في ذكرى مولد الامام الحسين (ع) ما قصة الملَك فطرس المتشفِّع به.. ولماذا خلدت نهضته المباركة؟

صباح الطالقاني

من المسلَّم به القول في عامة اوساط الامة الاسلامية ان الإمام الحسين عليه السلام هو سبط النبي الاعظم وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وهو من رسول الله ورسول الله منه، وهو مصباح الهدى وسفينة النجاة، على قول خاتم النبيين صلى الله عليه وآله والذي لا ينطق عن الهوى.

ولم يسبق او يعقب ان اتفقَت كلمة المسلمين على شيء كاتفاقهم على فضل أئمة اهل البيت عليهم السلام وسموّ مكانتهم العلمية والروحية، وحيازتهم على مجموعة الكمالات التي أراد الله لهم أن يتحلّوا بها.

ولكن، لمَن يريد الاستزادة من التعرّف على سيد شباب اهل الجنة فمناسبة ولادته في الثالث من شهر شعبان المعظّم فرصة لاستذكار بعض ملامح هذا الميلاد الميمون، فعند ولادته استبشر رسول الله صلى الله عليه وآله خيراً وقصد بيت الزهراء عليها السلام، ليسمّيه (حسيناً) ويعقّ عنه بكبش، وأمر أن تحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ذهباً كما كان الامر مع أخيه الإمام الحسن عليه السلام.

ويكفي لأن نستشعر عظمة الامام الحسين عليه السلام في السماء، أن نستذكر رواية وردت في عدة كتب معتبرة مثل، بصائر الدرجات وكامل الزيارات ومصباح المتهجد والامالي وروضة الواعظين ودلائل الامامة وغيرها، عن تمسّح ملَكٌ اسمه فطرس بالإمام الحسين عليه السلام حين ولادته، متشفّعاً به عليه السلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام انه قال في رواية: إنّ الحسين بن علي لما وُلِّد, أمر الله عزّ وجلّ جبرائيل أن يهبط في ألف من الملائكة, فيهنّئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الله عزّ وجلّ ومن جبرائيل.

فهبط جبرائيل فمرّ على جزيرة في البحر فيها ملَكٌ يقال له فِطرس, كان من الحمَلَة بعثه الله عزّ وجلّ في شيء فأبطأ عليه, فكسر جناحه وألقاه في تلك الجزيرة, فعبدَ الله تبارك وتعالى فيها سبعمائة عام حتى وُلد الحسين بن علي عليهما السلام.

فقال الملك لجبرائيل: يا جبرائيل! أين تريد؟!

قال جبرائيل: إنّ الله عزّ وجلّ أنعم على محمد بنعمة, فبُعثت أهنّئه من الله مني.

فقال فطرس: يا جبرائيل! احملني معك لعلّ محمدا صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لي. فحمله.

فلما دخل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنّأه من الله عزّ وجلّ ومنه, وأخبره بحال فطرس.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قل له: تمسّح بهذا المولود, وعد إلى مكانك!

فتمسّحَ فطرس بالحسين بن علي عليه السلام وارتفع.

فقال فطرس: يا رسول الله! أماَ إن أمتك ستقتله وله عليّ مكافأةٌ, ألا يزوره زائرٌ إلا أبلغته عنه, ولا يسلّم عليه مسلّمٌ إلا أبلغته سلامه, ولا يصلي عليه مصلٍّ إلا أبلغته صلاته. ثم ارتفع.

أدرك الامام الحسين عليه السلام قرابة سبع سنوات من عصر النبوّة، حيث كان في موضع لا ينافسه فيه احد من الحب والحنان من جدّه صلى الله عليه واله، فكان كثيراً ما يداعبه ويضمّه ويقبّله، ووردت أحاديث نبوية عديدة تدل على منزلة ومكانة سيد الشهداء عند جدّه سيد المرسلين.

فعن أبي أيّوب الأنصاري قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والحَسَن والحُسَيْن يلعبان بين يديه في حجره، فقلت: يا رسول الله أتحبّهما؟ قال: وكيف لا أُحبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما.

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام انه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للحسين بن علي: من أحبّ هذا فقد أحبّني.

