مسلمو غانا.. التعايش مع السكان المحليين

 ناصر الخزاعي

كانت غانا قديما من أكبر الممالك الأفريقية ومن أغناها أرضا وخيرات، وقد اكتسبت غانا هذا الاسم من مدينة قديمة جدا وسابقة لظهور الاسلام، وكانت مدينة كبيرة تقع بالقرب من الحدود الموريتانية وقد اندثرت تلك المدينة ولم يتبق منها الا الاطلال وهذا الاسم الذي تحمله دولة يتجاوز عدد نفوسها الثلاثين مليون نسمة ينحدرون من أصول واعراق وأديان وملل مختلفة.

تقع جمهوريّة ( غانا ) والتي تعرف أيضاً بـ ( جمهورّية أفريقيا )، في القسم الغربي للقارة الأفريقيّة، في ساحل خليج غينيا الشمالي الذي تطلّ عليه؛ حيث يقع في حدودها الشماليّة دولة بوركينا فاسو، وفي حدودها الشرقيّة دولة توغو، وفي حدودها الغربيّة دولة ساحل العاج.

وتبلغ مساحة دولة غانا بحدود الـ 238.537 كيلو متراً مربّعاً، وأهمّ مدنها هي: مدينة ( كوماسي )، ومن بعدها تأتي مدينة ( تامالي )، ثمّ مدينة ( تيما )، وبعدها مدينة ( تاكورادي )، ومدينة ( كيب كوست )، أمّا عاصمتها فهي مدينة ( أكرا )التي تضم أكثر من مليون نسمة.

 

ان انتشار الإسلام في غرب أفريقيا بداية من غانا القديمة في القرن التاسع الهجري كان أساسا نتيجة للأنشطة التجارية مع المسلمين في شمال أفريقيا، وقد دخل الإسلام غانا الحديثة عبر الأراضي الشمالية حوالي القرن الثالث عشر الميلادي حينما سمح شعب ماندي للتجار ورجال الدين المسلمين بالدخول في المنطقة لكونها غنية بالذهب والملح والمعادن، فضلا عن وقوعها على طريق التجارة المهمة في عموم افريقيا.

وكانت غانا من بين البلدان التي زارها الرحالة المسلمون وكتبوا عنها كثيرا، منهم الرحالة ابن بطوطة واليعقوبي الذي قال عنها أنها محطة القوافل وأن أسواقها عامرة والسفر اليها ميسور من كل الطرق، وان أهلها مسلمون يقرأون القرآن ولهم مساجد واسعة وبلادهم آمنة من اللصوص والضواري.

وبدأ انتشار الاسلام في غانا اسوة بغيرها من بلدان شمال وغرب افريقيا من خلال إقبال التجار المسلمين على اتخاذ بعض الدول في غرب أفريقيا موطنا لهم لفترات متقطعة في البداية ، ثم التعايش جنبا إلى جنب مع السكان المحليين بتلك المناطق فبدأ التجار المسلمون بالوفود إلى غانا خاصة بعد تمكّن المسلمين من غزو الشمال الأفريقي قبل عشرة قرون تقريبا حيث كان يرغب المسلمون في الدخول إلى تلك المنطقة من غرب أفريقيا ، ولكنهم لم يستطيعوا ذلك ؛ نظرا لبعد المسافة بينهم وبين غانا ، فالأخيرة محمية طبيعيا بوجود صحراء شاسعة تحيط بها.

وعقب وصول الإسلام إلى غانا عن طريق التجار والمبشرين وغيرهم لم تتجه القبائل الغانية  إلى الإسلام مباشرة إلا بعد أن آنس الناس المسلمين وعرفوا ايمانهم وصدق تعاملاتهم والتزامهم الأخلاقي ، فازدادت مستوطنات المسلمين بعد أن وافق الملك الغاني في القرن التاسع الهجري على السماح لمن أسلموا من شعبه ببناء مستوطنات مسلمة داخل غانا ، مما دفع العديد من التجار المسلمين للاستقرار في مدينة كومبي ، وهي تعد مدينة التسوق الكبرى في غانا التي يصل فيها عدد المسلمين إلى النصف قياسا بالأديان والملل الاخرى، بينما تصر الاحصاءات الرسمية على ارجاع هذه النسبة الى الربع لان الحكومة الغانية ذات اغلبية مسيحية ولا يوجد للمسلمين تمثيل كبير في هذه الحكومة..

