مائة سنة من الموت / الجزء الاول

السيد وليد البعاج 
باحث في مقارنة الأديان
 
من الذي أماته الله مائة عام؟
قال تعالى: (( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )).
وتردد الكلام بين علماء المسلمين في متعلق هذه الآية الكريمة بين من أن يكون أرميا أو عزير ، ولكن المشهور هو عزير حيث روى الطبرسي ذلك عن قتادة وعكرمة والسدي وهو المروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام..
ولكن المصادر القانونية اليهودية تنفي هذه الحادثة واجتهد مفكروها في بيان أن القرآن قدأخطأ في ذلك ونقل حادثة لاواقع لها ، بل أن الذي أماته الله هو أبيملك وكانت مدة موتته ست وستون سنة(1) .
ومن أجل أن نثبت أن المقصود هو عزير وأن هذا الأمر قد أثبتته التوراة وكتب التاريخ القديم السابقة للقرآن علينا تحديد شخصية عزير في الفكر والتاريخ اليهودي من أجل أن نطبق الأحداث التي عاصرها مع المرويات الإسلامية .
بعد البحث والتحقيق ثبت لنا بما لا مجال للشك فيه أن عزير المذكور في القرآن هو نفسه عزرا كاتب شريعة بني إسرائيل ، ولا توجد هناك شخصيتان هما عزرا وعزير بل هما شخص واحد  حيث أن عزرا العبري هو عزير العربي ولا بد من التوفيق بين النصوص الواردة في المصادر اليهودية والعبرية بشأن عزرا وبين النصوص الواردة في المصادر الإسلامية عن شخصية عزير لكونهما يتعلقان بموضوع واحد .
أما في التاريخ العربي والاسلامي  فتكاد الاراء تكون متفقة حول أسم عزير وأنه نفسه عزرا وهي :-
1-  ذكر القضاعي المتوفي سنة 454هـ في تاريخه :- ويزعم أهل التوراة أن عزره هو العزير ... (2)
2-  قال الزمخشري (467 – 538 هـ ) في الكشاف :- عزير أسم أعجمي كعازر وعيزار وعزرائيل ومن جعل أخره نون فقد جعله عربيا ..(3)
3-   قال العلامه المسيحي المؤرخ غريغوريوس الشهير بابن العبري المتوفي سنة 658 هـ في تاريخه :- عزرا الحبر هو الذي تسميه العرب العزير .(4)
4-  قال العالم والحكيم اليهودي سعد بن منصور بن كمونه المتوفي سنة 683 هـ في كتابه تنقيح الأبحاث :- وعزرا الذي ينسبون إليه تجديد التوراة بعد ذهابها , هو من المشهورين بالتعظيم وكثرة الخير والدين , وهو الذي يسميّه المسلمون بـ ( عزير ) ... (5)
5-  ذكر أبي الفداء المتوفي سنة 732 هـ في تاريخه :- وأسم العزير بالعبرانيه (عزرا) وهو من ولد فينحاس بن العزر بن هارون ... (6)
6-  وقال ابن الوردي المتوفي سنة 749 هـ في تاريخه : ومن جملة العائدين الى القدس عزير عليه السلام كان بالعراق وقدم مع ألفين أويزيدون من بني أسرائيل العلماء وغيرهم ..... وأسمه بالعبراني عزرا من ولد فينحاس بن العزر بن هارون بن عمران ...(7)
7-   قال المؤرخ والعالم المقدسي  قاضي القضاة مجير الدين الحنبلي المتوفي سنة 928 هـ في كتابه عن القدس :-  وكانت التوراة قد عدمت منهم ( بني أسرائيل ) إذ ذاك فمثلها الله في صدر العزير ووضعها لبني إسرائيل يعرفونها بحلالها وحرامها , فأحبوه حباً شديداً , وأصلح العزير أمرهم وأقام بينهم على ذلك , 000 واسم العزير بالعبرانية : عزرا , وهو من ذرية هارون بن عمران . (8)
8-  وقال عالم اللغة العربي ابن منظور في قاموسه اللغوي :عُزير هو اسم نبي ، وعُزير اسم ينصرف لخفته وان كان اعجمياً مثل نوح ولوط لانه تصغير عَزِِْر(9) 
  9-  قال السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره الميزان :- عزير هو الذي يسميه اليهود عزرا , غيرت اللفظة عند التعريب كما غير لفظ يسوع فصارت بالتعريب عيسى ولفظ يوحنا فصار كما قيل يحيى ...(10)
