صوم بلا صلاة.. هباء منثور

يحيى الفتلاوي

تظهر بين آونة وأخرى حالة من الحالات غير الصحيحة في مجتمعاتنا الإسلامية وذلك بسبب بعض القصور في الفهم والمعرفة لماهية ومكونات الدين الإسلامي وقواعده وما فيه من أصول وفروع وأركان وواجبات ومستحبات ومكروهات وغير ذلك.

ومن بين تلك الحالات التي عادت الى الظهور بعد اندراسها فترة من الزمن هي حالة الصيام والصلاة في رمضان فقط، وترك الصلاة في بقية شهور السنة، وهذه الحالة هي ليست محط موضوعنا هنا، إنما هي الحالة الأخرى التي تعتبر اشد وطأة من تلك، ألا وهي حالة الصيام دون أداء الصلاة، بدعوى عدم الرغبة في خسران فضائل هذا الشهر ومنها تكفير الذنوب وانه يمكن الحصول على ذلك التكفير من خلال الصيام فقط، باعتبار أن رمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن.

وفي حقيقة الأمر أن هذه الحالة غير صحيحة وان العامد إليها لن يجني من صيامه إلا التعب والجوع والظمأ وفي الختام فانه لن يقبل منه، وسيذهب جهده هباء منثورا، وكل ذلك لان بنيانه كان خاطئا ولا أساس له، ومن المعروف أن لكل بناء متين يراد له النجاح وحماية صاحبه أن يكون له أساس متين يرتكز إليه وإلا فإما أن لا يكمل ذلك البنيان أصلا أو انه سيهوي على رأس صاحبه ويودي به الى الهلكة لسوء فعله وعدم اللجوء الى القواعد الصحيحة في العمل.

مثال آخر لأعمال الإنسان وبنيانه يمكن الاعتماد عليه وهو يتمثل في بناء الإنسان لخيمة يستظل بها أو يسكن تحتها لتقيه من آثار الطبيعة، ومما لا شك فيه أن تلك الخيمة لا يمكن بناؤها والاستفادة منها من خلال ووضع أوتاد لها في جهاتها الأربعة فقط وترك العمود الرئيسي الذي سيقوم برفعها وجعلها تؤدي الغرض الذي صنعت من أجله .

وهكذا هو الأمر تماما في قضية الصلاة بالنسبة لجميع الفرائض الأخرى ومنها فريضة الصيام، فلا نفع منها ما لم يكن عمادها الصلاة، ولأجل هذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) (إن الصلاة عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها وإن رُدّت ردّ ما سواها).

و قال أيضا: الله الله الله في الصلاة فإنها عمود الدين، من أقامها فقد أقام الدين و من تركها فقد هدم الدين.

وقال :(ليس مني من استخف بصلاته)وقال (لا ينال شفاعتي مستخفا بصلاته)

كما انه عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم قد جعل الصلاة مقياسا ودلالة على الفرق بين الكفر والإيمان فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ( العهد بيننا و بينكم الصلاة، من تركها فقد كفر).

كما أن هناك نقطة مهمة يجب الالتفات إليها وهي أن المرء إذا عمل عملا جميلا وأراد أن يوصله الى من يحب أن يطلع عليه فانه لا بد له من أن يلجا الى وسيلة اللقاء مع ذلك الشخص لإبلاغه واطلاعه على كل تفاصيل ذلك العمل، وهكذا الأمر فيما إذا عمد الإنسان الى الصيام فلا بد له من إيصاله الى ربه الذي صام له، ولعمل ذلك لا بد له من لقاء معه ولا يتم هذا اللقاء ألا من خلال الصلاة، والصلاة فقط لا غيرها، رغم أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في هذا الكون ويرى كل عمل يعمله الإنسان، ولكنه تعالى هو الذي وضع هذه المسألة بحيث جعل الصلاة هي وسيلة اللقاء به والدخول الى ساحة عرشه، وكما جاء في الحديث الشريف(الصلاة هي صلة بين العبد وربه، فمن تهاون بها فقد ظلم نفسه)، ومن أهم جهات ظلم النفس عدم إيصال ذلك العمل الى من يجزي عليه ويكافئ. 

