كفر من يموت على بغض آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

قلنا مراراً وتكراراً: لكنّها وما كان على غرارها متقوّمٌ بما هو متواتر مقطوع الصدور، ولو تواتراً معنويّاً؛ فلقد تقدّم أنّ الإمام الرازي قال: ثبت بالنقل المتواتر عن محمد صل الله عليه وآله وسلم أنّه كان يحب علياً والحسن والحسين عليهم السلام، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله؛ لقوله تعالى: (فَليَحذَرِ الذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمرِه أن تُصيبَهُم فتنَةٌ أو يُصيبَهُم عذَابٌ أليمٌ)  ولقوله تعالى: ((لقّد كانَ لكُمْ في رسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حسَنَةٌ لِمّن كانَ يرجُوا اللهَ واليَوم الأَخِرَ وذَكَرَ اللهَ كثيراً)) . وهو صريح المقصود.
فمجموع القرآن والسنّة المتواترة، يقين كامل في أنّ مخالفة النبيّ في حبّ أهل بيته، يوجب النّار والعذاب الأليم؛ ورواية الآل الآنفة في هذا المجرى من دون أدنى شكّ، وحسبنا أنّ الرواية عدا ذلك مشيّدة على آيتي المودّة والتطهير وحديث الثقلين وحديث سيّدي شباب أهل الجنّة وحديث الكساء وغير ذلك على ما اتّضح وسيتّضح؛ وهذا هو الذّي يفسّر لنا ما مضى من أحكام عظيمة من جهة الوعد، وأحكام قاسية من جهة الوعيد في نظام العقيدة الإسلامي، لمن بارز أهل البيت عليهم السلام بالعداوة؛ فعلّة ذلك، فيما انجلى عن الأذهان، ثقل الأصول الإسلامية المقطوعة الصدور والدلالة في عظيم حرمتهم وقدس منزلتهم..
وإذن فثقل الأحكام العقائديّة والفقهيّة في خصوص أهل الكساء؛ مرجعه إلى ثقل دليليّة المتواترات والمقطوعات في بناء المعرفة الإسلامية الأساس، لوضوح أنّ الأحكام العقائديّة والفقهيّة المستنبطة من ذلك، هي ضروريّات هذا الدين أو أنّ أكثرها كذلك فيما ينبغي أن نعرف، ولا ريب في أنّ عاقبة منكرها، قولاً أو عملاً، النّار التي لابدّ منها. وهذا هو الذي يفسّر لنا قول النبيّ صل الله عليه وآله وسلم الحاسم: (لو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام ثمّ لقى الله وهو مبغض لأهل بيت محمد صل الله عليه وآله وسلم دخل النّار).
ولا يخفى على أهل العلم أنّ حديث الصفن هذا ممّا أخرجه الحاكم النيسابوري في مستدركه بسنده الصحيح عن عطاء بن أبي رباح وغيره عن ابن  عباس، ولقد علّق عليه الحاكم قائلاً: صحيح على شرط مسلم  ولم يخرجاه ، ووافقه الإمام الذهبي على ذلك في تلخيص المستدرك .
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم: (بغض بني هاشم والأنصار كفر...). قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات . وقال المناوي: قال الإمام الزين العراقي في القرب: حديث حسن صحيح . وهو نصّ صريح في المطلوب.
وأخرج الحاكم والطبراني عن عائشة مسنداً قالت: قال رسول الله: (ستةٌ لَعَنْتُهُم لَعَنَهُم اللهُ، وكلُّ نبي مجاب: المكذّبَ بقدر الله، والزائدَ في كتاب الله عز وجل، والمستحلَّ محارم الله، والمستحلَّ من عترتي ما حرّم الله، والتاركَ للسنة) . وقد علّق عليه الحاكم قائلاً، مستغرباً من ترك الشيخين البخاري ومسلم لإخراجه: صحيح الإسناد ولا أعرف له علّة، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التصحيح والاستغراب فقال: صحيح ولا أعرف له علّة .
