علَّمني رمضان

صباح الطالقاني

منذ زمن بعيد كانت تكتنف أوقات صيامي همزات الغضب غير المبرر وأشعر وكأن الشيطان يريد لف حبائله حول مجاديف الصبر الموصلة لبر الأمان في نهاية اليوم الرمضاني، فأتصور الأمر وكأنه صراع مرير، وتراني يقلقني الحذر من فقدان الهدوء والسكينة المكتسبة من رحمة الله لعباده الصائمين كلما تعرضتُ لشيء من الإغاظة والإزعاج.

وفي أحد النهارات الرمضانية القائضة مررتُ على رجل عجوز وهو يحمل أمتعة أثقلت كاهله وتوقفَ لحظات ليلتقط انفاسه، فبادرتُ لمساعدته لكنه أبدى امتنانه، دون أن يعطيني فرصة، وقال "بعد رحلة العمر الطويلة لا تتصور بأن الصيام ينقص من همّتي لأنه لله وهو الذي سيجزيني عليه، وأقل ما أتوقعه هو إيصال هذه الأمتعة لعيالي..."

أدركتُ حينها أن الصيام يعني فيما يعنيه قوة الإرادة وتهذيب النفس والتحكّم بها، وتوجيه التفكير قلباً وقالباً نحو العبادات والمستحبات وعمل الخير، وقطْع الطريق أمام الملذات الطائشة ونوابز النفس الأمّارة بالسوء من أن تُفسد صفاء الروح والذهن في شهر الرحمة والغفران... أدركتُ أيضا ان الصيام يجب ان لا يثني المؤمن من ان يؤدي عمله كاملاً، ويتحمل مسؤوليته كاملة، في كل تفاصيل يومه الرمضاني، كما بقية الايام دون تمييز.

لأن الله تعالى فرضَ الصيام تثبيتاً للإخلاص، وأن علّة وجوب الصوم كما جاءت على لسان الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام هي:" لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، فيستدلوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإحسان عن الشهوات، وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل، ورائضاً لهم على أداء ما كلّفهم، ودليلاً لهم في الأجل، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدّوا إليهم ما اقترض الله تعالى لهم في أموالهم".

منذ ذلك الحين انغرستْ في ذهني وقلبي بواعث الصبر والاحتساب في صيام رمضان مهما كانت أجواءه قائضة أم قارسة، مريحة أم متعبة، آمنة أم مخيفة، وأقدّم هذه الدعوة لكل من ينوي الصيام والقيام بهذا الشهر الكريم لأن يتجاوز المنغّصات التي قد تكتنفه بسبب الظروف المعيشية الصعبة أو قساوة الصيف وقلة وجود الكهرباء والماء والخدمات، وأن يضع نصب عينيه الفوز في آخر رمضان بالجائزة الكبرى برضوان الله تعالى وحصاد الأجر والثواب، وألاّ يجعل من الصيام شماعة لارتكاب الأخطاء أو التجاوزات بحق الآخرين ونفسه...