سعيد بن جبير شهيد الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)

 من كبار التابعين ومن أصحاب الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام، هو سعيد بن جبير  بن هشام الاسدي وهو مولى بن (والبة بن الحارث) ويكنى أبو عبد الله. 
ولد سنة (45هـ) في الكوفة، وكان متعطشا للعلم، بحيث أكمل القراءة والكتابة في سنهِ المبكرة، ويقوم بقراءة القرآن بصورة مستمرة حتى وصل أمرهُ بأنه يختم القرآن في كل ليلتين.

ولما قوي عوده بالدراسة وتصلّبه بالتشيع شد الرحال لطلب العلم وكان هدفهُ مكة المكرمة، وإلى مجلس حبر الامة (عبد الله بن عباس) الذي ذاع صيتهُ فبدأ سعيد يحضر حلقتهُ الدراسية وكان يحب شيخهُ بن عباس وتعلّم منه الكثير وأصبح ملازماً له.
ولما عاد الى الكوفة أخذ طلاب العلم يقصدونه للتزود منه إلا أنه لم ينسى استاذه بن عباس، فأخذ يزوره اثناء الحج والعمرة، لقد أصبح سعيد بن جبير أعلم جماعتهُ بالتفسير والقراءة والحديث والفتيا، علماً أنه أخذ العلم من جماعة آخرين أمثال (ابي سعيد الخدري) و (قتادة)، أن سعيد وصل إلى مرتبة علمية بحيث أن علماء العامة أخذوا يقولون بعد استشهاده ومنهم (أحمد بن حنبل) (قَتلَ الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الارض إلا وهو مفتقر إلى علم).
أما ولاؤه إلى أهل البيت عليه السلام، فلقد كان من خيرة التابعين الذين لهم ولاء عال لأهل البيت عليهم السلام وكان يتزود بالعلم من الإمام السجاد عليه السلام لأنه من أصحابه ويأتم به، وهذا أحد أسباب مقتله من قبل الحجاج.
لقد ذكر السيد محسن الاميني العاملي في (أعيان الشيعة) بأن الامام السجاد عليه السلام كان يثني عليه كونه مستقيم الرأي حتى وصل مستواه العلمي بأنه لُقب (جهبذ العلماء).
 لقد اشتغل سعيد كاتباً (لعبد الله بن عتبة بن مسعود)، عندما كان قاضي الكوفة ولما وُلي الحجاج الكوفة من قبل عبد الملك بن مروان حاول الحجاج تقريب سعيد لكسب قلوب البعض من الفقراء، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل.

ثورة القرّاء
وفي سنة 82هـ ثار العراقيون ضد الامويين في ثورة سُميت (ثورة القراء)، ونادوا بعزل الحجاج فأنضمَّ سعيد إلى هذه الثورة شأن الكثير من الرجال البارزين رغم أن اشتراكه فيها ليس تأييدا لزعيمها (ابن الاشعث) كما تقول المصادر.
وعلى اثر فشل تحقيق اهداف تلك الثورة أقام الحجاج محكمة دموية ذهب ضحيتها الآلاف، أما سعيد فقد اختفى لمدة 11 سنة، وذكر الطبري بأن سعيد لجأ إلى (إصبهان)، فكتب الحجاج إلى واليها، فعلم سعيد بذلك، فذهب إلى (اذربيجان) ثم توجه إلى مكة المكرمة لغرض الاتصال بالإمام السجاد عليه السلام، وكان الوالي على مكة حينها (عمر بن عبد العزيز) الذي لا يضايق الهاربين من الحجاج، فلما علم عبد الملك بن مروان بذلك، ابدلهُ بـ (خالد عبد الله القسري) وهو رجل سوء، فألقي القبض على سعيد بن جبير، وأُرسل إلى الحجاج.
ولما أوصلوا سعيد إلى واسط وُضع في سجن الحجاج وبقي عدة أيام بعدها طلبهُ الحجاج وأدخل عليه وفي قصة مفصلة وطويلة ذكرها ابن قتيبة في (الإمامة  والسياسة)، من ضمنها أنهُ سألهُ عن اسمه، فقال: (سعيد بن جبير)، قال الحجاج، بل أنت (شقي بن كسير)، ثم سأله عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن الخلفاء وحول الإمام علي عليه السلام، وكان يجيبهُ بأحسن إجابة، وطالت المحاورة بينهما فلم يجد الحجاج فيه إلا تعنّد وصلابة، وأخيراً أمر الحجاج بضرب عنقه وقبل تنفيذ ذلك الحكم الجائر طلب سعيد أن يصلي ركعتين فغيروا وجههُ عن القبلة، فقال سعيد: (فأين ما تولوا ثم وجه الله)، فقال لهم الحجاج: أطرحوه أرضاً، فقال سعيد: (اللهم لا تترك له ظُلمي، واطلبه بدمي، واجعلني آخر قتيل من أمة محمد صلى الله عليه وآله) فضُربت عنقهُ، ولما قتل الحجاج سعيد ألتبس عقلهُ فجعل يقول: (قيودنا. قيودنا) فظن القاتل بأنه يريد القيود، فقطع رجليه. ثم أن الحجاج لم يبقى سوى عشر ليالِ بعد مقتل سعيد وفي كلّ ليلة يقول: (مالي ولسعيد بن جبير؟).