ومن هذا الباب ما أخرجه الهيثمي في موارد الظمآن بسند صحيح، وكذلك ابن حبّان في صحيحه المشهور، كلاهما عن أبي سعيد الخدري قال: (والذي نفسي بيده لا يبغضنا أحدٌ -أهلَ البيت -إلاّ ادخله النّار) ، كما قد أخرجه الحاكم في مستدركه معلقاً عليه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
ويشهد لأصل المعنى في أخبار النبيّ المعتبرة الكثيرة، ما أخرجه الطبراني قال: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ومطلب بن شعيب الأزدي وأحمد بن رشدين المصريون، قالوا: حدثنا إبراهيم بن حمّاد بن أبي حازم المديني، حدثنا عمران بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، عن جده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم: (إن لله عز وجل حرمات ثلاث من حفظهن حفظ الله له أمر دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئاً حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي) . رجاله ثقات إلاّ إبراهيم بن حمّاد؛ قال الإمام الهيثمي: ضعيف، ولم أر من وثقه . لكنّه معتبر في الشواهد من دون كلام.
ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الكبير، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج المصري، حدثنا يوسف بن عدي، حدثنا حماد بن المختار، عن عطية العوفي، عن  أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صل الله عليه واله وسلم فقال: (قد أُعطيت الكوثر). قلت: يا رسول الله وما الكوثر؟! قال: (نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب، ولا يشرب منه أحد فيظمأ، ولا يتوضأ منه أحد فيشعث، لا يشربه إنسان خفر ذمتي، ولا قتل أهل بيتي) .
فروحٌ ثقة، ويوسف ثقة على شرط البخاري، وحمّاد مجهول لم أقف على حاله، وعطيّة صالح الحديث. فسند الحديث مجهول، لكنّه صالح للغاية في الشواهد والمتابعات كما لا يخفى، بل لاشكّ في صدور معناه عن النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلم- بشهادة المتواترات.
ويشهد لذلك ما أخرجه أبو نعيم في الحلية قال: حدّثنا محمد بن المظفر، حدثنا محمد بن جعفر بن عبدالرحيم، حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم، حدثنا عبدالرحمن بن عمران بن أبي ليلى أخو محمد بن عمران، حدثنا يعقوب بن موسى الهاشمي، عن ابن أبي رواد، عن اسماعيل بن أميّة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم: (من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمة من بعدي؛ فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويلٌ للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي) . أقول: فيه بعض المجاهيل لكنّه صالح في ا لشواهد.
والحقّ فالطرق في هذا الأصل كثيرة، وهي متواترة معنى، وحسبك ما سردناه آنفاً من حديث الثقلين وغيره، وهي واضحة بل صريحة في كفر مستحلّ حرمات أهل البيت الكبرى؛ كاستحلال سفك دمائهم المقدّسة.
وأشير لتعميم الفائدة إلى أنّ الكافر عندنا نحن المسلمين على ثلاث أقسام؛ الأوّل هو الكافر المطلق، وهو الذي لا يؤمنن بالله ولا يقرّ بالتوحيد، والثاني: هو الذمّي من قبيل اليهود والنصارى المؤمنون بالله سبحانه بصيغة مشوّهة؛ وإنّما حكم الإسلام بكفرهم لأنّهم صغّروا عظيم شأن الله لمّا قالوا: يده مغلولة. وغلّت أيديهم بما قالوا. ولأنّهم سفّهوا التوحيد، بل قد سخّفوه للغاية، لما جعلوا الله ثالث ثلاثة؛ تعالى الله عمّا يصفون..
أمّا القسم الثالث: فهم بعض من ينطق بالشهادتين ممّن جحد أهمّ ما جاء به النبيّ من ضروريّات الدّين الكبرى، وأنكر أعظم ما قطع بصدوره عن النبي صل الله عليه وآله وسلم من أركان الإسلام الأساس. وبالجملة فلقد حكم الإسلام بارتدادهم؛ لأنّهم كذّبوا النبي في بعض ما جاء به ممّا هو في قائمة الضروريّات والمتواترات أبشع تكذيب..
