عصمة الأنبياء بين النفي والإثبات.. النبي نوح انموذجاً

حيدر كاصد العبودي

عصمة الأنبياء والمرسلين من المواضيع العقائدية التي يجب على المسلمين الاطلاع عليها، ولمعرفة هذا الموضوع سنتطرق لموضوع العصمة بصورة سريعة ونتناول أيضاً رواية وردت في بعض الكتب عن النبي نوح عليه السلام

العصمة في اللغة هي بمعنى الحفظ والوقاية، وأمّا في الاصطلاح فقد عرفها الشيخ محمد رضا المظفر قدس سره بأنها: « التنزّه عن الذنوب والمعاصي، صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان، وإن لم يمتنع عقلاً على النبي ان يصدر منه ذلك، بل يجب ان يكون مُنزّهاً عمّا ينافي المروءة، كالتبذّل بين الناس من أكلٍ في الطريق، أو ضحك عالٍ، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام»(1) .

أمّا السيد الطباطبائي فيشير إلى أنّ العصمة على ثلاثة أقسام هي:

(العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي، والعصمة عن الخطأ في التبليغ والرسالة، والعصمة عن المعصية، وهي ما فيه هتك حرمة العبودية ومخالفة مولوية، ويرجع بالآخرة إلى قول أو فعل ينافي العبودية منافاة ما، ونعني بالعصمة وجود أمر في الإنسان المعصوم يصونه عن الوقوع فيما لا يجوز من الخطأ أو المعصية)(2).

اما الشيخ المفيد فقال: إن جميع أنبياء الله صلوات الله عليهم معصومون من الكبائر قبل النبوة وبعدها وما يستخف فاعله من الصغائر كلها، وأما ما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوة وعلى غير تعمد وممتنع منهم بعدها على كل حال، وهذا مذهب جمهور الإمامية. والمعتزلة بأسرها تخالف فيه.(3)

وقد قال الشيخ مكارم الشيرازي لابدّ لكلّ نبيّ أنْ يكون موضع ثقة عموم الناس قبل كل شيء بحيث لا يجدون في كلامه أي احتمال للكذب والخطأ والتناقض. إذ إنَّ مركزه سوف يتزلزل في غير هذه الحالة.

فإذا لم يكن الانبياء معصومين فإنَّ المتذرعين سوف يحتجون لعدم ايمانهم بإمكانية خطأ الانبياء، كما أنَّ الباحثين عن الحقيقة يتزعزع إيمانهم بصحّة محتوى دعوتهم، فيرفض الطرفان رسالاتهم، أو أنّهم في الأقل، لا يكون تقبلهم لها مصحوباً بحرارة الثقة والايمان.

هذا الدليل الذى يسمى "دليل الاعتماد" يعتبر من أهم أدلة عصمة الانبياء.

وبتعبير آخر: كيف يمكن أنْ يأمر الله الناس أنْ يطيعوا شخصاً غير ملتزم ومعرض للخطأ وارتكاب المعاصي؟ لانهم إنْ أطاعوه فقد تابعوا الخطأ والإثم، وان لم يطيعوه فقد نسفوا مقامه كقائد، خاصة أنَّ مركز قيادة الانبياء يختلف تماماً عن القيادات الاُخرى، لأنَّ الناس يستقون منهم جميع عقائدهم وبرامج سلوكهم.(4)

وأما ما جاء عن طريق اهل السنّة:

قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاسيما خاتمهم محمد ﷺ، معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله من أحكام، كما قال : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ۝ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:1-5] فنبينا محمد ﷺ معصوم في كل ما يبلغ عن الله من الشرائع قولا وعملا وتقريرا، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم.

وقد ذهب جمهور أهل العلم أيضا إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر، وقد تقع منه الصغيرة لكن لا يقر عليها، بل ينبه عليها فيتركها.

