الخطاب الديني في فضائية كربلاء" نظرة في الملامح العامة

إسراء عزيز الربيعي  

مع ظهور الفضائيات وانتقال الاعلام من طور المطبوع الى طور المرئي، وما رافق ذلك من قفزة تكنولوجيا جعلت العالم الكبير أشبه بقرية صغيرة؛ فقد عرف الإعلام العربي ظهورا غير مسبوقا في مجال نقل المعلومة وتداولها وتأثيرها في أعداد المتلقين من الناس.

وكان من بين القنوات العربية المختلفة التوجهات ظهورا لافتا للقنوات التي تشكل شبكتها البرامجية تركيزا واضحا على الدين دون باقي الجوانب الاخرى سواء كان ذلك على شكل تلاوة القرآن وتجويده وشرح الغامض من مفرداته او مطاليبه، أو الكلام عن علوم القرآن المختلفة، أو عبارة عن اظهار الاناشيد الدينية والتواشيح النبوية او تناول الحديث والطب النبوي، أو التركيز على الاستشارات الفقهية والدينية، أو تخصيص برامج دينية للأطفال، أو تناول برامج بخصوص أداء فريضة الحج والعمرة، حتى وصل مجموع القنوات العربية المختلفة ممن تهتم بالجانب الديني دون غيره من جوانب الحياة الأخرى أكثر من مئة قناة من مجموع القنوات الفضائية على اختلافها والتي تزيد بمجموعها على الألف قناة فضائية، وعدد القنوات الدينية في تزايد مما يجعل من هذه الحالة ظاهرة جديرة بالدراسة لإظهار الدوافع الحقيقية التي تقف وراء ذلك، ولمعرفة مدى تأثير هذه القنوات بالمتلقي سلبا أو إيجابا.

وربما كانت قناة كربلاء التي افتتحت في عام 2008م هي إحدى أهم القنوات الدينية التي تبث برامجها باللغة العربية ، وقد عرفت هذه القناة بالموقع الإلكتروني الخاص بها عن نفسها بالقول الآتي: ( هذه قناة العتبة الحسينية المقدسة، حيث الانتماء الأصيل لفكر الإمام الحسين عليه السلام ومبادئه وفلسفة ثورته المباركة، ولتسميتها (كربلاء) رمزية تتصل بالمكان من جانب، وتتصل بالإمام الحسين الشهيد ومدرسة أهل البيت بركن وثيق من جانب آخر.. ولديوان الوقف الشيعي في جمهورية العراق يد بيضاء في دعم هذه القناة التي أخذت على عاتقها أن تكون بمستوى أهمية الدور، وعظم المسؤولية، وضخامة الأمانة التي يحتـّـمها الواجب الديني العقيدي.. معتمدة الخطاب الفكري الثقافي المعاصر الذي يأخذ أصالته من القرآن الكريم والسنة المعصومة الصحيحة المطهرة لنبي الإسلام وأهل بيته الكرام (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام)، مع ما يتصل بها من استمرارية مباركة تمثلت بالمرجعية الدينية وعلى رأسها سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني مُدّ ظله الوارف).

وقد قطعت هذه القناة المباركة مدة اكثر من عقد كامل على بثها الذي تستخدم من خلاله أكثر من قمر صناعي محققة عبر ازدياد نسبة متابعيها نجاحا مشهودا في برامجها التي تلقى صدى حسنا عند المشاهدين العراقيين والعرب ممن لهم توجهات عقدية قد تختلف عن توجهات القناة والقائمين عليها، وقد ظهرت من خلال متابعة هذه القناة مجموعة من الملاحظات العامة التي نسجلها باعتبارها تشكل الملامح العامة لبرامج قناة (كربلاء) من ناحية شكل الخطاب الديني المبثوث ومن ناحية مضمونه الإعلامي الذي تسعى لإيصاله للمتلقين بغية التأثير بهم، وبما تراه متوافقا مع أهدافها التي أعلنت عنها من خلال اعتمادها الخطاب الفكري الثقافي المعاصر الذي يأخذ أصالته من القرآن الكريم والسنة المعصومة الصحيحة المطهرة لنبي الإسلام وأهل بيته الكرام (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام)، مع ما يتصل بها من استمرارية مباركة تمثلت بالمرجعية الدينية الرشيدة، أما أهم هذه الملامح فتتمثل بالآتي:

أ‌- ظلت هذه القناة وفية للمرجعية الدينية التي أنشئت على أساسها، وقد بقيت خاضعة لتوجيهات هذه المرجعية في برامجها التي تجنح نحو الوسطية والاعتدال وإشاعة ثقافة التسامح الاجتماعي، وهي الفلسفة أو السياسة التي تمثل وجهة نظر المرجعية، وقد برز هذا التوجه بعد الهجمة الداعشية القذرة فكانت هذه القناة هي الناطق الرسمي باسم المرجعية (صوتا وصورة) وكانت الملايين تتوجه إلى هذه القناة مثلما كانت العشرات من القنوات الأخرى تنقل مباشرة عنها كل ما هو جديد من خلال خطبة الجمعة المباركة في الصحن الحسيني الشريف لمعرفة تطور الأحداث وموقف المرجعية الدينية منها.

