لماذا يفشل إعلامنا دولياً؟

د. مسلم عباس/ صحافي وأكاديمي عراقي

سؤال يدور في أذهان المسؤولين والمختصين وحتى المواطنين، لماذا نفشل في تسويق القضايا العراقية دولياً رغم عدالتها وإنسانيتها أكثر من القضايا المُدَوّلة، حتى بات العراقي يشعر بالغبن ويرفع راية المظلومية الإعلامية؟ فأين تكمن المشكلة؟

لا يمكننا تقديم إجابة واضحة بدون فهم طبيعة البيئة الإعلامية العالمية، والأسس التي تقوم عليها، فالقضية العادلة التي تملكها دولة مثل العراق، هي بمثابة رسالة إعلامية، تحقق شروط عدالتها كقضية اجتماعية ووطنية، لكن هذه القضية بحاجة الى من يحولها الى رسالة، مكتوبة أو مسموعة أو مرئية.

من يحولها شخص نطلق عليه القائم بالاتصال، ولهذا الشخص شروط في عمله، أهمها أن يكون مدركا للبيئة الإعلامية العالمية ومحترفاً، والقائم بالاتصال العراقي متوافر لكنه يتعرض لسوء التوظيف، بسبب سيطرة غير المهنيين على إدارات المؤسسات الإعلامية.

وإذا ما نجح القائم بالاتصال في إعداد الرسالة الإعلامية، يحتاج إلى الوسيلة، كأن تكون قناة فضائية أو موقعا الكترونيا أو صحيفة، ولا يمكن لهذه الوسيلة أن تحقق انتشاراً واسعاً بدون معايير النشر العالمية، تحترم قواعد العمل الإعلامي، وتضع نصب أعينها فهم البيئة الاجتماعية العراقية المعقدة، أي فهم الذات أولاً، ثم البيئة العالمية، وتعرف كيف تختار ما يصلح للنشر، ويتحول الى قضية رأي عام عالمي.

هل نملك هذه الشروط في العراق؟ أي هل نملك القائم بالاتصال المحترف، والوسيلة العالمية، والرسالة الإعلامية العالمية؟

القائم بالاتصال متوافر، كما أسلفنا، والعراق منجم للقصص العالمية، وما ينقص البلاد هو وجود سياسة إعلامية تضعها الدولة من أجل وضع الأسس لمشروع إعلامي واسع الانتشار، مع أخذه بجدية كبيرة ودعم مالي مفتوح، فلكي تكون عالمياً عليك أن توفر الأموال الطائلة، لتغطية نفقات الكادر الوظيفي المحترف.

ما يفتقده العراق هو الاستقرار السياسي، إذ لم نجد دولة واحدة على مستوى العالم تفتقر للاستقرار السياسي قد حققت العالمية الإعلامية، وقد لا نبالغ إذا قلنا أن امتلاك وسائل الإعلام العالمية حكر على الدول العظمى وهي شرط من شروط عظمتها، فحينما أرادت روسيا تنفيذ سياستها الخارجية الجديدة واستعادة ريادتها العالمية، أنشأت قناة روسيا اليوم، وأعادت العمل بوكالاتها للأنباء، وخلال سنوات استطاعت التأثير على العقل العالمي، وباتت تثير الجدل وتتحكم بالقضايا التي تريد لها أن تصل إلى الجمهور.

الفرصة الأخرى المتاحة للعراق هي القطاع الخاص والمؤسسات شبه الرسمية، فعلى مستوى القطاع الخاص لا تتوافر البيئة المثالية لهكذا نوع من الإعلام، لأننا لا نملك القطاع الخاص أصلا، حتى نستطيع البحث عن روبرت مردوخ عراقي، كما أن المؤسسات شبه الحكومية تعاني من تأثيرات عدة سياسية واجتماعية تمنعها من الانطلاق نحو مشاريع إعلامية رائدة. 

وختاماً استعيد ما كتبته عام 2016 حينما كان أبطالنا يسطرون أروع القصص في التضحية والدفاع عن الوطن بينما فشل الإعلام في تسويق بطولاتهم، فعالم اليوم الذي تسوده الصورة أكثر من أي شيء يختلط فيه الواقع بالخيال والمصداقية بالتضليل فيصبح امتلاك قضية سامية غير كافٍ لنجاحها بل إن القضية بحاجة إلى منبر يخاطب العقول ويستميل القلوب، ومن ثم فنحن بحاجة إلى مصارحة مع الذات والبحث بين ثنايا اخفاقنا المتواصل بالحروب الناعمة، ولا يمكن ذلك إلا من خلال منبر إعلامي عالمي.

المصدر/ مجلة الروضة الحسينية