مُسلِموا اليابان.. القبض على الجمر في عالم متغير

ناصر الخزاعي

يجهل المواطن الياباني اشياء كثيرة عن الاسلام، ولا يعرف هذا المواطن عن المسلمين الا ما تقدمه وسائل الاعلام المحلية والعالمية من صور جزئية ومشوهة، وربما كانت للأحداث التي عرفها الشرق الأوسط وللحروب الكثيرة وما نجم عنها من أزمات النفط العالمي أسباب مقنعة ليقرأ اليابانيون عن الإسلام ويتعرفوا على دين المسلمين، وليحتكوا بعقائدهم وأفكارهم التي يجهلونها بسبب بعد اليابان وانعزالها الجغرافي وعدم وجود صلات مباشرة بينهم وبين المسلمين, على خلاف ما موجود من علاقات مع الدول الأخرى القريبة نسبيا كالفلبين والصين وأندنوسيا وسومطرة وغيرها.

ولعل أول علاقة وطيدة بين المسلمين واليابانيين تعود للعهد العثماني, حيث افتتح اليابانيون مفوضية بالقسطنطينية في تركيا أعقاب الحرب العالمية الاولى وبدأ حينها اتصالهم بالعالم الإسلامي، فأرسلوا مبعوثاً لهم إلى بعض الدول الاسلامية لتوثيق العلاقات بالعالم الإسلامي ، وعندما عقد مؤتمر (اليانات) بالعاصمة طوكيو في سنة 1326 هـجري حضره مندوبون من بعض الدول الإسلامية، وعندما قامت الحرب بين الروس واليابانين في مستهل هذا القرن زاد اتصال اليابان بالعالم الإسلامي، حيث وصل إلى اليابان العديد من المسلمين كان من بينهم عبد الرشيد ابراهيم الذي طرد من روسيا بسبب نشاطاته الإسلامية، وقد أسلم على يديه العديد من اليابانيون، في حين ازداد اتصال المسلمين باليابان بعد الحرب العالمية الأولي نتيجة نشاط العلاقات بين اليابانيين.

في سنة 1342هـ  قدِم إلى اليابان بحدود 600 لاجئ من مسلمي التركستان شكلوا النواة الأولى لأول تجمع إسلامي في اليابان، وكان هذا أول (وصول جماعي للمسلمين ) اليها، وقد قدّم هؤلاء صورة جيدة عن المسلمين وأدخلوا الكثير من اليابانيات إلى الاسلام بالمصاهرة والتزاوج.

 ومع ذلك، فان الصورة التي يكونها الياباني العادي عن المسلمين هي صورة تقترب كثيرا من نمط الصورة التي تكونها المؤسسات الاعلامية الغربية, بغية تنميط المسلمين ووضعهم في قوالب ثابتة وكأن المسلمون نسخ من بعضهم, كما تريد تلك المؤسسات الاعلامية أن تصور الأمور لأهداف ومأرب معلومة للجميع، ففي استفتاء قدمته إحدى وسائل الاعلام اليابانية لطلبة جامعيين يقرب عددهم من سبعمئة وخمسون شخصا عن طبيعة الصورة التي يحملونها عن الاسلام وأهله، كانت نتائج الاستفتاء مخيبة للآمال، وكالاتي:

 كان نسبة أكثر من 90 % ممن جرى معهم الاستفتاء يربطون بين الاسلام والنفط والصحراء، ويظنون أن كل المسلمين من الأغنياء جدا، وكانت نسبة 80 بالمئة من هؤلاء ذهبوا الى أن المسلمين يلبسون العمامة وطرابيش الرأس والثياب الطويلة، وانهم يتخذون الجمال والخيول وسيلة للسقر والترحال حتى الآن!

