هل أنت راضِ عن نفسك؟

صباح الطالقاني

سؤال كبير لا اعتقد أن راشداً لم يمر في ذهنه شيء منه، بل انه قد يكون السؤال الأهم في الحياة عند بلوغ الانسان مرحلة النضج العقلي والنظر الى الأشياء نظرة مختلفة عما كانت عليه في سن الشباب.

يتخذ الرضا عن النفس جانبين متعارضين، فإن كان بمعنى الاكتفاء بما أملَتْ عليَّ نفسي والتوقف عن طلب المزيد من الطموح والفضائل والعلم فتلكَ علامة سلبية تقف بالإنسان عند محطة معينة من الزمن، وتكون حائلاً بينه وبين التطور ومواكبة الحياة بجدّها وجديدها.

وان كان الرضا عن النفس بمعنى القناعة بما أنا عليه من الجد والاجتهاد مع الاستمرار في طريق اكتشاف الحياة وطلب المزيد من العلم والتفكر، فهذا مؤشر على الرضا الايجابي عن النفس، لأن السخط على النفس ربما يولّد شعورا من عدم الثقة او سلوكيات غير متوازنة، يكون ثمنها باهظاً في مستقبل الطموح والانجاز على المستوى الشخصي.

وتحمل مسالة الرضا عن النفس محاذير متعددة، فمن الجانب الروحي والايماني يمثل الرضا عن النفس نقطة خطيرة بالنسبة للانسان لأنه ربما سيولد لديه حس الشعور بالكمال، وعدم الحاجة للمزيد من التسلح بالمعارف والتجارب، وربما يجعله يشعر بالزهو والفخر ويقدِّم لنفسه إمارات التمييز عن الآخرين بأنه الافضل والاكمل، وبالتالي تتحول مسألة الرضا عن النفس الى غرور، فتكون عند ذلك وبالاً على الانسان في دينه او في دنياه، ولذا قيل أن الرضا عن النفس هو أصل كل معصية.

ومن زاوية أخرى، هناك مزايا للرضا الايجابي عن النفس، منها انه يجعل الانسان منشغلاً بما يملكهُ هو وليس بما يملكهُ الآخرون، مما يولد حالة من الألفة والانسجام والتوافق مع كل ما يحيط به من مجتمع او أشياء..

وهناك أسباب مختلفة ومتباينة تدفعنا باتجاه الرضا عن النفس او باتجاه عدم الرضا، لكن الملاحَظ ان هذه الأسباب تعد مشتركةً بين كل طبقات المجتمع وكافة أصنافها، وتمتد لتشمل الفئات العمرية ونوع الجنس أيضاً، فهناك أناس فقراء او متوسطي الحال لكنهم يتمتعون بحالة الرضا عن النفس من منظور القناعة والطمأنينة، في حين نجد ميسورين وأغنياء لا يتمتعون بهذه المشاعر بل تجدهم دائمي القلق والسخط والتذمر وقليلي الثقة بمَن حولهم.

وتمثّل مسألة محاسبة النفس نقطة محورية في طريق الحصول على حالة الرضا الايجابي عن النفس، حيث التعوّد على مراقبة النفس ومحاسبتها حين تنجر الى مغريات الحياة وكمائنها يأخذ دور الحَكَم الذي يراقب مجريات المباراة، فيحافظ على انسيابيتها ويضبط حالات التجاوز ويردعها بالطرق التي تتناسب مع كل حالة، وهذا الأمر لا يمكن الوصول اليه دون ارادة وشجاعة ذاتية، ونَفَس طويل يدفع الفرد الى تقييم قراراته وتعديل الخاطئ منها دون عناد او تشبث بالرأي او عزّة بالإثم.

الرضا عن النفس يحتاج أن ننظر إلى حياتنا بطريقة موضوعية بلا قصور فنظلِمها، او مبالَغة فنوردها موارد الهلَكة، بل انه - الرضا عن النفس - يأخذ حيزاً أكبر من الاهمية ويمتد الى مراحل بناء النفس وبناء المجتمع وبناء الوطن، فيما لو تسلح كل فرد بالشعور بالمسؤولية تجاه أسرته اولاً ومجتمعه ثم عمله، بحيث لا يرضى عن نفسه إن مرّ يوم دون أن يقدّم شيئاً من الواجب او الابداع الذي يفتح من خلاله آفاقاً جديدة.

أخيراً، يحذّرنا الإمام علي عليه السلام من فساد النفس فيقول: "أعون شي‏ء على صلاح النفس القناعة".