هل أنت من المنتظرين الوارثين؟

اختبار سريع لكلّ مسلم يحرص أن يكون من الوارثين للأرض في دولة العدل

عبدالرحمن اللامي

يقول الله (تبارك وتعالى): }وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين{َ (5) سورة القصص، هذا المنّ وهذا الجعل الإلهي لن يتحقّق إلاّ إذا كان الوارثون مؤهّلين لأن يحملوا صفة الوارث هذه بمعناها الجليّ، بالتميز والتفوق على الآخرين بميزات ومؤهّلات كما سيمرّ علينا عبر الاختبار القصير التالي:

إن من يطّلع على الروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في أهمّية وكيفية الانتظار، يجد أنّها توجب على على مكلّف التمهيد والتوطئة لظهور الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه)، فعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم): (يخرج رجل يوطّئ (أو قال: يمكّن) لآل محمد، كما مكّنت قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجب على كل مؤمن نصره (أو قال: إجابته)، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً: (يأتي قوم من قبل المشرق، ومعهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوه، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً، كما ملأوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم، ولو حبواً على الثلج) وغيرها من الروايات في هذا الباب والتي يستفاد من جميعها وجوب الانتظار بكلّ معناه.

** كلّنا يعتقد اعتقاداً لا ريب فيه أنّ إمامنا المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) هو غائبٌ، ولكنّه حاضرٌ قريب منّا، فهو يعيش أفراحنا وأتراحنا، ويتدخّل في حلّ مشاكلنا في كثير من الأحيان، حتى أنّه إذا ظهر قال أغلب الناس: (لقد رأيته سابقاً)، وكما تقول الروايات، فهو كالشمس الطالعة النافعة وإنْ غيّبتها السُحب، فهل أنت ممّن:

أ- ينفعل بهذه الحقيقة الواقعة ويعيش لحظات الانتظار وأنت مرتبطٌ وجدانيّاً به (عجّل الله تعالى فرجه) ومتّخذ إيّاه أباً روحيّاً لك؟

ب- يعتقد بهذه الحقيقة ويذكره (عجّل الله تعالى فرجه) مسلّماً عليه عُقيب كلّ صلاة ويدعو بعد كلّ صلاة فجر بدعاء العهد الموجود في كتب الأدعية ويندبه في صبيحة كلّ جمعة كما هو المأثور، ويلبّي دعوته كلّما ذُكر اسمه رافعاً يدك الى رأسك قائلاً: اللهم عجّل فرج وليّك واجعلني من جنده وأعوانه؟

 ج- يعتقد بظهوره (عجّل الله تعالى فرجه) ويلبّي دعوته حين ذكره ويقرأ دعاء التعجيل له بالفرج في ليالي الجمع وهو (اللهم كن لوليّك الحجة بن الحسن صلواتك عليه ...) ولكن تلهيه وتنسيه زحمة المشاغل اليومية وفوضى الحياة وباقي الارتباطات به (عجّل الله تعالى فرجه)؟

** كما هو المعلوم أنّ منتصف شعبان من المناسبات الدينية الشريفة وفيها من الأحداث العظيمة حيث ولادة النور الإلهي المحمدي، ولادة إمامنا الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه)، فزاد هذه الليلة كرامة الى كرامتها، وهذا الشهر شرفاً وعظمة إلى شرفه وعظمته، فهل أنت ممّن:

أ- يجعل مناسبة كهذه محطّة تزوّد وانطلاق إيمانيٍّ ورساليٍّ، وحافزٍ قويٍّ للتقدم والانبعاث المتواصل في عمق الأمل والطموح المستمد من وجود الإمام (عجّل الله فرجه)، فيحضّر للاحتفال بهذه الليلة المباركة وينهي ويكمل كلّ الأعمال المخصّصة فيها، ويناجي سيده ومولاه (عجّل الله فرجه) من تحت قبّة جدّه الحسين (عليه السلام) في كربلاء المقدّسة كما هو المندوب لذلك؟

ب- يستفيد من هذا البحر الزاخر ، والفيض الإلهي المتدفق ولكن ليس ويزوره ويجدّد العهد معه من غير الحضور في كربلاء المقدسة ومن الاشتراك في الاحتفالات والمهرجانات في هذه المناسبة، بل يؤدّي كلّ ذلك من البيت؟