مرقده 
للتابعي الجليل سعيد بن جبير مرقد جليل القدر في قضاء الحي 40 كم جنوب الكوت و إن يوم السابع والعشرين من ذي الحجة هو يوم زيارة سعيد بن جبير ويصادف فيه يوم المجيء به مكبلا من البيت الحرام الى مدينة واسط القديمة بطلب من الوالي الاموي الحجاج الثقفي وقتله لمعارضته لنظام الحكم الاموي ".
ويذكر عامر ناجي وهو من المهتمين بمتابعة شؤون المراقد والمزارات بالمحافظة" ان اول من شيد ضريح سعيد بن جبير ( كنعان اغا ) عام 1241 هـ وفي مطلع العشرينات من القرن الماضي واستخدم الطين وجريد النخل في العمل".
وأشار الى أن الضريح كان يعرف بقبته الواسعة وقد شهدت الاعوام 1958 – 1965 عملية البناء الحديث واشرف على ذلك الحاج جاسم محمد عبد الرضا البناء واسهم الاهالي فيه من خلال جمع الاموال والتبرع لبناء الضريح، وكانت مرحلة البناء تلك متكونة من القبة والسياج المحيط بهما والمرقد وبقي الضريح محافظا على شكله الذي صمم عليه نهاية سنة 1965 ".
و تعرض الضريح عام 1989 الى التشويه وهدم جزء من معالمه بأمر النظام الصدامي لازالة أغلب الاضرحة والمراقد والمزارات في مختلف المدن العراقية ومنها واسط، ليظل مهدما الى سنة 1996 ليعالد بناؤه مجددا من تبرعات المؤمنين وليشرف الحاج جاسم محمد عبد الرضا البناء على اعادة بنائه مرة أخرى، وتمت اضافة منارتين للضريح في الاعوام 1958 – 1965.
وإن المساحة الكلية للضريح تبلغ 10000م2 يحيط بها سياج بارتفاع 6 أمتار من الخارج وخمسة أمتار من الداخل وله أربعة مداخل من جهاته الاربع، ويشتمل السياج من الداخل على أواوين لاستراحة الزائرين.

القبر
 يشغل القبرمساحة مربعة قياسها 16 م2 ويقع تحت القبة مباشرة و يحيطه قفص مشبك من الحديد والالمنيوم تعلوه ثريتان كبيرتان، وتحيط به سبع اخر  صغيرة الحجم كما يوجد مصلى للرجال مساحته 320م2 في احد جوانبه معرض كبير يضم مجموعة من الكتب واخر للنساء مساحته 160 م2.
رحِم الله سعيد بن جبير ولعنَ قاتله.
.........................................
المصادر:
1-وفيات الاعيان
2-تاريخ الإسلام
3-تاريخ الطبري
4-مروج الذهب 

 5-الحجاج بن يوسف

========================== اعداد: ابو احمد السلامي

المصدر: مجلة الروضة الحسينية/ العدد 49