وحينما طلب من هؤلاء المستطلعة آراؤهم أن يصفوا المسلم بعبارة واحد كانت أكثر هذه العبارات تردداً أن المسلم ( خطير/ مخيف/ حاد المزاج/ متزمت/ غامض/ غير مأمون الجانب) ويتضح من العبارات مدى الجهل الذي أوقعت به وسائل الاعلام الغربية التي تبث لليابان هؤلاء المساكين من اليابانيين حول تصوير المسلمين، كما ويتضح عدم شعور المؤسسات الاعلامية المملوكة لدول تدين بالاسلام بالمسؤولية الاخلاقية فيما يقدم عن المسلمين من صور هدفها توجيه الآراء نحو أهداف تدعم سياسات أعداء الإسلام وتترصد هذا الدين عن قصد واضح.

ولكن هل لهذه الصورة التي يشوهها الاعلام الغربي والإعلام الياباني المرتبط به من تأثير على وضع من يتخذون الاسلام دينا في اليابان؟ حيث يشير آخر إحصاء أجري (في نهاية عام ٢٠١٠) إلى أن عدد المسلمين باليابان يتجاوز الـ ١١٠ ألف مسلم، أكثرهم، أي بحدود الـ ٢٠ ألف مسلم ينحدرون من أصل إندونيسي، و بحدود الـ١٠ آلاف مسلم من باكستان، وبحدود الـ٩ آلاف من بنغلاديش، وقرابة الـ٥ آلاف مسلم  من أصول ماليزية وإيرانية، ولا يتعدى عدد المسلمين من الدول عربية مجتمعة الـ٤ آلاف فرد. بينما عدد اليابانيين الذين اسلموا لزواجهم من مسلمين حوالي ١٠ آلاف فرد، ولم تعترض الحكومة اليابانية نتيجة للروح السلمية التي يتمتع بها مسلموا اليابان على طلبات المسلمين في زيادة عدد المساجد خلال السنوات القادمة نظرا للزيادة المستمرة التي تشهدها اليابان في أعداد المسلمين.

ويجد اليابانيين الذين يسكنون بجوار الجامع الوحيد الموجود في العاصمة طوكيو أن المسلمين الذين يحتكون بهم طيبون جدا ومتواضعون ولديهم روح المساعدة واحترام اليابانيين رغم الاختلاف في الديانة، وحينما كانت تستطلع آراء هؤلاء اليابانيين الذين يعرفون المسلمين من خلال مشاهدتهم كل يوم قرب الجامع فإنهم كثيرا ما يدافعون عن صورة جيرانهم المسلمين قائلين بأن الكثيرون فهم المسلمين خطأ بسبب تنظيم داعش الإرهابي الذي أعطى صورة سيئة بعدما تلقى الأوامر بالقيام بالأعمال البشعة بحجة مخالفة أوامر الاسلام وهم أبعد ما يكونون عن الاسلام.

ويمتاز مسلموا اليابان بالتعاون فيما بينهم والتآخي رغم كونهم من مذاهب مختلفة ومن بلدان متباعدة, فقد تآصروا جميعا لبناء مسجد ثاني لهم  بمدينة نييغاتا عبر جمع التبرعات من المسلمين المقيمين بكل أنحاء اليابان ، وقد اكتمل بناء المسجد دون دعم من أية جهة حكومية، وهو اليوم تحول إلى مكان يُعبد فيه الله ويتلى فيه القرآن وتجتمع فيه الناس للتباحث في شؤون المسلمين وللصلاة أو لتعليم العلوم وتحفيظ آيات القرآن الكريم.

إن مسلمي اليابان أقلية قليلة وموجة صغيرة تتقاذفها رياح بحر اليابان العظيم، وهم كأقلية مسلمة في بلد بعيد ومنزوي عن العالم بحاجة إلى مد يد العون والمساعدة من كل المسلمين لكي يعبروا عن أنفسهم بشكل صحيح ولكي يقدموا صورة مشرقة عن الاسلام والمسلمين في هذا البلد الديمقراطي الذي يسمح لكل النشاطات الدينية بالتعبير عن طبيعة أصحابها شريطة أن لا تتعارض مع القانون ولا تتسبب في إلحاق الضرر بالأخرين، وهذا ما لا يمكن أن يكون مع أية أكثرية أو أقلية تنادي أن يكون الأسلام بتعاليمه السمحاء دينا ومعتقدا لأصحابها.