المؤسسة الجامعية في ظل نظام التعليم المدمج

م.د خديجة حسن علي القصير

تواجه مؤسسات التعليم العالي اليوم مطالب عدة فرضتها عليها التطورات العلمية والتكنولوجية المتلاحقة، وأصبح عليها على الرغم من قلة الإمكانات والموارد المتاحة لها أن تواجه الإقبال المتزايد على التعليم العالي، والارتقاء بمستوى كفاءته وفعاليته وجودته؛ ليتماشى مع متطلبات العصر، ويفي باحتياجات سوق العمل، ويفُعل خطط التنمية، وذلك من خلال تطوير الكوادر البشرية.

ومن أجل تحقيق ومواجهة هذه المطالب والاحتياجات التعليمية، كان لا بد من إحداث تغيرات جذرية في نظام التعليم الجامعي، بحيث لا يقتصر على نمط التدريس التقليدي داخل قاعات الدراسة، بل الاعتماد على نمط يستطيع توظيف التطورات الحديثة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، مع اتسامه بالمرونة والكفاءة والفاعلية، وخصوصا في الوقت الحاضر وما تمر به دول العالم اجمع من آثار هذه الجائحة التي اجتاحت دول العالم وجعلت صعوبة في التواجد الفعلي في القاعات الدراسية لذلك جاء نظام التعليم المدمج"Blended Learning"  ليكون الوسيلة التي من خلالها تستمر الحياة العلمية وضمان استمرارية تواصل وتلقي الطلاب لمفردات منهجهم الدراسي.

 والتعليم المدمج يمثل برنامج تعلم تستخدم فيه أكثر من وسيلة لنقل (توصيل) المعرفة والخبرة إلى المستهدفين بغرض تحقيق أحسن ما يمكن بالنسبة لمخرجات التعلم وكلفة تنفيذ البرنامج، ويطلق عليه العديد من الأسماء، منها: التعلم الخليط, والتعلم المدمج والتعلم التمازجي، والتعلم المؤلف، والتعلم الممزوج، والتعلم الهجين، والتعلم المتمازج باللغة العربية           و“integrated learning”، و “hybrid learning، و “multi-method learning”باللغة الإنجليزية ويرجع التعدد في هذه الأسماء لاختلاف وجهات النظر حول تعريف وطبيعة التعلم المدمج حيث وردت العديد من التعريفات له، ولكن القاسم المشترك بينها جميعاً، هي النظر للتعلم المزيج بأنه ناتج للمزج بين التعلم الالكتروني مع التعلم الصفي التقليدي، ولكن الاختلاف مصدره في نوع وطبيعة العناصر التي تُمزج وتتكامل مع بعضها البعض، فهناك من يُعرف التعلم المزيج من وجهة النظر القائمة على أن التعليم المزيج ما هو إلا مزج بين استخدام شبكة الانترنت - كأحد أشكال التعلم الإلكتروني-  والتعليم التقليدي.

 ومن أمثلة هذه التعريفات ما ورد في دراسة "ثورن" Thorne (2003) ، و"ميلهيم" Milheim (2006) ، بينما يرى آخرون أن التعلم المزيج ما هو إلا مزج بين التعلم الإلكتروني بجميع صوره وأشكاله - سواء المعتمدة على الكمبيوتر أو على شبكة الانترنت - والتعليم التقليدي، بحيث لا يقتصر على أحدهما فقط بل الأثنين معاً ، ومن أمثلة هذه التعريفات، تعريف التعلم المزيج "لبونك وجرهام" Bonk and Graham (2005)، وفئة أخرى تُعرف التعلم المزيج من منظور أنه مزج للسمات والمميزات التي يتسم بها كل من التعليم التقليدي والتعليم عن بُعد في صورة متكاملة ومنظمة، بينما هناك من يرى أن التعلم المزيج هو المزج المتكامل بين العناصر المختلفة المكونة لنمطي التعلم الإلكتروني والتقليدي، فيري "سينغ" Singh (2003) أن مفهوم التعلم المزيج يرتبط بالمزج بين بعد او بعدين من نوعي التعليم التقليدي والتعليم الإلكترونى.

 وتتضمن أبعاد المزج: التعلم عبر الإنترنت والتعلم التقليدي، والتعلم البنائي والتعلم غير البنائي، والمقرر الأساسي والمقرر الإثرائى، واكتساب المعرفة والممارسة العملية، بين أنشطة الفصل التقليدي مثل المحاضرات والمعامل وأنشطة التعلم عبر الانترنت مثل: الفصول الافتراضية والمقابلات والمناقشات عبر الإنترنت " كما عرفه آخرون: "هو نوع من التعليم الحديث يدمج المدرب بين التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني وايضا يقصد بالتعلم الخليط مزج أو خلط ادوار المعلم التقليدية في الفصول الدراسية التقليدية مع الفصول الافتراضية والمعلم الالكتروني أي انه تعلم يجمع بين التعلم التقليدي والتعلم الالكتروني.

وعرفه الفقي: نظام متكامل يدمج الاسلوب التقليدي للتعلم وجها لوجه (Face –to -Face) مع التعلم الالكتروني عبر الأنترنت (Web- based e-Learning) لتوجيه ومساعدة المتعلم كأحد المداخل الحديثة القائمة على استخدام تكنولوجيا التعليم في تصميم مواقف تعليمية جديدة (الفقي، 2011، ص 15).