أما من أمور الدنيا فقد يقع الخطأ ثم ينبه على ذلك كما وقع من النبي ﷺ لما مر على جماعة يلقحون النخل فقال: ما أظنه يضره لو تركتموه فلما تركوه صار شيصًا، فأخبروه فقال عليه الصلاة والسلام: إنما قلت ذلك ظنا مني، وأنتم أعلم بأمر دنياكم، أما ما أخبركم به عن الله فإني لم أكذب على الله (رواه مسلم في الصحيح)، فبين عليه الصلاة والسلام أن الناس أعلم بأمور دنياهم: كيف يلقحون النخل؟ وكيف يغرسون؟ وكيف يبذرون ويحصدون؟ أما ما يخبر به الأنبياء عن الله سبحانه وتعالى فإنهم معصومون من ذلك.

فقول من قال: إن النبي يخطئ؛ فهذا قول باطل، ولا بد من التفصيل كما ذكرنا، وقول مالك: "ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر" قول صحيح تلقاه العلماء بالقبول، ومالك من أفضل علماء المسلمين، وهو إمام دار الهجرة في زمانه في القرن الثاني، وكلامه هذا تلقاه العلماء بالقبول، فكل واحد من أفراد العلماء يرد ويرد عليه، أما الرسول ﷺ فهو لا يقول إلا الحق، فليس يرد عليه، بل كلامه كله حق فيما يبلغ عن الله تعالى، وفيما يخبر به جازما به أو يأمر به أو يدعو إليه.

أما حديث الذباب: فهو حديث رواه البخاري في صحيحه، وقد أخبر به النبي جازما به، فقال عليه الصلاة والسلام: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وحديث أنس بن مالك، وكلها صحيحة، وقد تلقتها الأمة بالقبول ومن طعن فيها فهو غالط وجاهل لا يجوز أن يعول عليه في ذلك، ومن قال: إنه من أمور الدنيا وتعلق بحديث: أنتم أعلم بشئون دنياكم فقد غلط؛ لأن الرسول ﷺ جزم بهذا ورتب عليه حكمًا شرعيًا وما قال أظن، بل جزم وأمر، وهذا فيه تشريع من الرسول؛ لأنه قال: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فهذا أمر من الرسول ﷺ وتشريع للأمة، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. والله ولي التوفيق (5)

وقبل الخوض في الرواية نقدم مقدمة بسيطة عن حياة النبي نوح عليه السلام.

قال الطبرسي طاب ثراه : هو نوح بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس عليه السلام وهو أول نبي بعد إدريس وقيل إنه كان نجاراً وولد في العام الذي مات فيه آدم عليه السلام وبعث وهو ابن أربعمائة سنة وكان يدعو قومه ليلا ونهارا فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارا .

اما الرواية فهي :

ذكر الشيخ عبد الله المامقاني ( 1290 ـ 1351 هـ ). في كتابه (( مِرآة الرشاد ـ في الوصيّة إلى الأحبّة والذرّيّة والأولاد )) بعض الوصايا و الاخلاق التي يحب ان يتحلى بها ذريته وهي عبارة عن مواقف حصلت مع الانبياء والرسل الاخيار

جاء في كتابه عبرة وقصة رائعة عن انبياء اولي العزم نوح وموسى عليهم السلام : النهي عن الاستحقار

وإيّاك بُنيّ وأنْ تَستحقِر شيئاً من المخلوقات، فإنّه إهانة للصانع. ألا تَرى أنّ نوحاً عليه السّلام مَرَّ على كلب أجرب فقال: ما هذا الكلب ؟ فنطق الكلب وقال: يا نوح! هكذا خلقني ربّي، فإنْ قدرتَ أنْ تغيّر صورتي بأحسن من هذه الصورة فَافْعَل. فنَدِم نوح عليه السّلام على ما قال، وبكى على مقالته أربعين سنة حتّى سمَّاه الله تعالى: نوحاً، وقد كان اسمُه: عبدالجبار، فقال تعالى: «إلى متى تنوح يا نوح ؟! فقد تُبْتُ عليك»(193).

ووردت أيضا:

روي : أن نوحا ( عليه السلام ) مر على كلب كريه المنظر فقال نوح : ما أقبح هذا الكلب ! فجثا الكلب وقال بلسان طلق ذلق : إن كنت لا ترضى بخلق الله فحولني يا نبي الله ، فتحير نوح ( عليه السلام ) وأقبل يلوم نفسه بذلك ، وناح على نفسه أربعين سنة حتى ناداه الله تعالى : إلى متى تنوح يا نوح فقد تبت عليك .

