كرامة الانسان وحقوقه في الإسلام

م.م محمد هاشم جبار

في خضم ما تمر به الأمة الإسلامية في عالمنا المعاصر من تحديات جمة ألقت بظلالها القاتمة على وجود امتنا ومستقبلها تبرز قضية (حقوق الإنسان) ببعديها النظري والعملي كتحد مهم وصعب ينبغي الاستجابة له، لاسيما مع محاولة تعميم النموذج الغربي المحصن بمنظومة فكرية تمتلك بعض عناصر القوة، وان احتوت على سلبيات وتناقضات كثيرة، وممارسة عملية مميزة، على الرغم من محدوديتها، فأنها تنفرد بكونها الماثلة للعيان والشاخصة في الاذهان دون غيرها.

ومن الناحية الاخرى فان هناك حالة من الانهزامية واليأس داخل نفوس اكثر ابناء الامة الإسلامية، وهم يعيشون يومياً ابشع انتهاك لأدميتهم في ظل حكومات استبدادية ومؤسسات اجتماعية واقتصادية تحطم انسانيتهم كلما تحركوا لتغيير واقعهم المرير، غير متناسين مجموعات من وعاظ السلاطين التي ارتدت، من غير وجه حق، طيلسان الدين وأضحت تصوغه على وفق رؤى اصحاب السلطة وبما يضفي شرعية زائفة على سياستها الخاطئة.

وهكذا فقدَ الانسان المسلم حقوقه بين النص والواقع والقيم العالمية والسمة الخصوصية، والايمان بحقوق الانسان وادعاء الدفاع عن تلك الحقوق وافراغها من محتواها الحقيقي. (ينظر: غسان السعد، حقوق الانسان عند الامام علي، ط2)

وفي هذا اليوم المتلاطم تلوح سفينة النجاة الاسلامية التي اغنت الانسانية بتجربة مميزة كان أهل البيت (عليهم السلام) من روادها ومن المساهمين الفاعلين في تثبيت دعائم الاسلام وتجربته في شتى نواحي الحياة ومنها حقوق الانسان.

مفهوم الكرامة

يقرّ الدين الإسلامي أنّ الله عز وجل أعطى الإنسان كرامة إنسانية لم يعطها دين آخر له، فاعتبر أنّ نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم من أجل تبليغ البشرية الرسالة الإسلامية وإنقاذهم من الظلمات إلى النور شكل من أشكال الكرامة الإنسانية التي حظي بها الفرد المسلم، ولقد أكّدت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة على كرامة الفرد، وأنّ أساس التفاضل بين الناس التقوى وليس التمييز العرقي أو الجنسي، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلكم لآدم وآدم من تراب) وقال أيضاً في حديث آخر: (لا فضل لعربيّ على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى).

يشير مفهوم الكرامة الإنسانية إلى تقدير الآخرين والذات والحرص على احترامها بشتى المواقف، ويُشار إلى أنّ المعنى يتحقق عند توفر عنصر الاحترام للآخر من خلال عدم انتهاك حريته وخصوصيته وكل ما يتعلق به، ويُعدّ ذلك واجبًا على كل إنسان بالحفاظ على الكرامة الإنسانية وصونها وعدم انتهاكها، هذا ويشار إلى أنّها مبدأ ثابت لا يمكن التنازل عنه يومًا ما، كما أنّه هدف ومبدأ عالمي تحرص الشعوب والأمم على صونه، وفي اشارة إلى وجوب المحافظة على الكرامة الإنسانية قال الامام علي (عليه السلام): (اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه) (نهج البلاغة، الامام علي ع).

مفهوم الحقوق

الحق في اللغة: قال ابو الحسن في المحكم والمحيط: هو نقيض الباطل، وجمعه حُقُوق وحقاق، هو أيضاً اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى الثّابتة بالنصوص الشرعيّة، والشيء الحق أي الشيء الثابت حقيقةً، ويُستَعمل الحق أيضاً في الصدق والصواب فيقال: قولٌ حقٌ: أي صواب. والحق في اللغة كذلك هو الأمر الثابت الذي لا يُقبل إنكاره ولا يُستساغ .