  10-   وفي  تفسير الامثل للشيرازي : (عزير) في لغة العرب هو (عزرا) في لغة اليهود ، ولما كانت العرب تغير في بعض الكلمات التي تردها من لغات اجنبية وتجري على لسانها . وذلك كما هي الحال في اظهار المحبة خاصّة فتصغر الكلمة ، فصّغرت (عزرا) الى (عُزير) ، كما بُدلت كلمة (يسوع) العبرية الى (عيسى) في العربية و (يوحنا) الى (يحيى)(11)
 11–  قال الدكتور لويس صليبا الأستاذ والباحث المختص في الاديان المقارنة بجامعة السوربون في باريس : عزرا كاهن لعب دوراً كبيراً في تنظيم الشريعة وتطبيقها بعد عودة الشعب اليهودي من سبي بابل . وهو المذكور في القرآن بأسم عزير . (12)
12 –   ذكر الشيخ محمد هادي معرفة في كتابه عن الشبهات :- عزير ـــ مصغراً ـــ  هو الذي يسميه أهل الكتاب (( عزرا )) , قال الشيخ محمد عبده :- والظاهر أن يهود العرب هم الذين صغّروا بالصيغة العربية للتحبيب وصرفوه , وعنهم أخذ المسلمون . والتصرف في أسماء الأعلام المنقولة إلى لغة أخرى معروف عند جميع الأمم حتى أن أسم (( يسوع )) قلبته العرب فقالت (( عيسى )) .. (13)
  اذن عزير هو عزرا ولا فرق بينهما فعزرا بالعبري هو عزير بالعربي كما كان ايسدراس باليوناني تعني عزرا بالعبري وكما قال علماء الاسلام ان الاسماء تتحول وتتغير من لغة الى لغة كما هو الحاصل في يسوع فصارت عيسى ,  ويوحنا هو يحيى ,  وديفيد هو داوود, وميريام miriyam هو الاسم العبري لمريم وفي اللغات الاخرى وردت ماريا وماري وفي العربية مريم .....
ومن الشائع عند العرب لإظهارهم المحبة ان تصغر الاسم فقد ورد هذا في كثير من اعلامهم مثل ( حُسين ) تصغير (حسن) و (خُضير) تصغير (خضر) و(عبيد) تصغير (عبد) و(عُزير) تصغير (عزرا) و( شبير ) تصغير (شبر) فبهذا اذن لا يوجد هنالك اختلاف في الاسم حيث عزرا هو عزير المذكور في القران الكريم .
ومن الطبيعي ان يسمي اليهود العرب عزرا بإسم عزير فاليهود في العراق والجزيرة العربية هم عرب وينطقون العربية فاستعملوا الاسم العربي للنبي .... كما موجود في عدد من الدول العربية مسيحيين أطلقوا على أبنائهم اسم عيسى وهو يسوع في النصرانية ..... أوزيريس ، و ، عزيرو :
من الأسماء القديمة التي  عرفت بإسم عزير مما تسبق زماناً عزير بن سرايا هو :
أوزيريس : وهو إله الخضرة والزرع والخصب والنماء والرزق ، وكان يحكم  أرض مصر بطبيعته الخيّره ، وأسم أوزيريس  usiris هو تحريف إغريقي لاسمه الفرعوني أوزير ousir ، وهو الأصل للأسم أوزير أو عزير وإضافة السين إلى هذه الأسماء الفرعونية عادة لغوية إغريقية ومنها انحدرت إلينا هذه التسميات عن طريق اللغات الأوروبية..(14)
وأكد هذا المعنى كثير من المؤرخين فقالوا: أوزيريس هذا إسم أوروبي منحدر من الإغريقية التي حرفته عن صيغته الفرعونية أوزير ، وربما كان ينطق بالعين عُزير لكن لفقدان هذا الحرف في اللغات الأوروبية يكتبونه بالهمزة ، فمن المحتمل أن المصريين كانوا ينطقونه عوزير أو شيئاً من هذا القبيل أقرب إلى اسمه المعرب (العزير) لاحقاً .(15)
ويعتبر أوزيريس هو أول ملك مصري معروف حَولّ الألوهية عن حقيقتها وجعلها متجسدة في صورة بشرية وأضافها إلى نفسه  ، ولم يلق إلى الآن أسم أوزيريس تفسيراً مستوفياً من علماء الآثار المصرية ، وتوجد محاولة قام بها العالم الألماني أدولف إرمان قال فيها أنَّ معنى أوزيريس : هو صانع العرش أو خالق العرش أي الكرسي .(16)
واللافت للنظر في شخص أوزيريس أو عزير هذا الإله المصري أو الملك الأسطوري هو وجود مشابهة غريبة بينه وبين عزير بن سرايا كاتب شريعة بني إسرائيل  توقفنا عندها كثيراً في بحثنا المطول عن تاريخ عزرا ، حيث تؤكد الأساطير المصرية  أن أوزيريس هذا عاد إلى الحياة بعد الموت بحسب أسطورته المشهورة وذلك بفضل زوجته أيزيس ، ولكن طيفون أخوه عاد فقتله وقطعه أشلاءً .
