انسلاخ الهوية

وجدان الشوهاني

آفات مجتمعية تعصف بنا من حيث نعلم أولا نعلم. نتغافل عنها؛ لأسباب كثيرة أهمّها الجهل بخطورتها، حتى إذا أُصابتنا واستفحلتْ فينا لفحتْنا نارها، فصرنا نلطم حظنا العاثر.

تلك الآفات التي تأتي عَبر غزو الثقافات وتجذبنا لها بشتّى المسميّات: تطوّر، تحضّر، مواكبة، حريّة وغيرها من عناوين برّاقة تجذبُ مجتمعاتنا الشرقية ذات الهوية العربية، وبالخصوص الشباب، فهم الهدف المقصود من ذلك الغزو، بدأت تلقي بظلالِها على أغلب المجتمع العربي من خلال ظاهرة الانسلاخ التي تفشّت بين كلِّ طبقات المجتمع ولم تقتصر على الشباب وإن كانوا الهدف الأساس.

فاللغة العربية هي من اللغات التي خصّها الله جلَّ وعلا بخصائصٍ جمّة فتكرر ذكرها في القرآن الكريم، وشِهد لها الجميع بميزات لم تتصف بها لغة اخرى، ولكن نجدها اليوم تعاني من ظاهرة الانسلاخ.

فكم مِن أسمٍ يُشار له بالبنان لكونه يحمل شهادات كبيرة يكتب اسمه بلغة أجنبية بكل وسائل التواصل الاجتماعي وكأنّه بذلك يكسب شهادة أعلا، في حين إنّه يعتبر نفسه ممّن يبني ويربي لكنّه يهدم من حيث يدري ولا يدري، فلا نجد أيُّ تأثير للبناء الذي يقوم به هؤلاء، وما ذلك إلّا لأنهم يبنون بيد ويهدمون بالأخرى.

وليت الأمر اقتصرَ على كتابةِ تلك الأسماء، بل تعدّى الى لغتهم التي استبدلوها بكلمات أجنبية أخرى.

ووصل الأمر للعادات والتقاليد والقيم واللبّاس. فكلُّ شيءٍ أصبح يعاني من ظاهرة الانسلاخ تحت مسمّيات ذكرناها في صدر المقال.

أمّا عن حال الشباب، فحدّث ولا حرج، ولا نلومهم فيما هم فيه من انسلاخ لهويتهم العربية، فغياب الإسوة الحسنة لديهم أو انسلاخ مَن يقتدون به أوصلهم لما هم فيه، ولا يُستثنى من هذه الظاهرة إلّا ما رحِم الله.

فالهوية العربية منسلخة عن جلدها العربي، تطلب النجدة بصرخات مؤلمة قد صمَّ البعض آذانهم عنها.

حربٌ ناعمة اتخذها الغزاة لكي يسلخونا عن هويتنا، وتغافُلَنا عن تلك الحرب وتلك الأساليب هو الذي أوصلنا لما نحن فيه اليوم.

فتلك الحرب التي رسمت للعربي صورة مشوهة لعربيّته، حتى اصبح يخجل منها وكأنّه قد أجرم بحق نفسه فذهب يفتّش عمّا يجعله مقبولاً بين الناس، فلم يجد سوى حروف اجنبيّة وثقافات خالية من الثقافة بشهادة أصحابها، فكم من مستشرقٍ تعجّب من لغة العرب وقيمهم وأخلاقهم وألّف فيها الكتب ونقلها للغرب، ونقل ثقافته الخالية من أدنى معايير الثقافة للشرق، فكان الاستشراق هو أوّل خطوات الحرب الناعمة التي سلخت عن الكثير هويّتهم.

وقد آن الأوان لتنبري أقلام الواعين للتصدي لهذه الآفة، وقد نواجه اتهامات كثيرة وتحت مسمّيات برّاقة، كمصطلح حرية شخصية ولكن!...

المهم ان يفهم المجتمع إنّ العربية هوّية ولن نقبل أن تُسلب منّا تحت أيِّ مسمّىً، فليس في سلب هويتنا تطوّرٌ ولا تحضّرٌ ولا حرّية بل هو في حقيقته حرب ناعمة، يُراد منها قتلنا ولن يكون ذلك ان شاء الله ما دام في الامة نفوس خيرة وشباب واعية واعلام حق ناصعة ثيابهم من الدنس، يقودون الأمة الى شاطئ أمنها وأمانها.