وعنه ايضاً: أنَّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أخذ بيد الحسن والحسين فقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة.

وعن النبي صلّى الله عليه وآله، أنّه كان يأخذه والحسن ويقول: اللّهمّ إنّي أُحبّهما فأحبّهما.

وعن سلمان رضي الله عنه قال سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أحبّهما فقد أحبّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني ـ يعني حسناً وحسيناً.

لماذا خلدتْ نهضتهُ عليه السلام

وبالتعريج على نهضة الامام الحسين عليه السلام ووقوفه ضد الظلم الاموي، فإن من اهم العوامل التي اعطت هذه النهضة ادامة في التجديد بحيث بقيت فعالة حتى بعد مرور قرابة 1400 عام على حدوثها، انها جمعت جيلين من رجالات الإسلام من الصحابة والتابعين حيث حَوَت شخوصاً من صحابة رسول الله صلى الله عليه واله وآخرين من صحابة وصيّ رسول الله علي بن ابي طالب عليه السلام، انظمّوا تحت لواء الإمام الحسين في واقعة تمثل انطلاقة التجديد للدين بعد ان لوثته افكار بني أمية المنحرفة والمستبدة.

من جهة اخرى يميز البعد العالمي هذه الثورة ليعطيها اهم صفات الديمومة، فهي لم تأت لأجل فئة معينة في ارض معينة بل انها رسخت مبادئ اساسية تعنى بالإنسانية في كل زمان ومكان، الامر الذي سخر لها البعد الزمني ليمدها بعناصر الاستمرار والتجدد ويحيطها بنطاق يقيها التلف او الانحراف.

ان العالم اليوم بحاجة الى الاستنارة بنور الإمام الحسين عليه السلام اكثر من قبل، فجاهلية اليوم اشد وأعنف من الجاهلية الأولى. جاهلية اليوم، هي ذاتها الجاهلية الاولى لكنها مزودة بالتقنية الحديثة، ومسلحة بالوسائل الفتاكة في شتى الأبعاد.

والحروب التي تأتي على الحرث والنسل والفساد بعامة انواعه والظلم في مختلف المستويات والتعدي على الحقوق في كافة الأصعدة والتطرف والتشدد اللذان صنعا الإرهاب، أتت كلها على مفاهيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام الحنيف وتحاول افراغها من محتواها بشتى الذرائع والحجج والتبريرات.

اما الأهداف التي أتت بها النهضة الحسينية فهي الاخرى كان لها بالغ الأثر في إبقاء جذوة هذه الثورة العالمية متقدة حيث شكلت تلك الاهداف فيما بعد محورا للخير في ارجاء العالم، لما حملته من معاني التضحية والإباء والجود بالنفس والمال والعيال، من اجل قيم إلهية والتزامات دينية تؤمّن للحياة ظروف الاستمرار والاستقرار.

لقد تمثلت أهداف نهضة الامام الحسين عليه السلام في:

1- التأكيد على دعوات الإسلام الحنيف الى اللجوء للحوار في شتى الإشكاليات والى اخر لحظة سلام، وهو ما بقي ينادي به الإمام الحسين عليه السلام منذ دخوله العراق وحتى ظهيرة العاشر من محرم ساعة استشهاده سلام الله عليه. حيث قام قبل القتال وخاطب القوم ناصحاً اياهم ومحذرا لهم وباثاً حجته عليهم..

2- رسخت النهضة الحسينية مبدأ عدم البدء بالعدوان والترفع عن سوء السريرة، حتى وان اتضحت جلياً نوايا المقابل في الاعتداء، وتجلت هذه الصفة في قصة الإمام عليه السلام المعروفة مع الحر بن يزيد الرياحي وكتيبته التي كاد العطش ان يقضي عليها لولا اسعافه بالماء من قبل الركب الحسيني المبارك.

3- اكدت تلك النهضة مفاد القول "لايمكن ان تخلوا الارض من حُجة" يقود العباد ويقوّم البلاد ويحافظ على أسس ومبادئ الدين، كما الجبال التي جعلها الله سبحانه أوتاداً في الأرض لئلا تَميد.