فالنبي بكى على الزلة المغفورة ، على نفسه المعصومة ، وأنت يا غافل لا تبكي على الكبيرة وعلى نفسك العاصية ! معارج اليقين في أصول الدين الشيخ محمد السبزواري

ولمناقشة هذه الرواية نقول :

١- إن هذا الحديث معلق والحديث المعلق يعتبر ضعيفا لأنه لم يذكر له سند .

و الحديثَ المعلَّقَ مِن حيثُ الُّلغةِ، هو اسمُ مَفعولٍ مِن علَّق الشَّيءَ بالشَّيءِ، أَي ناطَهُ وربطَهُ به، وجعلَهُ معلَّقاً (أُنظُر لسانَ العربِ  لِابْنِ مَنظور، والمعجم الوسيط)، وأَمَّا في اصْطلاحِ أَهلِ الحديثِ فهُو الحديثُ الَّذي حُذِفَ مِن مَبدأِ إِسنادِهِ راوٍ واحدٌ فأَكثرَ، على التًّوالي (أُنظُر: علومَ الحديثِ لِابْنِ الصَّلاحِ، الصَّفحة 69), مثاله:  قولُ البُخارِيِّ في (صَحيحهِ), رقم الحديثِ (243): وقال عَفَّان: حدَّثنا صَخْرُ بنُ جُوَيرة عن نافع عن ابْنِ عُمر, أَنَّ النَّبِيّ (ص) قال: أَرآني أَتَسَوَّكُ بسِوَاكٍ، فجاءني رَجُلَانِ، أَحدُهُما أَكبرُ مِنَ الآخرِ، فناولتُ السِّواكَ الأَصغرَ مِنهما، فقيل لي: كَبِّرْ، فدفعتُهُ إِلى الأَكبر مِنهما. لاحِظْ أَنَّ البُخَارِيَّ هُنا قد علَّق هذا الحديثَ الَّذي بينَهُ وبينَ عَفَّان؛ وذلكَ لأَنَّ البُخَارِيَّ لم يُدرِكْ عَفَّان، إِنَّما يَروي عنهُ بالواسطةِ. ثُمَّ إِنَّ الحديثَ المعلَّقَ بحُكمِ الحديثِ المُنقَطعِ الضَّعيفِ؛ وذلكَ لِلجَهلِ بحالِ الرَّاوي أَو الرُّواةِ السَّاقِطِينَ مِنَ الْإِسْنادِ. 

٢- إن الأنبياء والمرسلين بعد إن ثبتت عصمتهم فإنهم يستحيل أن يصدر عنهم الخطأ لا قبل التكليف ولا بعده .

٣- إن هذا الحديث ورد في كتب الاخلاق ولم يرد في كتب العقائد .

وبما تقدم فإن الحديث ضعيف .

اما سبب تسمية النبي نوح بهذا الاسم فقد وردت عدة روايات نذكر منها :

- علل الشرائع: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن معروف، عن علي بن مهزيار، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان اسم نوح عليه السلام عبد الغفار، وإنما سمي نوحا " لأنه كان ينوح على نفسه . تفسير علي بن إبراهيم: مرسلا " مثله .

- علل الشرائع: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان اسم نوح عبد الملك، وإنما سمي نوحا " لأنه بكى خمس مائة سنة .

- علل الشرائع: أبي، عن محمد العطار، عن ابن أبان، عن ابن أورمة، عمن ذكره، عن سعيد ابن جناح، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان اسم نوح عبد الأعلى، وإنما سمي نوحا " لأنه بكى خمسمائة عام . قال الصدوق رحمه الله: الأخبار في اسم نوح كلها متفقة غير مختلفة، تثبت له التسمية بالعبودية وهو عبد الغفار والملك والأعلى .

(1) عقائد الاِمامية|الشيخ محمدرضا المظفر، تحقيق محمدجواد الطريحي: 287 مؤسسة الاِمام علي عليه السلام.

(2) الجواهر النورانية، رضوان سعيد فقيه، ص 154.

(3)أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 62

(4) سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي . مؤسسة البعثة،ط2 ،ص82-86

(5) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (6/ 371).