرئييس نهري النيجر الذي يبلغ طوله في دولة مالي وحدها أكثر من 750 كم ونهر السنغال الذي يبلغ طوله بحدود 450 كم، وهذان النهرين يمدان دولة مالي بكل أسباب الحياة لا سيما في المناطق المنخفضة جنوب غربي (تومبكتو) أهم المدن في هذا البلد العريق والمتأثر بالحضارة الاسلامية منذ أقدم العصور.

 ويمتاز مناخها بشدة الحرارة وقلة الامطار في الشمال والشرق وبكثرتها ووفرتها في الجنوب والغرب، ولا سيما في فصل الصيف فصل الأمطار في هذا البلد، وعلى ضفاف النهرين أقيمت المدن والقرى الممتدة في هذا البلد المعتمد في اقتصاده على الزراعة وصيد الأسماك وتربية الحيوانات كالأبقار والجمال والاغنام والماعز، أما عدد السكان فيتجاوز اليوم السبعة ملايين وإن الغالبية تتركز في الجزء الجنوبي من هذه البلاد ذات الصحاري الشاسعة.

 وتنقسم التركيبة السكانية في دولة مالي الى مجموعة من العرقيات أهمها الـ( ماندينغ) وهم أقرب الى العرب والأمازيغ وجلهم من المسلمين والـ( السنغاي) وهم زنوج يعملون بالصيد ويشكلون أقل من ربع السكان تقريبا وفيهم الكثير من الوثنيين والنصارى، والـ(فولاني) ونسبتهم قليلة قياسا بالسنغاي والماندينغ ويعملون بتربية الحيوانات ومهنتهم الرعي ومعظمهم من المسلمين، وال(طوارق) الذين يتخذون البراري والقفار مقرا لهم متنقلين بين الدول الصحراوية كتشاد وليبيا والجزائر وموريتانيا والنيجر ومالي، ويتكلم الطوارق اللغة العربية الى جانب لغات افريقية محلية، أما قوميات الـ(برنو) والـ(موش) فهم وثنيون يعملون في الزراعة وفي الصناعات التقليدية، ومن أهم محاصيلهم الأرز والدخن والقطن والخضار الأخرى التي تحتاج الى مناخ حار.

وقد كان أول دخول للمسلمين إلى هذه الدولة المجاورة للتخوم الاسلامية بعد أن بسطوا سيطرتهم على اراضي المغرب العربي وفكروا في مد نفوذهم الى الصحراء الجنوبية، ومع سنة 469هجري استطاع المرابطون (المسلمون المغاربة) الوصول الى قلب دولة مالي وفرض هيمنتهم لتأمين طرق التجارة مع ممالك الزنوج في السنغال والداهومي ونيجيريا، ومع هذا الدخول أخذ السكان المحليون يدخلون بالاسلام جماعات ووحدانا بعدما رأوا فيه خلاصا من العبودية لأنه جاء رافعا شعار المساواة و الحرية والعدالة وانه لا يفرق بين غني وفقير ولا اسود وابيض الا بالتقوى والصلاح، وهو ما كان يبحث عنه آلاف العبيد مسلوبي الحرية والارادة من سكان دولة مالي الأصليين.

ومما زاد في انتشار الاسلام في دولة مالي اعتناق ملوكهم وامرائهم منذ القدم لهذا الدين، وخاصة مؤسس مملكة مالي المدعو (ماري جاطة) سنة 638 هجري وابنه المدعو (منسي علي) سنة 658هجري وكان منسي هذا محبا للسلام قويا مؤديا للصلاة حاجا بيت الله الحرام بانيا للمساجد في ربوع مملكته القديمة مملكة مالي التي ضعفت بعد وفاته وبعد مجيء أولاده الضعفاء وتسنمهم مقاليد السلطة في البلاد، مما تسبب بغزوات كثيرة تعرضت لها هذه المملكة من الوثنيين الأفارقة من جنوب مالي ومن البدو الطوارق من شمال مالي وشرقها حيث البراري والصحاري الممتدة التي يسكنها البدو الرحل من الطوارق منذ قديم الزمن.