 ج- تمرّ عليه الذكرى فيشتري لأهله الحلوى لإدخال البهجة والسرور في نفوسهم ويكتفي بمشاهدة الاحتفالات عبر الفضائيّات التي تهتمّ بهذه المناسبة؟

** إنّ موضوع الإمام المنتظر (روحي له الفدى) قد تحوم حول بعض جوانبه الشكوك والأسئلة، التي تحتاج الى جواب شافٍ، وذلك في قلوب بعض المخالفين وحتى من أهل الملّة والمذهب، كوجوده، وطول عمره، وغيابه، والفائدة منه في حال غيابه، وغير ذلك من الشبهات فهل أنت ممّن:

أ- يمتلك كلّ أدوات الإجابة التي لابدّ لكلّ محبٍّ للإمام أن يتسلّح بها ويجيب على كلّ الإشكالات، وهذا يستلزم منه المطالعة باستمرار لكلّ ما يخصّ الإمام (عجّل الله فرجه)، ويحضّر لكلّ مناسبة تخصّه فيدلو بما تجود به قريحته؟

ب- يمتلك بعض أدوات الإجابة التي لابدّ له منها، وله بعض المطالعات بهذا الخصوص، ويحضر الاحتفاليات التي تُقام ولكن من غير أن يشارك بها؟

 ج- لا يمتلك شيئاً من المعلومات عن الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) سوى أنّ اسمه يواطئ اسم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأنه آخر الأئمة الاثني عشر وله غيبتان، وسيُظهره الله (تبارك وتعالى) في آخر الزمان؟    

** يقول الشيخ المظفر: (ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ المهدي، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...) فهل أنت ممّن:

أ- يعمل بتكليفه وفق ما أنزل الله من الأحكام الشرعية، ويوجب على نفسه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما تمكّن من ذلك، من باب (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته)، ويعمل على إرشاد وتوجيه الناس الى هذا المعنى من الانتظار؟

ب- يعمل بما أوجبه الله (تبارك وتعالى) عليه من الأحكام، ويسعى سعياً سليماً لمعرفتها على الوجه الصحيح، ولكن لديه قصور في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقتصر في الإرشاد والتوجيه على أهل بيته فقط؟

 ج- يحافظ على صلاته وصيامه، وهو من المنتظرين للظهور المقدّس، ولكنه مقصّرٌ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقتصر في الإرشاد على نفسه فقط؟

** إنّ الانتظار يستلزم منا تحصين أنفسنا ضد كل البدع الإعلامية والضلالية التي يقوم بها الغرب ومن سار في ركبهم ممّن يُحسبون على المسلمين، لتسفيه أو تشويه هذه الفكرة في أذهاننا، والتقليل من إيماننا بها، وزرع اليأس في نفوسنا، لنسف عقيدة الانتظار المقدّسة، فهل أنت ممّن: 

أ- يبحث عن المعلومة هنا وهناك، ويواكب التقدّم التكنولوجي والعلمي ويهتمّ في تحسين قدراته في ميادين الاتصالات والمعلوماتية، وما يتبعها فردياً وجماعياً، كاستخدام الفضائيّات للردّ على قنوات المضللين، أو تطويع نظم البث والاتصالات والإنترنيت لمواجهة مَن يشوه صورة الإمام (عجّل الله فرجه)، من أجل أن يكون الاستعداد في ذروته، وتطبيق مفهوم الانتظار بمعناه الصحيح؟

ب- له اهتمام في هذا الجانب الحسّاس من أمر الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله فرجه) ولكن على نطاق أضيق عن ما تقدّم في الفقرة (أ) ويتّخذ أساليب أخرى كالبذل المادي والمعنوي في التصدّي لمَن يحاول تعطيل المسيرة المهدويّة المقدّسة، على مستوى الأهل والأقربين ومَن يحتكّ بهم؟

 ج- ليست لديهم الهمّة العالية والإحساس بالمسؤوليّة اتجاه هذا الأمر الخطير والذي يوازي مصير الأمّة الإسلاميّة في رقيّها أو انحدارها (لا سمح الله بذلك) لأنّه مخطوف من قبل الهموم الدنيوية والمشاغل المعيشيّة وليس يعطي بالاً لهذا الأمر؟

 

النتيجة:

وبعد هذه الرحلة القصيرة من الاختبار سنجمع حصادنا من النقاط لكي نرى حالنا ونتأمّل في مستوانا التأهيلي للانتظار ومدى انطباق صفة الوارثيّة علينا.

