أوبئة و أزمات.. المطلوب الالتزام لا الهلع

صباح الطالقاني

يحدثنا التاريخ عن كوارث وأوبئة عديدة أصابت البشرية وقضت على ملايين من الناس قبل أن تنحسر وتنتهي عند الحصول على مضاد حيوي او الوصول الى مستوى الإشباع الذي تصل اليه أعداد المصابين واكتسابهم المناعة الجماعية او ما يدعوه المختصون بـ مناعة القطيع.

فبمجرد انتهاء الحرب العالمية الاولى بفضائعها التي قضت على أكثر من 37 مليون انسان تعرّض العالم ما بين عامي 1918 و 1919 الى وباء فتاك سبّبه فايروس بهيأة أنفلونزا سُمّيت الانفلونزا الاسبانية، مخلّفا ورائه خسائر مهولة قدرت بـ 40 – 50 مليون حالة وفاة في بلدان عديدة كالهند واليابان والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا.

لاحقاً، تعرض العالم الى أمراض عديدة لكنها لم ترتقي الى خطورة الوباء الحالي (كورونا) الذي انطلق من مدينة ووهان الصينية في منتصف كانون الاول 2019 ليمتد كالأخطبوط الى اكثر من 85 دولة توزعت على كل قارات العالم بمجموع اصابات لامسَتْ سقف الـ 110 مليون اصابة و 2,5 مليون حالة وفاة بحلول شهر شباط من العام 2021.

ان الخطورة المرعبة لفايروس كورونا لا تكمن فقط في تركيبته التي عجز المختصون عن ايجاد مضاد لها حتى الآن، بل في أعراضه المتشابهة كثيراً مع أعراض الانفلونزا العادية، والخطر الأكبر في هذا العدو الخفي يكمُن أيضاً بأنه غير محسوس لمدة تقارب الـ 14 يوماً، وينتقل عن طريق التلامس وعبر السطوح المختلفة التي نتعامل معها يومياً، الامر الذي يصعّب من امكانية اكتشاف المصابين وعزلهم قبل أن ينقلوا العدوى الى أناس آخرين.

ان التحدي الحقيقي في مواجهة هذا العدو المتخفي هو ضعف الوعي الصحي والثقافة التي تتميز بها مجتمعاتنا العربية حيث التمسّك بالعادات والتقاليد التي تفرض التواجد في تجمعات بأعداد كبيرة قد تتحول لاحقاً الى بؤرة مدمرة لنشر وباء كورونا، فضلاً عن الاستخفاف وعدم القناعة لدى الكثيرين بالتوجيهات والتعليمات الصادرة من السلطات المختصة.

وهذا الأمر دعا المرجعية الدينية العليا في العراق الى توجيه خِطب الجمعة نحو حث الناس على الالتزام بالتعليمات، والتحلّي بالثقافة الصحية واعتماد سلوكياتها كجزء مهم من الحياة اليومية، فقد أشار ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ الكربلائي في خطبة الجمعة بالصحن الحسيني بتاريخ 28 /2 /2020م الى ضرورة زيادة الوعي الصحي استناداً لأربعة أسس، أوّلها نشر الثقافة الصحية المعتمدة على بيان وتوضيح المفاهيم الصحية السليمة المستندة الى الاسس العلمية والمعرفية المأخوذة من أهل الاختصاص بعيداً عن الاوهام والاساطير والتقاليد البالية.

وتطرق الأساس الثاني الى ضرورة اعتبار الوعي الصحي من ضرورات الحياة ومهامها، وليس أمراً ثانوياً وهامشياً وان نعلّم الصغار ونُشعرهم بأن ذلك من ضرورات الحياة ومهامها.

وأكد ممثل المرجعية العليا ضمن الأساس الثالث على ضرورة شعور الجميع بمسؤوليتهم وأن كل فرد مسؤول أمام صحته وصحة الأفراد من حولهِ، ولابد أن يكون هناك تثقيف على هذا الأمر في الاسرة وفي المؤسسات التعليمية والدوائر الرسمية وغيرها.

وختم ممثل المرجعية العليا حديثه بالإشارة الى ضرورة أن تتحول هذه المفاهيم الصحّية الى قناعات وميول ورغبات، بحيث انها تُغرس كمبادئ سلوكية في نفسية الانسان، وهذا الامر تتحمل جزء كبير منهُ وسائل الاعلام وأساليب التوعية والاعلان التي تقوم بها المؤسسات الرسمية المعنية.

أمَا وقد وصلت أعداد المصابين في العراق بحدود 650 ألف اصابة و تجاوزت 13 ألف حالة وفاة بسبب الوباء، وازداد الضغط على الجهات الصحية وبدأت جهات رسمية أخرى تقدم الإسناد والدعم كالحشد الشعبي وبقية الجهات الأمنية، أصدرت المرجعية الدينية العليا استفتاءً سانداً للجهود المبذولة جاء فيه: "ان علاج المرضى ورعايتهم والقيام بشؤونهم واجب كفائي على كل المؤهلين لأداء هذه المهام من الاطباء والكادر التمريضي وغيرهم".

وعدّت المرجعية العليا هذه الجهود" عمل عظيم وجهد لا يقدّر بثمن، ولعلّه يقارب في الاهمية مرابطة المقاتلين الابطال في الثغور دفاعاً عن البلد وأهله، ومن المؤكد ان الله تبارك وتعالى يقدّر لهم جهودهم في الدنيا ويثيبهم عليها في الآخرة، بل يرجى لمن ضحّى بحياته منهم في هذا السبيل أن يثبت له اجر الشهيد ومكانته في يوم الحساب.."

نحن مدعوون اليوم الى اتخاذ سبُل النجاة التي ترتكز في أوّلها وأهمها على التضرع الى الله تعالى لدفع هذه الابتلاءات، والالتزام بالتوصيات الصادرة من الجهات الصحية والأمنية وعدم الاستخفاف والتهاون بها، والتحلي بثقافة الوعي الصحي لتكون جزء من سلوكياتنا اليومية في الحياة، أملاً في العبور الى ضفة النجاة.