الوسطيّة والاعتدال

صباح الطالقاني

سلكَ البشر سبُل التطور في المجالات كافة منذ أن بدأت الحضارة الإنسانية تُثمر نظاما اجتماعيا أوجدت له الضرورة فيما بعد تنظيما اقتصاديا لإدامة الحياة.

وطغى طابع المادية فيما بعد على تطورات الفكر البشري بالمقارنة مع الجانب الإنساني والروحي، فأفرزت الحضارة الغربية "الكهنوتية"، في حين أنجبت الحضارة الشرقية "الصوفية"، وكلاهما أصبحا طرفي نقيض لـ "الاعتدال" الذي هو منهج الحياة الكريمة.

وإن كان الموضع لا يسمح ببيان أسس نشأة "الكهنوتية" التي تعتمد على كبت الغرائز والاتجاه نحو التعبد في انعزال تام عن المجتمع ومتطلبات الحياة الاعتيادية، إلا أن بيان مضار ذلك تتواءم مع ما نريد الذهاب إليه من وصف "الصوفية" التي هي نوع من أنواع الانسحاب من الحياة سلكَ طريقها بعض المسلمين معتقِدين أن الزهد في الدنيا هو الطريق الأوحد إلى الله تعالى.

بينما إذا رجعنا إلى القرآن الكريم سنجد العديد من الآيات التي تدعو إلى الوسطيّة والاعتدال. ومعنى هذا أن الإسلام الحقيقي هو منهج الموازنة بين تنظيم الغرائز ومتطلبات الحياة وبين الكهنوتية والصوفية ومثيلاتها.

فعن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله أنه قال:" لا رهبانية في الإسلام" والأصل من الرهبة هو الخوف فقد كان بعض الناس يترهّبون بالتخلّي عن الدنيا وتركِ ملذّاتها، والعزلة عن أهلها، وتعمّد مشاقّها. وقد نهى نبي الإسلام عن ذلك وبيّنَ مضار هذه التوجهات.

وهذا ما ذهب إليه أيضاً وصي نبي الإسلام وخليفته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حديثه:" ليس الزهُد ألا تملُك شيئا، إنما الزُهد أن لا يملُككَ شيء".