الحق في الاصطلاح: يأتي بمعنى الواجب الثابت، وينقسم بناءً على ذلك إلى قسمين، وهما: حق الله -عزّ وجل- على العباد، وحق العباد على العباد؛ أمّا حق الله سبحانه وتعالى فيشمل كل ما يتعلّق به النفع العام للعالم والإنسان والمخلوقات، أمّا حقّ العباد على العباد؛ فيشمل كل ما يتعلّق به مصلحةٌ خاصّةٌ أو مَخصوصة، وتُعرّف الحقوق في هذه الحالة بأنّها مجموعة من القواعد والقوانين.

الإنسان في القرآن: أنّه كائن بشري يتكوّن من طبيعتين (ماديّة وروحيّة)، وهو أيضاً خليفة الله تعالى على سطح الكرة الأرضيّة، فهو المسؤول عن إصلاح سطح الأرض وعمارتها، والسعي بجد في سبيل تطوير المجتمعات البشريّة في كافة نواحي الحياة، وابتكار كل ما من شأنه تيسير سبل الحياة من خلال العمل في العديد من المهن كالتجارة والصناعة.

ذكر ابو نصر اسماعيل في الصحاح تاج اللغة: الإِنْسُ أي: البَشَر، والواحد إنْسِيٌّ وأَنَسِيٌّ أيضاً بالتّحريك، والجمع أَناسِيٌّ وإنساناً ثم أَناسِيَّ، فتكون الياء عوضاً من النون، ويُقال للمرأة أيضاً إنْسانٌ، ولا يقال إنْسانةُ.

ان أبرز حقوق الانسان في الاسلام والتي أكد عليها النبي وأهل بيته عليهم السلام هي:

1- حق الإنسان في الحياة والأمان: أولى الإسلام حقّ الفرد في الحياة اهتماماً بالغاً، وجعل أيّ اعتداء على هذا الفرد بمثابة اعتداء على المجتمع بأسره ، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (...مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...) (المائدة 32)

2- حق الإنسان في الحريّة: قال تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (سورة البقرة 256)، فقد منع الإسلام الاعتداء على حريّة الإنسان وكرامته من أيّ شخص كان أو من أيّ جهة كانت، ومنع الاسترقاق الناتج عن الحروب أو الغزو القبليّ أو الفقر إلى غير ذلك.

3- حق الإنسان في المساواة: قال تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (سورة الحجرات 13)،  تعتبر المُساواة في الشريعة الإسلاميّة أمراً واقعاً؛ فالناس جميعاً مُتساوون في القيم الإنسانيّة المُشتَركة، ولا فرق بينهم في اللون أو الجنس أو القبيلة إلا بالتّقوى، فأساس الفاضلة بينهم التقوى.

4- حق الإنسان في العدل: قال تعالى {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (سورة النساء 58) ، للعدل أهميّة كبيرة في الإسلام؛ فلا يقتصر على عدل ولي الأمر في القضاء، وإنّما يشمل أموراً كثيرةً، مثل عدل الأب بين أولاده.

5- حق الإنسان في حريّة التنقّل واللجوء: قال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (سورة الملك 15)، فالإسلام لا يحدّ ولا يُقيّد حريّة الفرد في التنقّل من مكان إلى آخر إلاّ إذا كان هناك مصلحة للفرد أو مصلحة للعامّة تقتضي المنع، مثل انتشار وباء أو مرض في منطقة مُعيّنة.

6- حق الإنسان في الزواج وتكوين أسرة: قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء 1)، فالأسرة في الإسلام هي اللبنة الأساسيّة في المُجتمع، والزواج هو الطريق الشرعيّ لتكوينها، فقامت الشريعة الإسلاميّة بسنِّ القوانين التي تُبيّن أهداف الزّواج وحقوق كلّ من الزوجين على الآخر وواجباته، ووسائل المُحافظة على الأسرة، وفي حال فشل الحياة الزوجيّة بين الزوجين بيّنت كيفيّة حلّ رباط الزوجيّة الذي بينهما.