وهذا الأمر وهو الحياة بعد الموت لشخصية عزيريس أو أوزيريس ، أصبح من الصفات التي تضفيها الأساطير المصرية القديمة  لشخصيته حيث أضافوا له كل مظهر غياب وطلوع حتى أن أسم أوزيريس صار يطلق على الشمس لأنها تطلع وتغيب ، أي أن أوزيريس صار يمثل دورة الليل والنهار كل يوم .(17) ولا يخفى على القارى المغزى الواضح في هذه المشابهة بينه وبين عزير القرآني الذي أماته الله مائة عام ثم أعاد له الحياة ، والملاحظ كذلك أن عزيريس كان يمثل الخير عكس أخيه طيفون الذي كان يمثل الشر فتأمل .
====================== 
الهوامش:
1 )  في بحث آخر تناولنا النص الخاص بأبيملك وناقشناها وبينا إعتراض علماء اليهود عليه بإنفسهم سنورده لاحقاً. وجميع مايتعلق بهذا الأمر تجده في كتابنا المخطوط تاريخ عزرا الكتب وهو موسوعة كبيرة تتعلق بالتاريخ اليهودي العام وفيها من المطالب المهمة في موضوع مقارنة الاديان وهو أول تاريخ مكتوب بإسهاب يؤرخ الفترة الممتدة من القرن الخامس قبل الميلاد الى العصر الراهن.
2 ) الانباء بأنباء الانبياء المعروف بتاريخ القضاعي للقاضي ابي عبدالله محمد بن سلامه بن جعفر بن علي القضاعي المتوفي 454 هـ , ص 80 الطبعه الثانيه لسنة 1420هـ 1999 م تحقيق عمر عبد السلام تدمري منشورات المكتبه العصريه بيروت
3 ) تفسير الكشاف لابي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467 – 538 هـ ) ج 2 ص 250 الطبعه الثانيه لسنة 1429 هـ 2008 م منشورات دار أحياء التراث العربي
4 ) تاريخ مختصر الدول لابي الفرج غريغوريوس بن اهرون الملطي المعروف بابن العبري المتوفي سنة 685 ميلادي ص 49 الطبعه الاولى لسنة 1997 م منشورات دار الكتب العلميه بيروت
5  ) كتاب :- تنقيح الأبحاث للملل الثلاث تاليف العالم والحكيم الفيلسوف اليهودي سعد بن منصور بن كمونه ( 612 ـــ 683 هــ ) ( 1215 ـــ 1285 م ) تحقيق وتعليق الدكتور لويس صليبا  الطبعة الثانية طباعة ونشر دار ةمكتبة بيبليون / بيروت سنة 2010 م .
6 ) تاريخ أبي الفداء المسمى المختصر في أخبار البشر المتوفي سنة 732 هـ ج1 ص 57 تاليف الملك المؤيد عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن ايوب تحقيق محمود ديوب الطبعه الاولى لسنة 1997 م منشورات دار الكتب العلميه بيروت
7 )تاريخ ابن الوردي المعروف بتتمة المختصر تاليف زين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي المتوفي سنة 749 هـ ج1 ص37 الطبعه الثانيه لسنة1389 هـ 1969 م منشورات المطبعه الحيدرية في النجف الاشرف
8 ) الحنبلي , مجير الدين , الانس الجليل في تايخ القدس والخليل ,منشورات الشريف الرضي , ايران , قم , ط 1 , 1410 , ج1 , ص 152
9 ) لسان العرب المحيط لابن منظور المجلد الثاني ص764 مادة عزر .
10 ) الميزان في تفسير القران للعلامه السيد محمد حسين الطباطبائي ج9 ص251 الطبعه الاولى لسنة 1425 هـ 2004 م منشورات مؤسسة دار المجتبى للمطبوعات قم
11 ) قصص القران من تفسير الامثل للشيرازي ص357
12  ) صليبا , لويس , المعراج من منظور الاديان المقارنة , دراسة لمصادره السابقة للاسلام ولابحاث المستشرقين فيه , نشر دار ومكتبة بيبليون , بيروت , ط 3 , لسنة 2011 , ص 116 .
13 ) معرفة , محمد هادي , شبهات وردود حول القرآن الكريم , منشورات ذوي القربى , قم المقدسه , ايران , ط 2 , 2003 , ص 362
14  ) مجلة المورد ، بغداد ، دار الجاحظ ، المجلد الثامن ، العدد الاول ، 1979 ، مقال طيسفون وأوزيريس ، عبد الحق فاضل . ص 106 – 110 . وكذلك تاريخهم من لغتهم لعبد الحق فاضل ، ص 118 .
15  ) تاريخهم من لغتهم ، عبد الحق فاضل ، منشورات وزارة الاعلام ، بغداد ، 1977 ، ص 121 .
16 ) تابوت يهوه ، جمال الدين شرقاوي ، مكتبة وهبه ، ص 100 .
17  ) مجلة المورد مصدر سابق ص 106 .

====================== 

المصدر: مجلة الروضة الحسينية العدد53