الصيام والجسد

د. عبدالله حسين البغدادي

جامعة غراتس الطبية / النمسا

 وجد الصيام في اغلب الاديان وربما جميعها، بل وحتى الطب الحديث اعتمد انواع متعددة من الصيام.

في هذه المقالة، سنختصر الحديث على بعض الفوائد الصحية الجسدية للصيام، ونصائح مختصرة لاستفادة صحية اكبر منه، لكننا سننظر من خلال تجارب طبقت على انواع مقاربة سنبين فروقاتها ونقاط التشابه.

للصيام ابعاد روحية ونفسية و بدنية، فهو عبادة ووسيلة للقربى، وطريق يقوي العقل على الغرائز، واداة لتنقية الجسد من الشوائب ووقاية من الامراض وعلاج.

في الطب الحديث تعتمد الكثير من المراكز الطبية انواع معينة من الصيام تسمى الصيام المتقطع للوقاية والعلاج لعديد من الامراض المزمنة، واولها السكري النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم والسمنة، بالاضافة الى الوقاية من امراض  معينة مثل هذه الامراض و امراض القلب السرطان, بل وبينت بعض الابحاث فائدة الصيام في مقاومة الشيخوخة.

والصيام المتقطع يعتمد على عدم تناول اي سعرات حرارية لساعات معينة، وهو على انواع، اشهرها ما يسمى ب ١٦:٨.

اي الصيام يوميا لمدة ١٦ ساعة والاكل في مدة محددة ب٨ ساعات فقط يوميا.

حديثي في هذا النوع من الصيام لسببين، الاول وجود عدد جيد من الابحاث الطبية عن تأثير هذا النمط من الصيام على جسد الانسان ومن نواحي عدة وفي مراكز متعددة، والثاني هو جهة التشابه بينه وبين الصيام في الاسلام الذي يكون بالعادة بنفس النمط، سوى ان هذا الصيام يستثني الماء وما شابه من مشروبات الخالية من اي سعرات حرارية مثل الشاي والقهوة بدون اي اضافة.

ففي دراسة بحثية عن تأثير الصيام المتقطع على مجموعة مكونة من ١١٠ شخص ممن يعانون من السمنة المفرطة، وقد شملت الدراسة 33 ذكر و 77 أنثى ؛ متوسط   العمر ٣٤ الى ٣٦ سنة ، وزن الجسم ١٢٩ الى ١٣٤ كجم وقد تم إدخالهم إلى المستشفى لمدة ثلاثة أسابيع  لعلاج السمنة المفرطة بحمية الصيام.

في بداية هذه الفترة وخلالها وفي نهايتها ، قام الفريق المعالج بتقييم التغيرات في ضغط الدم ، و الدهون ، بالإضافة إلى معايير تنظيم السكر بما في ذلك نسبة السكر في الدم والأنسولين في الدم وحساسية الأنسولين, و تم إجراء اختبار تحمل الجلوكوز الفموي (OGTT) لجميع المرضى في بداية حمية الصيام ونهايتها.

 وكانت نتائج حمية الصيام لثلاثة اسابيع متمثلة بانخفض وزن الجسم ٨ الى ١٢ كجم، وانخفض ضغط الدم الانقباضي والانبساطي بشكل ملحوظ بحوالي ٦ الى ٨٪. بالإضافة إلى ذلك ، أدى نظام الصيام إلى انخفاض كبير في الكوليسترول الكلي ، والكوليسترول الخفيف (السيء)، والدهون الثلاثية،  وكذلك نسبة السكر في الدم  وأنسولين الدم.

واخلصت الدراسة الى ان نظام الصيام لمدة ثلاثة أسابيع في المرضى الذين يعانون من السمنة المفرطة ادى إلى انخفاض ملحوظ في ضغط الدم ، وانخفاض في الدهون ، وتحسن في تنظيم السكر بما في ذلك زيادة حساسية الأنسولين والذي يقلل بالتالي خطورة الاصابة بالسكري النوع الثاني .

والجميع يعرف ان فقدان الوزن لا يحدث للكثيرين ممن يصومون لفترة شهر كامل او اكثر، والاسباب عديدة، بعضها بسبب عوامل جيدة وبعضها سيئة للاسف الافراط في الاكل غير الصحي.

فقد حدث في كثير من الاحيان ان اخبرني بعض مرضاي ان وزنهم ثابت لا يتغير مع اتباع الصيام المتقطع ٨:١٦ المشابه للصيام الاسلامي، وعند سؤالي عن خصر البطن، يكون الجواب انه قد تغير بالنزول! فكيف يقل الخصر ولا يتغير الوزن؟

بالواقع، ان من افضل النتائج التي يسببها الصيام هو زيادة هرمون النمو، والذي يعزى لانخفاضه ضهور علامات الشيخوخة وما يصاحبها من انتكاس الجسد. فهرمون النمو يتضاعف تقريبا ٥ اضعاف عند الصيام٢، وقد لوحظ ذلك حتى في كبار السن فوق ال٦٥ عاما، وكان لارتفاع هرمون النمو في هذه الفئة اثرا ايجابيا في زيادة الكتلة العظلية ونقصان الكتلة الشحمية وشد الجلد وتجدده، ولانخفاظ هرمون النمو السبب المعاكس الذي نراه عادة في الشيخوخة.

ولان زيادة هرمون النمو يصاحبها بناء كتلة عظلية مقابل تقليل الكتلة الشحمية، يكون الناتج النهائي في اكثر الاحيان قليلا او معدوما، اي على سبيل المثال، يكسب البعض خلال اسبوع واحد من الصيام حوالي ١ كيلو غرام كتلة عظلية، ويفقد ٢ كيلو غرام كتلة شحمية، فيكون الفارق في الوزن كيلو غرام واحد فقط، وفي بعض الأحيان لا يوجد اي فرق بسبب تساوي الزيادة مع النقصان في كلى كفتي الميزان، وللبعض الاغذية مثل البروتين اثر ايجابي في زيادة الكتلة العظلية، عكس الكاربوهيدرات والزيوت غير الصحية،بالاضافة الى الحركة التي تزيد نشاط الكتلة العظلية وبنائها.

والامر في كل الحالات يعتبر ايجابيا، فزيادة الكتلة العظلية هو ما نطمح اليه للوصول الى جسم سليم، ولا يوفر اي نظام غذائي هذه الفائدة عدى الصيام.

بالاضافة الى فوائد اخرى مثل تنظيم هرمون الجوع والشبع وهرمونات اخرى قد نتناولها في مقالات لاحقة.

ورغم ان الدراسات البحثية تركزت على الصيام المتقطع الذي لا يشمل الصوم عن شرب الماء، بينت بعض الدراسات تشابه النتائج بحد كثير بين نمطي الصيام، لكن نأسف لقلة الدراسات عن الصيام الاسلامي لمعرفة اوجه التقارب والاختلاف، وشخصيا اعتقد ان هذه الفوائد مضمونة لمن يصوم الصيام الاسلامي ايضا.

وللصيام ل١٦ ساعة اثر قد يحدث لبعض النساء يؤدي الى تأخر الدورة الشهرية، لكن هذا الاثر بالعادة يذهب بعد انتهاء ايام الصيام والعودة الى النمط الطبيعي ولا خطورة صحية تنتج عنه.