 ومنذ القرن العاشر الهجري حاول الغزاة الاوربيون من برتغاليين وفرنسيس واسبان الدخول الى أفريقيا والاقتراب من سواحلها ولكنهم حين يجدون أهلها يدينون بالاسلام يهربون لأنهم يعلمون مدى المقاومة التي سيبذلها هؤلاء المسلمين للدفاع عن أراضيهم وثقافتهم الدينية وأملاكهم وأن من يموت منهم في جهاد الغزاة فأن له الجنة ثمنا وهو عند الله والناس شهيد خالد ينعم في الفردوس الاعلى.

ومع العام 1281 هـ تسللت فرنسا الى افريقيا وبسطت نفوذها في الممالك السوداء في غرب القارة الافريقية بقوة السيف والنار بعد ان وهن المسلمون وضعفوا وبعد ان كانت الدولة العثمانية لا تولي اهتماما زائدا لهذه البقعة من العالم الاسلامي على اهميتها وغناها، فاحتلت الجيوش الغازية المدن الرئيسة كالعاصمة (باماكو) و(كايس) و(سيغو) و(تمبكتو) ذات الارث الحضاري والعمران الاسلامي الواضح وغيرها من المدن الكثيرة الأخرى. وفي العام 1322 هجري شكلت فرنسا اقليما مستقلا يوالي الغرب ويسعى للاندماج الثقافي معه ويفرض اللغة الفرنسية أداة للتواصل ووسيلة للتعليم في دولة مالي التي كانت تتخذ من الحروف العربية وسيلة للتعليم قبل دخول الفرنسيين ويدين أغلب اهلها بالاسلام.

 ولعل من اخطر التهديدات التي يواجهها المسلمون الآن في هذه الدولة التي تئن تحت خط الفقر تتمثل بأمور عديدة منها: أن أراضيها الخصبة على ضفاف الأنهار ظلت مسرحا لتنافس كثير من القوى الصاعدة إقليميا ودوليا، فمنذ قرون تتعرض أفريقيا كلها ومنها دولة مالي لاستنزاف ونهب لثرواتها ومواردها من القوى التقليدية الاستعمارية، ولم تسلم هذه القارة من هذا الاستنزاف والنهب بعد دخول قوى دولية صاعدة كالصين والولايات المتحدة وإسرائيل فضلا عن القوى الكبرى التقليدية لتصبح ساحة للصراع على النفوذ من اجل الثروات والخيرات التي تنعم بها دولة مالي ولا سيما مناجم اليورانيوم الذي يفسر عودة فرنسا لهذه الساحة بقوة شديدة بعد رحيلها عنها قبل خمسين عاما.

ويتمثل الخطر الثاني بمحاولات الغرب واسرائيل ضرب الاسلام من الداخل من خلال مساعدة انتشار الإسلام السياسي المتشدد في هذه البلاد وفي عموم غرب القارة الافريقية ذات الحضور الاسلامي الكثيف، وذلك كبوكو حرام وداعش ومن لف لفهما من الحركات التي تدعي الالتزام بالإسلام زورا وبهتانا وما يترتب على ذلك من دواعي التدخل والاحتلال المباشر وغير المباشر من قبل الدول الكبرى الطامعة بحجة الحرب على الإرهاب وهي حجّج قويّة لتبرير تدخّل هذه الدول سياسيا وعسكريا في دول أفريقية تمرّ بأزمات وفقر شديد كدولة مالي، وليس خافيا أن المصالح الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية هي السبب الحقيقي وراء اندفاع فرنسا وإصرارها على أن تكون حاضرة بقوة في قلب أفريقيا -اليوم-  رغم خطورة الوضع ورغم ضعف الدعم الخارجي لها.

إن الدول الاسلامية وخصوصيا العربية منها مدعوة الى مد يد العون والمساعدة الى الدول الافريقية التي تضم جاليات اسلامية وثقافات تنتمي الى هذا الدين العظيم، لأن هذه المجتمعات قد تسقط تحت جائحة الفقر ومشاكله في الحضن الغربي، وقد يكلفها ذلك كثيرا إذ قد تنسلخ من ثقافتها الاسلامية وتلبس لبوسا أوربيا تحت العوز والاضطرار، كما أنه من الأمور التي لا يرتضيها دين الاسلام فلا يبيت المسلم متخما من كثرة الطعام والى جانبه جار أخمص البطن جائع!!

مجلة الروضة الحسينية