أبعاد الرسالة الإسلاميّة .. الجزء الثالث

• الباحث السيد عبد اللطيف المغربي
إن الحديث عن الاسلام بكونه رسالة سماوية الى البشرية جمعاء يدفع بنا بلحاظ منطقي الى القول أن اهمية الرسالة التي تدّعي الاصلاح او التغيير سواء على الصعيد الاجتماعي، السياسي، التربوي أو الحضاري و الشمولي تكمن من خلال رصد أمرين اثنين:    الاول: الأبعاد التي تنطوي عليها ومدى عقلانية تلك الابعاد وواقعيتها.                                                                           
الثاني: مدى تناسب تلك الابعاد مع  حاملها والداعي اليها.                   
فالرسالة الاسلامية هي الرسالة التي ارتضاها الله لعباده أجمعين،حيث  شملت جميع الكلمات الوجودية ،واستوعبت كل مجالات الحياة،وآفاق الآخرة.
ونظرا لهذه الخصوصيات والاهداف السامية كانت ولابد ان تكون أبعادها مناسبة ومتوافقة مع هذه الخصوصيات التي ميّزتها عن كل الرسالات السماوية السابقة، والاطروحات الوضعية القديمة والجديدة، فامتازت الرسالة بأبعادها وكمال حاملها الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كانت السنخية بين الرسالة الكاملة والانسان الكامل.
وقد تحدثنا سابقا عن البعد الانساني ومجالاته في الرسالة الاسلامية السمحاء ، وسيكون حديثنا في هذا العدد عن البعد الاخلاقي. 
لقد كان من بين أهم أبعاد الرسالة الاسلامية إتمام مكارم الأخلاق فقد قال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، الأخلاق القائمة على العبودية أيضا وعلى التعقل، والنفس البشرية تتوق إلى التخلق بالفضائل ولعلّ الكثيرممن دخل إلى الإسلام من خلال أخلاقيات الرسول الأكرم صلى الله عليه واله ومن خلال أخلاقيات الأئمة، ولذا القرآن الكريم ذكر الكثير من الآيات الكريمة التي تبين الخلق الحسن من الخلق القبيح، وهذا يحتاج إلى بحث طويل فالآيات المباركات كثيراً ما تحدثت عن مسألة الأخلاق وذكرت أن القرآن الكريم كان مرآة عاكسة لأخلاق الرسول الأكرم وسيره وسلوكه،حيث كان خلقه القرآن. ولذا حينما يتحدث الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم واصفا نبيّه بقوله: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم 4، فذلك ليس من فراغ أو من عاطفة بل عن واقعية وأحقية، وتعبير هذه الآية الكريمة يدل على التأكيد كما يقول النحاة. 
ونحن كمسلمين لا نحتاج إلى أن ندعو الآخرين من غير المسلمين للدخول إلى الإسلام بل نحتاج إلى الخلق الرفيع المتجلي في معاملاتنا كالأمانة والصدق والوفاء والدفاع عن المستضفين  وقول الحق في وجه الظالمين  وما أشبه ذلك. 
ما أحوجنا اليوم الى إنزال هذا البعد الانساني في مواجهة البعد الظلامي المتلبس باسم الاسلام وهو بعيد عنه،ما احوجنا اليوم للإعلان بصوت عال لمبادئ التسامح الموجودة تفصيلا في القرآن الكريم .
("لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَم يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة8
وقد يتساءل عن كيفية برِّهم ،فيبيّن الله -سبحانه و تعالى - هذه الكيفية في قوله تعالى : 
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )177البقرة                                          
(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )البقرة189
(لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ )آل عمران92
(وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )المائدة2
فنحن ملزمون بكل ما جاء من معاني البرّ تجاه الآخرين الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا  من ديارنا ،وملزمون بالقسط معهم أي العدل....
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت34
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ )المؤمنون96"
(وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ...) البقرة83
وأليس من التسامح إجارة المشركين؟يقول سبحانه وتعالى:
(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ )التوبة6
بل هناك في الاسلام الاكبر والاكثر وهو أن تؤمّنه أيضا.
والمجادلة بالتي هي أحسن أمر من أوامر الله -عز وجلّ - إذا لم يعتد علينا الطرف الآخر
(وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )العنكبوت46
(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )النحل125
لاحظوا أننا لا نستطيع أن نجادل الآخرين إلا إذا أحسنا الاستماع إليهم لنتبين نقاط خلافنا معهم ونبدأ في مناقشتهم فيها.هذا يتطلب جوا من الحرية المطلقة في عرض العقائد والأفكار..واعتناقها إذ لا إكراه في الدين.لا حظوا أيضا أن هذا أفضل من التضييق على العقائد لئلا تنشأ في الحجرات المظلمة حيث لا تجد أحدا يرد عليها؟  وهذ الرسول الاعظم على لسان القران الكريم يقول سبأ :  24
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى‏ هُدىً أَوْ في‏ ضَلالٍ مُبينٍ " 
 وتاريخ الأئمة عليهم السلام مليء بالمناقشات العلنية مع الزنادقة واليهود والنصاري.
ولقد أُمر النبي صلى الله عليه وآله بالمباهلة(لا أكثر) مع مخالفيه من النصارى"
(فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )"آل عمران61
أما الخلاف في الرأي ووجهات النظر فقد شرع الله تعالى لنا الشورى
(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )الشورى38
بل أُمرالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها وهو أكمل الناس عقلا وخلقا حيث قال تعالى :
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )آل عمران159.
ويأمرنا المولى عز وجل بالتعارف مع الآخرين: الأمر الذي يتطلب منتهى التسامح
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )الحجرات13
الغرض من هذا التعارف التعاون وانتفاع البشرية واتحادها على الخير والتنافس في العمل الصالح.