وبالتالي فالملاحظ من التعليم المدمج ما يلي:

• هو اعادة هيكلة وصياغة المحتوى التعليمي بالاعتماد على نظريات التعلم وادماجه بالوسائط الالكترونية الحديثة المختلفة والتي توفر للمتعلم بيئة تفاعلية نشطة من خلال برامج ادارة المحتوى، حيث تنقله من غرفة الصف التقليدية الى صف أوسع غير محدد بزمان او مكان (شطرات، 2010، ص 9).

• توظيف المستحدثات التكنولوجية ودمجها بالأهداف والمحتوى ومصادر وانشطة التعلم وطرائق توصيل المعلومات من خلال اسلوبي التعلم وجها لوجه، لإحداث تفاعل بين عضو هيئة التدريس كونه معلما ومرشدا للطلبة (الغريب، 2009، ص 100).

  • نظام تعليمي تعلمي يستفيد من كافة الامكانيات والوسائط التقنية المتاحة، وذلك بالجمع بين اكثر من اسلوب واداة للتعلم سواء كانت الكترونية او تقليدية، لتقديم نوع جيد من التعلم يتناسب مع خصائص المتعلمين واحتياجاتهم من ناحية وطبيعة المقرر الدراسي والاهداف التعليمية من ناحية اخرى (ابو خطوة، 2009، ص 4)

• هو استخدام التقنية الحديثة في التعليم دون التخلي عن الواقع التعليمي المعتاد والحضور في غرفة الصف، حيث يتم التركيز على التفاعل المباشر بين الطلبة والمعلم عن طريق استخدام اليات الاتصال الحديثة كالحاسوب وبوابات الانترنت (الشوملي، 2007، ص 6)

لقد أثبتت عديد من الدراسات فاعلية استخدام التعلم المزيج في تنمية متغيرات بحثية متعددة لدى طلاب التعليم العالي ذي تخصصات مختلفة، حيث أشارت أغلبها الى فاعلية التعلم المزيج في تنمية التحصيل المعرفي لدى الطلاب وخصوصا في المواد ذات مقرر تكنولوجيا التعليم، فضلاً عن فاعليته في تنمية مهارات الطلاب في توظيف الوسائل التعليمية

وأثبتت تجارب عديد من الجامعات في دول مختلفة نجاح استخدام التعلم المزيج في التعليم الجامعي ، فقد تبنت الجامعة الماليزية التعلم الإلكتروني، بحيث أصبح أساسياً في مؤسسات الجامعة ، وتزايدت نسب أعداد المتعلمين بهذا النمط في تخصصات الجامعة المختلفة من 753 طالباً عام 2001 إلي 65000 طالباً عام 2007 ، مع تأكيد الجامعة على نجاح هذا النمط بجودة ونوعية التعلم ، وفي الوقت ذاته  إرضاء رغبات الطلاب المختلفة (أنور علي ، تحديات التقدم نحو التعلم الإلكتروني، 2008)، كذلك قدمت جامعات مثل هارفارد بالولايات المتحدة الامريكية، وكامبردج بالمملكة المتحدة نماذج مختلفة من التعلم المزيج في تخصصات مختلفة أدت إلى إقبال عديد من الطلاب على هذه البرامج، كما اشارت تقارير تقويم هذه البرامج بالجامعات إلى فاعليتها في تنمية جوانب مختلفة لدى الطلاب ( سلامة عبد العظيم وأشواق عبد الجليل، الجودة في التعليم الإلكتروني (مفاهيم نظرية وخبرات عالمية)، 2008)

 كما لا يخفى علينا ان التعليم المدمج يؤثر في مخرجات العملية التعليمية كونه يركز على تحقيق افضل اهداف التعليم من خلال استعمال تقنيات التعليم الصحيحة لمقابلة أنماط التعلم الشخصية الصحيحة من أجل نقل المهارات الصحيحة للشخص المناسب في الوقت الصحيح.

 أما فيما يتعلق بالجامعات العراقية ونجاحها في تطبيق هذا البرنامج فنقول ان التقارير والدراسات العلمية اشارت الى ان التعليم المدمج ليس وليد اليوم بل هو موجود منذ فترة، ويرحب به المختصون ولكنهم يدعون الى تقنينه وتنظيمه لخدمة الطالب والاستاذ في آن واحد، اذ من الضروري ان يكون هناك ارشاد وتواصل من قبل الاستاذ مع الطالب لشرح الآليات التعليمية، خصوصا اذا كان الامر يتعلق بالبرمجيات والتقنيات الحاسوبية والتكنولوجية المختلفة، ومن الضروري ان يكون هناك عمل تفاعلي جماعي لا يقتصر على طالب واحد فقط، بل اشراك عدد من الطلاب في برامج دراسية الكترونية، فضلا عن ضرورة استعداد الملاك التدريسي لتكرار المادة العلمية اكثر من مرة كي يستوعبها الطالب، وان لا يتم التعامل مع الدرس بعجلة وتسرع. فضلا عن ان نجاح هذا الامر يحتاج الى كثير من العوامل في مقدمتها عوامل تقنية تتعلق بطبيعة الانترنت وتوفره عند الفئات جميعا والتي تشارك في العملية التعليمية فضلا عن الكفاءة والخبرة في استخدامه من قبل الهيئة التدريسية والطلاب كذلك.

المصدر: مجلة الروضة الحسينية