ومثل هذا أصل عقائديّ كبير، قد اتّفق عليه قاطبة علماء الإسلام، سنّة وشيعة، ناهيك عن جزم ابن تيمية القائل: من أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع، فهو كافر بعد قيام الحجّة .
وهذا هو الذي يفسّر لنا علميّاً جزم التفتازاني بكفر يزيد في قوله: فنحن لا نتوقّف في شأنه، بل في كفره وإيمانه؛ لعنةُ الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه . وكذلك جزم اليافعي في قوله: أمّا حكم من قتل الحسين، أو أمر بقتله، ممن استحلّ ذك، فهو كافر، وإن لم يستحلّ ففاسق فاجر .
وإذن، فمن أجلى ضروريّات هذا الدين، مودّة الحسين وأهل البيت، قرناء الكتاب وعدل الرسالة؛ فمن جحد وأنكر ونفى وجوب مودّتهم ولزوم تعظيمهم قولاً وعملاً؛ فهو لا محالة مكذّب بالنبي وبالقرآن الجازمين بعكس ذلك؛ فالجاحد ليس من الإسلام في شيء وإن صام وصلّى؛ فحكمه حكم من صام وصلّى وجحد وجوب تعظيم الكعبة من هذه الجهة.
وقد يسأل البعض من غير أهل الخبرة عن الحكمة من إيراد هذه الأحاديث النبويّة التي لا جامع بينها في العنوان فيما قد يتوهّم؟!!.
ونجيبه: بأنّ المقصود من إيرادها  فيما يعرف أهل الخبرة، هو انتزاع هذه الجامع؛ فصحيح أنّ آية المباهلة مثلاً ربما لا علاقة لها بدواً بحديث الثقلين، وهكذا بقيّة الأحاديث النبويّة والآيات القرآنية الواردة في شأن أهل البيت، لكن قد قلنا في الفصل الأوّل من هذا الكتاب أنّ همّنا هو انتزاع الملاك التامّ، الذي يعرّفنا بهويّة أهل البيت؛ بإعتبارهم موضوعات لأخطر الأحكام الفقهيّة علاوة على العقائديّة؛ أي موضوعات لزوم التعظيم في أقصى درجاته، وهكذا من جهة الانتهاك، وهذا هو الجامع في الحقيقة؛ إذ من أكبر الأخطاء الشرعيّة التي وقع فيها بعض الباحثين، هو الكلام عن أهل البيت كلاماً اقتطاعيّاً بالنظر للحديث الواحد أو الآية الواحدة.. وأشير سريعاً إلى أنّ الاقتطاع استغفال مبرمج، أساسه خبث النواصب في التاريخ؛ فهم سفّهوا المتواترات وبقيّة أحاديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على هذا الأساس، وللأسف فقد انطلى هذا الاستغفال على غير واحد من أهل الفضل؛ مع أنّ الحقّ الصحيح هو ما يدور مدار الجامع بين المتواترات وغيرها؛ إذ قد لا تظهر القيمة الشرعيّة في الحديث أو الآية الواحدة للوقوف على كامل الحقيقة، فلابدّ من اقتناص الجامع من الجميع، فافهم جيّداً وتمسّك ببصيرة. وهذا هو منتهى مقصودي من سرد الأدلّة في هذا الفصل، بل كلّ الكتاب؛ أي الأدلّة بوصف المجموع، لا الأدلّة بوصف الاستقلال، وقد ترتّب على
ذلك أنّ كلّ حكم عقائدي أو فقهي، قد انتزعناه في هذا الكتاب، فمستنده المجموع بما هو مجموع.
------- 
مستل من كتاب  ( الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم و الشعائر الحسينية ص207 ـ ص211)
• للباحث الاسلامي باسم حسون سماوي الحلي