ب‌- لم تكن هذه القناة من القنوات الدينية الربحية، فما أن تقلب بقية القنوات الدينية حتى تظهر لك عشرات الإعلانات والإشهارات مدفوعة الثمن، كما أنها لم ترتبط بتمويل حكومي يفرض عليها نسقا من البرامج المعروضة أو أن يزج فيها لتبني مشروع سياسي معين أسوة ببعض القنوات الدينية العربية المرتبطة بحكومات معينة أو برجال أعمال أثرياء أو بسياسات حكومية تظهرها علنا أو من تحت الغطاء، كما هو حال بعض القنوات الدينية المرتبطة بالحكومات الخليجية أو ببعض الشخصيات المؤثرة في تلك البلدان، أو في غيرها من البلدان العربية الأخرى.

ت‌- تقدم قناة كربلاء مزيجا من البرامج الدينية المتنوعة، فمن البرامج الإرشادية والتوعوية إلى البرامج التعبوية، ولا سيما في مرحلة الحرب مع تنظيم داعش الإرهابي، وإلى البرامج التي تقدم الدراما الهادفة بحس ديني أو تاريخي ملتزم، وإلى البرامج التي تنقل نبض الشارع المحلي، ولا سيما في المناسبات الدينية المعلومة، كمحرم الحرام والزيارة الأربعينية وولادات الأئمة (عليهم السلام)، مما يؤكد أن هذه القناة تضع المادة الدينية جنبا إلى جنب مع المادة الإعلامية المبثوثة شكلا ومضمونا.

ث‌- ومع عدم انجرار القناة وانجرافها إلى خطاب إعلامي (طائفي) وكما تم التنويه عنه؛ فإن هذه القناة استطاعت أن تخلق لها (هوية بصرية) خاصة بها، وأن تصوغ تمثيلا بصريا يمنحها الخصوصية في تعبيرها عن القيم والطموحات والغايات التي تتطلع اليها، وذلك بما يميزها عن سواها من القنوات الأخرى المماثلة في خطابها الإعلامي الديني، وبما يصنع لها جمهورها المتفاعل معها والخاص بها، والمتماهي وبرامجها من ناحية الشكل والمضمون.

ج‌- ما يبدو واضحا في قناة كربلاء الفضائيّة هو التركيز على الإسلام المحمدي الصحيح المرتبط بعترة الرسول الأكرم وبأهل بيته الذين طهرهم الله في كتابه الكريم، ومع هذا فلم تتبنى قناة كربلاء خطابا دينيا متشنجا إزاء الأديان الأخرى كما تفعل بعض القنوات الدينية العربية التي تحمل أجندات معروفة في برامجها الهادفة إلى بخس الأديان الأخرى (السماوية وغير السماوية) والتحامل عليها واستقصادها لأهداف وغايات مبيتة مسبقا، وهو ما يعكس الموقف الحضاري والأخلاقي والشرعي للقائمين عليها من مسؤولين وممولين.

ح‌- بما أن العملية الإعلامية تقوم على تظافر مجموعة من الجهود والعناصر التي يقوم بها أفراد يسعون إلى إيصال رسالة ما عبر وسيط حديث أنتجته التكنلوجيا المتطورة، فينبغي العمل على تأهيل الكوادر وتدريبها في مجال الاختصاص لكي تكون هذه الرسالة المهمة المنقولة للناس باختلاف وعيهم وادراكهم وقناعاتهم على مستوى الوسيط المتطور والمستحدث، إذ على المتحدث من خلال الفضائيات أن لا يكون حديثه كما لو كان ضمن إطاره البيئي الضيق، وكذلك الحال بالنسبة لمعد البرامج ومقدمها ومصورها ومخرجها، فالعالم في سباق إعلامي تتشابك فيه الصور والمرسلات، وتنجح على الغالب تلك البرامج والصور والمادة المعتمدة على الكفاءة والاحتراف الإعلامي الذي أصبح علما يدرس في المعاهد والجامعات، وهو ما تسعى قناة كربلاء للوصول إليه بخطى حثيثة.

المصدر: مجلة الروضة الحسينية