لكلّ أ عشرون نقطة ولكلّ ب خمس عشرة نقطة ولكلّ ج عشر نقاط ونجمع النقاط على ما أشّرنا عليه ما توافق وحالتنا

* فإذا بلغ مجموع نقاطك بين التسعين والمائة فأنت يا سيّدي بلا شكّ من أصحاب الإمام المنتظر ومن جنده الميامين وقادة حزبه الموفّقين لارتباطك الوجدانيّ الوثيق به (عجّل الله تعالى فرجه) واتخاذك إيّاه أباً روحيّاً لك وللجهود الكبيرة المباركة التي تقدّمها لسيّدك وشدّة تفانيك وحبّك له ودفاعك عنه ولإدخالك السرور على قلبه لالتزامك بما كلّفك الله (تبارك وتعالى) بالعمل به ولأنّك كنت مصداقاً للراعي في رعيّته.

* أما إذا كانت النتيجة بين التسعين الى السبعين فإنّك بحاجة الى النظر في مسيرة حياتك الانتظارية والتأمّل في خطاك نحو الاتصاف بالوارثيّة الحقّة لقصور أو تقصير هنا أو هناك فعليك المراجعة الحثيثة لتدارك ما فاتك.

* أمّا مَن كانت نتيجته دون السبعين فنحن نقصده في هذا الاختبار ونقول له:

إنّ الانتساب الى الأئمة (عليهم السلام) والى المذهب الحقّ لا يعفينا من عدم معرفة إمامنا الذي نعيش الآن في ظلّه وكنفه، والاطلاع عنه ومعرفة خصائصه وغيبته وعلائم ظهوره، ومَن يدّعي حبّ أمرٍ استلزم الإحاطة به ومعرفة تفاصيله كما يُقال.

إنّ السعي وراء لقمة العيش هو أمر مقدّس ولكنّه لا يمنع من أن تطالع كتاباً عن إمام زمانك أو تحضر مجلساً بخصوصه أو أن تشارك في احتفال أو مهرجان عُدّ من أجله، وإذا عرفت إمامك، فأنت إذن قد رسمت منهج حياتك، وقد وثقت من الخط الذي تسير عليه، وتحصّنت عن الشك، والانحراف.

يقول الله (تبارك وتعالى): (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون)، سورة التوبة (105)، فإنه (عزّ وجلّ) يشير في هذه الآية أن أعمال العباد تعرض في الحياة الدنيا على الله (سبحانه وتعالى) وعلى رسوله وعلى المؤمنين، وقد حصر المفسّرون للقرآن الكريم تفسير كلمة المؤمنون بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، ويؤيّد هذا الرأي الكتاب الذي بعثه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)  للشيخ المفيد ـ المتوفّى سنة413هـ ـ والذي كان زعيماً للطائفة الشيعية في يومه: (ولو أنّ أشياعنا ـ وفّقهم الله لطاعته ـ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليُمْن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتّصل مما نكرهه، ولا نؤثره منهم) الاحتجاج للطبرسي: 2/325، وعليه فإنّ ما يصدر منّا لا يحتجب عن الإمام (عجّل الله فرجه) وهو إذا كان غائباً عن أنظارنا فإنّه حاضر في ساحتنا، وإنّ أخبار شيعته تنقل إليه، فكلّ ذلك في علم الإمام، ومطروح بين يديه، فإذا فهمنا هذه الحقيقة كان لزاماً علينا أن نشعر بالمسؤولية الكبيرة، وأن نبالغ في حرصنا على إدخال البهجة والسرور الى نفسه الطاهرة بأعمالنا الزاكية الطيّبة، فنحن لسنا في غيبة عنه، وإن كان هو في غيبة عنّا، وهكذا سوف سوف يتعمّق فينا حبّ الإمام وحضوره الوجداني في أنفسنا ونكون أهلاً لأن نتّصف بالوارثين إذا أولينا الشعور بالمسؤولية حقّها.

=====

المصدر : مجلة الروضة الحسينية / العدد26