ولنختم هذه الكلمات بهذا الحديث الرائع عن إمامنا جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) الوارد في (تفسير القمي)باب ثواب الصلاة

قال الإمام الصادق (عليه السلام): إن المصلّي إذا توجه إلى مصلاّه ليصلي، قال الله تعالى لملائكته: ألا ترون إلى عبـدي هذا.. قد انقطع عن جميع الخلائق إليّ وأمِل رحمتي وجودي ورأفتي.. أُشهِدكم أني أحفه برحمتي وكرامتي.

فإذا رفع يديه وقال: الله أكبر وأثنى على الله، قال الله تعالى لملائكته: يا عبـادي.. أما ترونه كيف كبّرني.. وعظّمني.. ونزّهني عن أن يكون لي شريكُ أو شبيه أو نظير ورفع يديه تبرّؤاً عمّا يقوله أعدائي من الإشراك بي؟؟؟؟

أُشهِدكم أنّي سأكبره وأعظّمه في دار جلالي وأنزههفي منتزهات دار كرامتي.. وأُبرئه من آثامه وذنوبه ومن عذاب جهنّم ومن نيرانها..

فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين ... فقرأ فاتحة الكتاب وسورة ، قال الله تعالى لملائكته : أما ترون عبـدي.. هذا كيف تلذذ بقراءة كلامي؟؟؟؟

أُشهِدُكم يا ملائكتي لأقولنَّ له يوم القيامة اقرأ في جناني وارق في درجتي في جناني.. فلا يزال يقرأ ويرقى بعدد كل حرفٍ درجة من ذهب ودرجة من فضّة ودرجة من لؤلؤ ودرجة من زبرجدٍ أخضر ودرجة من جوهر ودرجة من زمردٍ أخضر ودرجة من نور رب العالمين..

فإذا ركع قال الله تعالى لملائكته: يا ملائكتي أما ترون كيف تواضع عبدي.. لجلالي وعظمتي؟؟؟؟

أُشهدكم لأعظِّمنَّه في دار كبريائي وجلالي..

فإذا رفع رأسه من الركوع قال الله تعالى لملائكته: أما ترون يا ملائكتي كيف يقول؟؟؟

وأرتفع عن أعدائك كما أتواضع لأوليائك وانتصب لخدمتك..

أُشهدكم يا ملائكتي لأجعلنَّ جميع العاقبة له، ولأصيرنّه إلى جناني.

فإذا سجد قال الله تعالى لملائكته:

أما ترون كيف تواضع بعد ارتفاعه؟؟؟

وقال لي: وإن كنت جليلاً في دنياك فأنا ذليل عند الحق إذا ظهر..

سوف أرفعه بالحق وأرفع به..

فإذا رفع رأسه من السجدة الأولى ، قال الله تعالى يا ملائكتي : أما ترونه كيف قال؟؟؟

إني وإن تواضعت لك فسوف أخلط الانتصاب في طاعتك بالذل بين يديك..

فإذا سجد ثانيةً قال الله تعالى لملائكته: أما ترون عبدي.. هذا كيف عاد إلى التواضع لي؟؟؟

لأعيدنَّ إليه رحمتي، فإذا رفع رأسه قائماً قال الله تعالى: يا ملائكتي لأرفعنّه بتواضعه كما ارتفع إلى صلاته..

ثم لا يزال يقول لملائكته هكذا في كل ركعة حتى إذا قعد إلى التشهد الأول التشهد الثاني قال الله تعالى: يا ملائكتي قد قضى خدمتي وعبادتي وقد اثنى عليّ وصلى على محمد نبيي

لأثنينّ عليه في ملكوت السماوات والأرض ولأصليَّن على روحه في الأرواح

فإذا صلّى على أمير المؤمنين في صلاته ، قال: لأصليّنَّ عليك كما صلّيت عليه، ولأجعلنّهُ شفيعك كما استشفعت به… فإذا سلم من صلاته سلّم الله عليه وسلم عليه ملائكته وفتحت له أبواب الجنان وقيل له: ادخل من أي بابٍ شئت بلا حساب.