...مَنْ أمنَ العقوبة

صباح الطالقاني

درجْنا بعد التغيير عام 2003 ان نسمي هذه الفترة (سقوط النظام) ويبدو ان أغلب الناس قد فهمت هذا المصطلح بأنه سقوط لكل شيء منظّم بما فيه معالم الالتزام بالقانون والنظام العام. فترى عدم الالتزام بالضوابط المرورية والتجاوز على الأرصفة والطرقات والأماكن العامة وشبكات الماء والكهرباء، حتى اصبحت هذه المظاهر حالة طبيعية في كل مكان من مدننا.

نعم هناك الجانب الارشادي والتوعوي والتثقيفي الذي تقوم به بعض المؤسسات الاعلامية والثقافية والحقوقية والدينية ولكننا نعلم انه في جميع دول العالم تتوازى خطوط التوعية مع التنبيه والعقوبات تماما، بحيث ان الذي يمتلك ثقافة الحفاظ على المال العام واحترام القانون وعدم التجاوز سوف لن يجد صعوبة او ضرراً في التزامه، والذي لم يتعود على ذلك فان التنبيه والعقوبة كفيلان بجعله طيّعاً بمرور الزمن.

وهنا يظهر التقصير في تفعيل القوانين التي تفرض ثقافة الحفاظ على النظام والمال العام، باعتباره خطّاً موازياً لثقافة التوعية والارشاد، ولعلنا نتسائل بوضوح ألم تكن دوائر البلديات تفرض الغرامات الرادعة على كل بيت ومحل وشركة ومبنى يبدر منه شيء من التجاوز؟ وأين ذهبت هذه القوانين هل تبخرت؟ بالطبع لا فهي موجودة في العراق كما هو الحال في باقي الدول انما الذي تبخّرَ هو الاحساس بالاعتزاز بالوطن والإحساس بالمسؤولية، حتى أصبح الهوَس الوحيد للمواطن هو الكسب المادي، من أقل مراتب الناس مادياً واجتماعياً وحتى أعلاها.

وقد يكون هذا الكلام تكرار واجترار لما قبله بيد ان الذي يمتلك الحرص والإحساس بالمسؤولية يجب ان لايوقفه عدم انتباه الآخرين وغفلة المسؤولين، ولهوِهم بالمكتسبات والامتيازات التي توفرها لهم مناصبهم.

وما يقلقنا ايضا هو النفاق الاجتماعي لأناس يتحدثون عن الفضائل والعدل والأخلاق السامية، وبيوتهم او محلاتهم تصادِر الأرصفة او تملأ شوارعهم برك المياه المنسابة من منازلهم لتخرب الطرق المعبّدة، او اسلاك الكهرباء التي يربطون الاجهزة الكهربائية بها مباشرة من المصدر هرباً من دفع التكاليف، او التجاوز على شبكة الكهرباء التابعة للحي المجاور. نقول لهؤلاء ان أساس وعي المجتمع هو تربية الفرد على النظافة واحترام النظام العام والمال العام، فكيف لأبنائكم ان ينشئوا نشأة سوية وانتم تتصرفون بازدواجية فاضحة بين القول والفعل...

انها دعوة للحكومات المحلية والبلديات لتفعيل قوانين الردع المناسبة بحق المتجاوزين مهما كانت صفتهم- ولو اننا على يقين بأن الفساد المالي والإداري سيحد من فاعلية التأثير- ولكن هو قول لا بد منه وتكراره واجتراره حتى يتحقق.