المخلّص الموعود عقيدةُ وأصل

صباح الطالقاني

يحتفل المؤمنون في انحاء عديدة من العالم في ليلة الخامس عشر من شهر شعبان المعظم في كل عام بذكرى ولادة الإمام محمد ابن الحسن عجّل الله فرجه الشريف، مُجددين الاستذكار والبيعة لآخر أئمة اهل البيت عليهم السلام، الموعود من الله تعالى ان يظهر في آخر الزمان ليملأ الارض قسطاً وعدلا بعد أن تكون قد مُلئت ظلماً وجوراً من الظالمين والمتجبرين.

ومع ان ثقافة المخلّص او المنقذ هي عقيدة متجذّرة لدى اغلب الامم وخاصة تلك التي تتبع شِرعة سماوية، لكنها لدى المسلمين ولا سيما اتباع اهل البيت عليهم السلام تحظى بمكانة خاصة تتفوق على غيرها لاعتبارها اصل من اصول الدين، واستنادها الى آيات قرآنية، وأحاديث نبوية ونصوص متفق عليها من كافة طوائف المسلمين، فضلاً عن استنادها الى روايات موثقة ومؤكدة صادرة عن ائمة اهل البيت عليهم السلام.

عقيدة المخلّص الموعود في الشرائع السماوية

تناولت كتب التراث الديني اليهودي شخصية المخلّص الموعود او المنقذ على أنه من بني اسرائيل ومن نسل النبي داود بالتحديد، وقالوا إن هذا المخلّص سوف يخرج في آخر الزمان، فيقيم العدل ويصلح ما فسد من أخلاق الناس وتنعم الأرض بعد مجيئه بالخير، لكنهم لم يحددوا صفات هذا المخلّص ولا آيات ظهوره ولا مكان ظهوره!! مكتفين بالقول إنهم ينتظرونه ليكشف هو عن نفسه عند ظهوره!! وبالعودة الى نصوص أسفار اليهود نجد ان تلك الأسفار تشير الى شخصية ليست منهم بل لا تمت اليهم بِصلة، وهذا الامر يفسّر تركهم تحديد معالم هذه الشخصية او ذكر صفاتها او حتى مكان ظهورها..

فنصوص الأسفار تفيد بأن المخلّص او المنقذ هو ابن النبي الموعود في آخر الزمان الذي تدين جميع البشرية بدينه ويكون هذا النبي من نسل إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام وليس هو من نسل إسحاق كما كانوا يتمنون..

ثم جاء النصارى وجمعوا كتب وأسفار اليهود في كتاب أطلقوا عليه اسم (العهد القديم) وأطلقوا على كتبهم وأسفارهم (العهد الجديد) أي العهد الذي يبدأ بظهور نبوّة عيسى عليه السلام، مطلِقين على العهدين اسم (الكتاب المقدس) وقد آمن النصارى بوجود المخلّص الذي سينقذ البشرية في آخر الزمان، فقالوا إنّ المخلّص الموعود الذي بُشرَ به هو عيسى بن مريم، ولهذا أطلقوا عليه اسم (السيد المسيح) ولكنهم واجهوا في هذا الادّعاء الكثير من الاشكاليات لعدم وجود تطابق اوصاف المخلّص الموعود مع اوصاف النبي عيسى، فضلاً عن تناقضات كبيرة في عدد من نصوص (مزامير) النبي داود تشير الى وصف مخالف تماماً للمخلّص عن اوصاف النبي عيسى وما يدعي النصارى من انه ابن الله جلّ وعلا.

عقيدة المخلّص الموعود في الاسلام

أما دين الإسلام فأولى مسألة الايمان بوجود المخلّص اهمية كبرى وعدّها اصل من اصول الدين، لا يجوز انكاره بأي حال، وهو ايمان مؤيِد لما جاء في الشرائع السماوية السابقة، وسُمي المخلّص عند المسلمين بالإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، وتحدثت الكثير من النصوص حول شخصيته، وذكرتها كافة كتب المسلمين المعتبَرة.

ويمكن تقسيم النصوص الواردة بشأن الامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه من ناحية الدلالة، الى نوعين هما:

1-نصوص بخصوص عقيدة المهدي المنتظر:

كالأحاديث التي تُحدد نسبهُ، والأحاديث التي تبيّن أوصافه وأحوال ولادته وغيبته، ومن هذه الأحاديث: ما أخرجه أبو داوود وابن ماجة والطبراني عن أم سلمة قالت: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة).

وما رواه الصدوق في (إكمال الدين) بإسناده عن عبد الرحمن بن سليط، قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): منّا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيُؤذون ويقال لهم: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين).

ومن الأحاديث التي ذكرت ملامح المهدي عجل الله فرجه، ما روي عن الإمام الباقر بسنده عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، أنه قال وهو على المنبر: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون، مشربٌ بالحمرة، مندح البطن، عريض الفخذين، عظيم شاش المنكبين، شامة على لون جلده، وشامته على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله)).

2-نصوص تتحدث عن خروج المهدي المنتظر:

أخرج نعيم بن حماد عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية عشر شهراً، يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت).

وأخرج الدارقطني في سننه عن محمد بن علي قال: (لمهدينا آيتان لم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض، يخسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه، ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض).

وهكذا فإن عقيدة المخلّص المنتظر هي من الحقائق التي أثبتتها الشرائع السماوية الثلاث، ولكنها جاءت في الدين الاسلامي معززةً بأدلة وآيات قرآنية واحاديث نبوية وروايات عن ونصوص واضحة المعالم تقدّم ربطاً حقيقياً بين المخلّص الموعود وخاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وآله.

أحاديث نبوية من الفريقين

وجاء في الحديث الشريف عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة) ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلتُ لأبي: ما قال؟ فقال: (كلهم من قريش).

وورد عن امير المؤمنين علي عليه السلام انه قال: (قلتُ: يا رسول الله! أمنّا ـ آل محمد ـ المهدي أم من غيرنا؟ فقال: لا، بل منّا. يختم الله به الدين كما فتح، بنا يُنقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشرك، وبنا يُؤلف الله بين قلوبهم، وبنا يُصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم).

وذكرَ ابن ماجة في سُننهِ أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (إنا أهل بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً حتى يأتي قوم من المشرق معهم رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينتصرون فيُعطون ما سألوا، فلا يقبلون حتى يدفعوها إلى رجلٍ من أهل بيتي فيملؤها قسطاً كما مُلئت جوراً).

وفي الحديث الشريف عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعتُ جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما أنزل الله عز وجل على نبيه محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ :(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)..

قلت يا رسول الله! عرفنا الله ورسوله، فمن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟.

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسين، ثم الحسن، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالتوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرِأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكني حجّة الله في أرضه وبقيته في عباده أبن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله (تعالى ذكره) على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبةً لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان.

المصادر/

1- كتاب بشائر الأسفار بمحمد وآله الأطهار.

2- صحيح مسلم ج٦/ ٤ الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

3- البرهان في علامات مهدي آخر الزمان.

4- المحجّة في ما نزل في القائم الحجّة، عن كتاب كامل الزيارات.

5- كتاب الإمام المهدي، عن الدمعة الساكبة.

6- البرهان في علامات مهدي آخر الزمان.

7- الإمام المهدي من المهد إلى الظهور.

8- حياة الإمام المهدي.

9- كتاب الغيبة للطوسي.