ثقافة الشعور بالمسؤولية

صباح الطالقاني

يمثل الشعور بالمسؤولية علّة كبيرة من عِلل خلق الإنسان وجعلهِ خليفة في الأرض ليعمرها ويتحمل مسؤولية هذا الإعمار. وهو من جانب آخر، مبدأ اجتماعي وتربوي مهم في حياة الفرد والمجتمع كونه من المبادئ الفطرية التي أودعها الله تعالى في عباده.

وهو أيضاً مقدِّمة مهمة من مقدّمات التكليف الإلهي للإنسان فيما يخص أداء الواجبات وترك المعاصي والمحرمات، وما يترتب على ذلك من ثواب وعقاب.

ان مستوى الشعور بالمسؤولية يمكن أن يسمو بالمجتمع الى مواقع الفضيلة والرُقي إن كان بالحد المطلوب، ويمكن أن تنحدر المجتمعات الى غياهب الجهل والفوضى والتخلف إن كان هذا الشعور ضعيفا وغير فاعل.

"ان الشعور بالمسؤولية يدفع بالإنسان ويحركهُ نحو الالتزام بالتكليف الإلهي، وهذا الشعور هو الذي يدفعه للنهوض بأعباء المسؤولية الاجتماعية والمادية تجاه نفسه وتجاه أسرته وأرحامه ومجتمعه، وهو الذي يدفعه لمراعاة الحقوق والواجبات". بحسب ما ابتدأ به الشيخ الكربلائي خطبة الجمعة بتاريخ 27/ذو القعدة/1439هـ الموافق 10/8 /2018م.

وقد يتسائل المرء مع نفسه في بعض الأحيان، أن هناك حقوق للآخرين عليَّ وهناك واجبات عليَّ، وهذه الحقوق أداءها فيه مشقّة وفيه كُلفة؟ كيف أؤدي والتزم بهذه الحقوق والواجبات التي عليَّ للآخرين؟

ويجيب الشيخ الكربلائي" هنا يأتي دور الشعور بالمسؤولية، فهو في حقيقته مبدأ أودعهُ الله تعالى في فطرة الإنسان، ولكن المؤثرات الخارجية والبيئة والتربية هي التي تلعب دوراً حاسماً في تنمية هذا الشعور وتحفيزه، أو إضعافه، وهو إن أصبح ضعيفاً ستكون لدى الإنسان روح الاتكال على الغير والكسل وحُب التعطيل والتراخي والفتور، وعدم القيام بالواجبات وعدم النهوض بالمسؤولية، ما يؤدي إلى تراجع الأمة وتخلّفها واضطراب أوضاعها.

ويؤكد خطيب الجمعة على أهمية الشعور بالمسؤولية في حياة الفرد والمجتمع، من خلال ما جاء في عدد من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، حيث يقسِم رب العزّة: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) -سورة الحجر-.

وفي آية أخرى: (وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93)- سورة النحل) بمعنى أن كل عمل يصدر منكم ستسائلون عنه سواء كان صغيراً أم كبيراً.

وفي آية: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) - سورة الصافات-.

والحديث النبوي المشهور: (كلّكم راع وكُلّكم مسؤول عن رعيته..).

ومن هذه الأمثلة يرى، أن ثقافة الشعور بالمسؤولية يجب أن تكون شائعة ومنتشرة بين الناس في مقابل الثقافات الأخرى، التي تنتشر أحياناً لدى المجتمع وتسبب تعطيل هذا المبدأ لدى الفرد ولدى المجتمع، ولاشك أن المنبع الأول لأي مبدأ أو قيمة حتى تفعّل في داخل المجتمع هو مدى شعور الفرد والمجتمع بأهمية ذلك المبدأ. محذِّراً من، أن هناك ثقافات مضادّة لهذه الثقافة من جملتها ثقافة إلقاء اللوم والتقصير على الآخرين وثقافة الاتكال على الآخرين وثقافة التبعيّة للغير وعدم الشعور بالثقة بالنفس، وهذه من الأمور التي تُضعف هذا المبدأ الأساسي في حياة الإنسان.

ولكن، قد يتبادر الى الذهن تساؤلات عن المحفّزات والمناشئ التي تولّد الشعور بالمسؤولية، وهنا يقدّم الشيخ الكربلائي عدداً منها:

الأول: الفطرة السليمة والضمير الحي والوجدان النقي، هذه الأمور إن بقيت سليمة في داخل الإنسان فإنها تنمّي الشعور بالمسؤولية وتدفعه نحو الخير والامتناع عن الشر.

الثاني: الوازع الديني الذي هو من أقوى المحرّكات للشعور بالمسؤولية، باعتبار أن الوازع الديني نابع من الشعور برقابة الله تعالى ومحاسبته للإنسان وما يترتب عليه من ثواب..

الثالث: التربية والتنشئة المجتمعية التي تبدأ بالأسرة، فالشعور بالمسؤولية ينمو ابتداءً في داخل الأسرة ومن خلال الأب الذي يشعر بمسؤوليته تجاه زوجته وأولاده، ويتحرك ولا يكون متقاعساً متكاسلاً مهملاً متكلاً على الغير.. يتحرك من اجل أداء المسؤولية وينمّي هذا الشعور لدى أولاده ويربّيهم على ذلك.

الرابع: أن يمارس المجتمع دوره في المحاسبة والمتابعة والمراقبة، ولنا أن نسأل حول كيفية ذلك؟

حينما يكون لدينا إنسان لهُ تأثير اجتماعي ويلاحظ الآخرين إذا صدرت منهم أخطاء ينبههم عليها، سواء كان هذا الفرد مسؤولاً أو شخصية اجتماعية او دينية، المهم انه يمارس دوراً فاعلاً في قضية الشعور بالمسؤولية.

ولا يخفى أن هناك أنواع من الشعور بالمسؤولية حيث يندرج بعضها تحت عناوين فردية فيما يكون البعض الآخر ضمن دائرة الأسرة والمجتمع بشكل عام.

وفي هذا الأمر يتطرق خطيب الجمعة الى خمسة أنواع رئيسية هي:

1-المسؤولية الاجتماعية والتي تتعلق بمسؤولية الانسان تجاه الوالدين والأبناء والأرحام واليتامى والمساكين والأرامل والمسنّين وغيرهم من أفراد المجتمع من ذوي الاحتياجات الخاصة..

2- المسؤولية المهنية وتتضمن ان الإنسان يشعر بمسؤوليته في اتقان العمل والوظيفة المكلّف بها والاخلاص فيها والاجتهاد والتعاون مع أفراد المجموعة العاملة معه.

3- المسؤولية الأخلاقية وتتضمن مسؤولية الانسان عن أقواله ومعاشرته وسلوكه وتصرفه الأخلاقي مع الآخرين..

4- المسؤولية القانونية وتشمل احترام القوانين والأنظمة والانضباط والمحافظة على النظام الاجتماعي والعادات والتقاليد الحسنة.

5- المسؤولية السياسية: وتتضمن مسؤولية الحاكم مع رعيته وحسن الادارة لشؤونهم والأخذ بهم نحو الجادة الصحيحة والتقدم والازدهار، وتحصينهم وحمايتهم مما يهددهم ويشكل خطراً عليهم، والوفاء لهم بالوعود والالتزامات.. وهذا النوع من المسؤولية هو أهم المسؤوليات التي ينبغي لأي شخص يكون في هذا الموقع أن يفي بها لرعيته.

وأخيراً فإن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله في شأن الرعاية وتفصيلها، يشير بصورة لا لبسَ فيها الى أهمية الشعور بالمسؤولية من قِبل كل فرد حيث قال: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ..)).