ومعظم المسلمين الغانيين هم من أهل السنة والجماعة ويتبعون المذهب المالكي منذ قديم الزمان، وقد فشلت محاولات الوهابية في استدراجهم لقناعة المسلمين الغانيين بارتباط الإرهاب بالفكر الوهابي، ومع ذلك ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي فإن المذهب  الشيعي الامامي أخذ  ينتشر بسرعة بعدما أقام اتباعه من التجار اللبنانيين الوافدين منذ قرنين  مشاريع تجارية هناك، وبعدما شجعت الجمهورية الاسلامية في ايران حركة التشيع من خلال بناء المساجد ودور العبادة، وهناك الآن ما يقدر بمليون شيعي في غانا ، أما حركة  التصوف فليست على نطاق واسع في غانا ومع ذلك يتم تمثيلهم عن طريق التيجانية والقادرية وغيرها .

ومن مراكز الإمامية المهمة في العاصمة (أكرا(   مركز شباب أهل البيت، ومؤسسة الكوثر ومؤسسة الإمام الحسين في العاصمة, ومعهد أهل البيت (عليهم السلام) العالي للدراسات الإسلامية, و منظمة شيعة أهل البيت الإسلامية, و مركز شيعة أهل البيت الإسلامية, ومدرسة فاطمة الزهراء الإسلامية للبنات , و مجمع الإمام المهدي للدراسات العربية والإنجليزية في مدينة (أشامن) وهناك أيضا مركز الجعفرية للتدريب على الحاسب الآلي, ومركز الزلفى للتدريب المهني  .

 

أما المساجد والحسينيات فكثرت في السنوات العشر الأخيرة , ففي أكرا مسجد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله ) ، ومسجد أهل البيت, وفى تامالي مسجد الإمام السجاد (عليه السلام) ومسجد الجواد (عليه السلام) ومسجد الامام الصادق (عليه السلام), وفى بغاسي مسجد الإمام الحسين, وفى كوام تواسى كروم مسجد الرسول الأكرم أيضا, وفى أكيم أوفاسي مسجد أهل البيت عليهم السلام, ومسجد المصطفى (صلى الله عليه وسلم), وفى أشامن مسجد الإمام الحسين في حي زينوا, ومسجد الحرام في نفس الحي ، و في هذا المسجد تقام النشاطات التعليمية كتدريس النساء والأطفال والشيوخ, وفى تاكورادي مسجد الإمام المهدى, وهذه المساجد والدور الدينية كلها تعمل على اعطاء الدروس التربوية والتعليمية التي تعطي هؤلاء الناس الافارقة معلومات جديدة كانوا يجهلونها عن فكر اهل البيت وفقههم وعلومهم ومعاملاتهم بواسطة اساتذة متخصصين من الحوزات العلمية .

إذ تتخلص نشاطات علماء الشيعة الامامية في غانا بتعليم وتدريس الشباب ودعمهم, وإعطاء الدروس الدينية في المساجد, وتوزيع المدرسين في المدارس الأهلية, حيث يبلغ عدد الطلاب هناك آلاف الأشخاص بالإضافة إلى وجود طلاب يدرسون خارج غانا, كإيران وسورية ولندن وغيرها من المدن الاخرى, وكذلك إحياء المناسبات الدينية, وإقامة المراسيم الحسينية والمسابقات القرآنية المتنوعة فضلا عن اصدار المجلات مثل مجلة (الكوثر) المشهورة التي تصدر باللغة الإنجليزية, ومجلة القلم كذلك بالإنجليزية , ومن أهم هذه النشاطات تأسيس مكتبة عامة وكبيرة في العاصمة أكرا.

وعلى الرغم من التوترات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ونيجيريا منذ منتصف السبعينات فإن علاقات المسلمين والمسيحيين ممتازة. وفي غانا غالبا ما تقوم سلطة المجلس النيابي الإسلامي بالمفاوضات لفرض القوانين الدينية والاجتماعية والاقتصادية والتي تؤثر على المسلمين لكنها تخفق في تمرير بعض القوانين الخاصة بالمسلمين أحيانا بسبب سطوة القرار الحكومي هناك، وهذا المجلس مسؤول كذلك عن تنظيم الحج إلى مكة المكرمة للمؤمنين الذين يستطيعون تحمل الرحلة.

على الرغم من هذه الإنجازات لم ينجح المجلس في اتخاذ مبادرات لرفع مستوى المدارس الإسلامية وراء توفير التعليم الأساسي القرآني. ولعل هذا يفسر الفجوة الاقتصادية والتكنولوجية بين المسلمين وغير المسلمين، وان كل المسلمين مطالبين بحكم الأخوة الاسلامية بدعم اخوانهم في غانا سياسيا واقتصاديا ومعنويا لأنهم يعيشون تحت طائلة القوانين والاديان الاخرى غير الاسلامية على الرغم من كونهم الاكثرية قياسا بمجموع السكان هناك.