النقد الاعلامي والسيادة الاجتماعية

د. مسلم عباس

الشغل الشاغل للعراقيين هذه الايام هو البحث عن الطريقة المناسبة لتحصين الشعب العراقي من الموجات المتلاحقة للمد الاعلامي الذي لا يتناسب وحاجات المجتمع، ويعمل وفق اهداف قد تدمر البنية القيمية والدينية في البلاد.

تزداد المشكلة اكبر عندما يصعب حجب الجهات الاعلامية التي تبعث رسائل مقصودة من اجل تشويه البنيان الاجتماعي العراقي، وبما يسهم في زيادة التوترات والازمات المتراكمة في العراق، وهناك مؤسسات تقف خلفها دول وحكومات وبشكل علني، وتعمل بشكل منتظم والحفر تحت بالجدار القيمي حتى انهارت الكثير من القيم الاجتماعية، منها القداسة التعليم والمعلم التي كانت سائدة، والقداسة للاسرة والوالدين التي بدأ استهدافها بشكل واضح من خلال افلام ومسلسلات، وبرامج تلفزيونية وصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ما هو الرد؟

هل نتبع طريقة حجب المحتوى الاعلامي كما تعمل الانظمة الديكتاتورية والشمولية، لان هذه الوسيلة غير ممكنة في العراق لكونه يتبع نظاما تعدديا ديمقراطيا، والدستور العراقي يمنع مثل هذه الاجراءات التي تعد خرقا للمادة 38 الخاصة بإطلاق حرية الرأي والتعبير.

كما ان العراق لا يملك تلك القدرة على الانتاج الاعلامي الكبير لينافس فيه الاعلامي الخارجي ويهزمه قبل اقتحامه للبيوت ويهدم حواجز الاسرة العراقية، والامثلة من الكثرة حتى يصعب احصاؤها، وقد تعرض العراق لهزائم اعلامية خلال الحرب ضد الارهاب الداعشي، يوم كانت المؤسسات الاعلامية العراقية تعمل على تحالف واسع لكن تقريراً واحداً من قناة فضائية عربية او اجنبية كفيل بنسف كل ما روجته المؤسسات الاعلامية العراقية.

وعلى مستوى البرامج الاجتماعية نجد ان العلاقة معقدة، فالاعلام العراقي نفسه يعيش في صراع داخلي من اجل تغليب قيم معينة على حساب الاخرى بعيدا عن القيم الاجتماعية الجامعة، ما عرض بعض المسلسلات والافلام الى نقد لاذع واثار استنكار مجموعات اجتماعية معينة واظهارها بطريقة غير لائقة.

هكذا تعمل وسائل الاعلام، فهي تعبر عن حالة صراع دائم بين الدول، أو بين المجموعات الاجتماعية داخل الدولة الواحدة، وهي تخضع للممول في اغلب الاحيان، والمعلومات التي تنشرها ليست مجانية، وليست معلومات كاملة ولا موضوعية، انما هناك اهداف محددة، فالمعلومة مهمة للجمهور لذلك تستخدم مثل الطُعْم الذي يوضع في الصنارة لاصطياد الأسماك، علينا ان نكون حذرين عند التعاطي معها، الا اننا لا نملك الأدوات اللازمة والامر ليس بهذه السهولة.

فاذا كانت كل مؤسسة إعلامية لها اجنداتها الخاصة كما اتضح لنا من العرض السابق، وان النظام العراقي لا يسمح بالمواجهة المباشرة عبر الغلق كما تقوم الدول الأخرى، فلا يبقى امامنا الا ان يفهم الشعب هذه المعطيات، عبر تعليمه أساليب التفكير الناقد، وقد قامت كليات الاعلام بإقرار مادة علمية متخصصة بهذا الشأن تسمى "التربية الإعلامية" التي تدرس طلابها طرق التعامل النقدي مع وسائل الاعلام، وفك رموز الرسائل الاتصالية وفرز الملوثة منها عن المعلومات المجردة والموضوعية، لكن هذا لا يكفي.

بلد مثل العراق يحتاج الى إقرار مادة "النقد الإعلامي" في الثانويات العامة من اجل تحصين الطلاب من التلويث المعلوماتي، وبعد سنوات نستطيع حصد ثمار هذه المادة العلمية المهمة، فوسائل الاعلام اليوم أدوات معرفية مهمة واكتساب مهارة التعاطي السليم معها يكسبنا مجتمعا متعلما تعليما نقديا.

الجهات المختصة في وزارتي التربية والتعليم العالي مدعوة للتفكير جليا بمناقشة مادة "النقد الإعلامي" واقراها في الثانويات العامة لما لها من مكاسب مستقبلية مفيدة، لا سيما وان وسائل الاعلام هي الأساس في المجتمع لكن بشرط ان يحسن الشعب التعاطي معها عبر توسيع مداركه وتحسين مهاراته في اكتساب المعلومات الصادق وبعيدا عن البروباغندا الملوثة.