شَهرُ الاِسْتغفار

صادق مهدي حسن
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رجب شهر الاستغفار لأمتي، فأكثروا فيه الاستغفار، فإنه غفور رحيم، ويسمى الرجب الأصب، لأن الرحمة على أمتي تصب صباً فيه، فاستكثروا من قول: "أستغفر الله وأسأله التوبة". 
وبإطلالة سريعة على كتب الأحاديث والأدعية والزيارات نجد الكثير من السنن الواردة فيه من صلاة وصيام وأدعية مختلفة.. وفي الحديث المتقدم يعبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن هذا الشهر الكريم بأنه (شهر الاستغفار)..فما الاستغفار وكيف يتحقق؟
الاستغفار هو طلب المغفرة للندم على الذنب بوجه لا يرجع إليه، والندم الحقيقي هو خوفٌ من اللَّه سبحانه وتعالى.. ومن أهم الروايات الواردة في تفصيل  هذا المضمون...قال أمير المؤمنين عليه السّلام لقائل قال بحضرته (أستغفر اللَّه) : (... أَتَدْرِي مَا اَلاِسْتِغْفَارُ؟! إنَّ الاسْتِغْفارُ دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ وَهُوَ اِسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ: أَوَّلُهَا اَلنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَاَلثَّانِي اَلْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ اَلْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَاَلثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اَللَّهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ وَاَلرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَاَلْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي نَبَتَ عَلَى اَلسُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ اَلْجِلْدَ بِالْعَظْمِ وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ اَلسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ اَلْجِسْمَ أَلَمَ اَلطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ اَلْمَعْصِيَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ).
فيعبِّر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الاستغفار بأنه (دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ) أي أن لصاحب الاستغفار درجة العلّيين.. ويقول الله تعالى في سورة المطففين (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ) تعظيما لشأن هذه المنزلة و تنبيها على أن تفضيله لا يمكن العلم به، وكما يقول صاحب تفسير الأمثل((إنّه مقام من المكانة بحيث يتجاوز حدود التصور والخيال والقياس والظن.
 و المعاني الستة التي ذكرها الإمام شروطا للمستغفر هي أمورٌ لا بد منها لمن يطمح إلى الدرجة العليا عند اللّه تعالى:
1.( الندم على ما مضى) أي الشعور بعظم الذنب مهما كان صغيراً، و الخوف من عاقبته و آثاره و تأنيب النفس على فعله.
2.( العزم على ترك العود إليه أبدا )..أما مع العود إلى الذنوب فهو استهانة بها وبغضب الله المترتب عليها والعياذ بالله. أما قوة الإرادة في هذا الأمر فهي العلاج الشافي و الدواء الكافي لاستئصال الداء من الجذور.  
 3.( أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم )..لأن على اليد ما أخذت حتى تؤدي الشيء الذي أخذته إما بعينه إن كان لا يزال قائما، وإما بمثله أو قيمته مع التلف، ولا يسقط بمجرد العزم على ترك العودة كبعض الحقوق الإلهية.. بل ويجب أيضاً الحصول على براءة الذمة عن الحقوق المعنوية كسوء الخلق مع الناس والغيبة والسباب والنميمة وغيرها.
4.( قضاء الفرائض الفائتة)..فإذا فاتك شيء من العبادات الواجبة كالصلاة والصيام فعليك أن تقضيه كما فات، سواء تبت من ذنوبك ،أم لم تتب ، و الفرق أنك إذا قضيت بلا توبة تعاقب على تهاونك بتأخير الفريضة عن وقتها ، و أيضا تعاقب على ترك التوبة ، أما إذا قضيت مع التوبة فلا حساب عليك و لا عقاب إطلاقاً  لأن (من أدى ما أفترض الله عليه فهو  أعبد الناس) كما ورد في الخبر .
5.( أن تذيب اللحم النابت بالسحت ) وهو المال الحرام.. ومن أكل منه حتى اشتد العظم و نبت اللحم فينبغي له أن يكثر من الصيام لينبت له لحم جديد من المال الحلال، وقد ورد عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):(من أكل لقمة من حرام لا تقبل منه صلاة أربعين ليلة ، و لا تستجاب له دعوة أربعين صباحا، و كل لحم ينبت من حرام فإلى النار، و اللقمة الواحدة ينبت بها اللحم).. فكيف بمن قضى أمداً طويلاً يأكل الحرام !!
6.(أن يذوق الجسم ألم الطاعة كما ذاق حلاوة المعصية) فكفّر عن سيئاتك بالحسنات ، و عن تقصيرك بالجد و الاجتهاد في خدمة الناس، و مغالبة النفس و أهوائها الشيطانية ولا بُدَّ- وهذا من أدب التوبة- من الإقرار بالذنب أمام الله تعالى وستره عن النَّاس، كما يُسْتحب تجديد التوبة خاصة عند تذكُّر الذنب وفي بعض الأماكن الخاصة والأزمنة.
ومن أهم ثمرات الاستغفار ما تعرضت له الآيات المباركة من سورة نوح حيث يقول تعالى:( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا..
بقي أن نذكر أن شهري رجب وشعبان بما فيهما من سنن وعبادات يعدان فرصة ورحمة إلهية  للتخلص من الأوزار والذنوب والتطهر من كل الأدران المعنوية والنفسية استعداداً للدخول في شهر الله الأعظم وهو شهر رمضان المبارك إن شاء الله. 
المصدر : مجلة الروضة الحسينية / العدد 61