البداء

•  أ‌. د. حميد حسون بجية
قال الإمام الرضا(عليه السلام)  (ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر وأن يقرّ لله بالبداء) 
فما البداء ومامعناه ؟
   المقصود بالبداء هو ظهور الرأي بعد أن لم يكن(الموسوعة الاسلامية الميسرة الشيخ عبد الرضا فاضل، 2009: 450). وهو من بدا  يبدو أي ظهر ما لم يكن ظاهرا. ومعناه أن يحدث الله أمرا أو أن يمحوه لمصلحة تصيب العباد، من قبيل إطالة الأعمار أو الإماتة أو الإحياء وغيرها وهو سابق في علم الله لكنه يريد إظهاره. فالله سبحانه عالم بكل شيء وهنالك الكثير من الآيات التي تدلّ على ذلك من قبيل الآية 5/من سورة آل عمران(إن الله لا يخفى عليه شيء في  الأرض ولا في السماء). 
         ولو كان البداء بمعنى أن يبدل الإنسان رأيه في العمل بشيء عزم على فعله وذلك لأنه يجهل الصالح ويندم على ما سبق، فلا يجوز أن ينطبق ذلك على الله لأنه العالم بكل شيء. فمن ظن ذلك –كما يقول الإمام الصادق(عليه السلام)- (فهو عندنا كافر بالله العظيم).   
      ويقول الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه(عقائد الأمامية،1961:45) إن الإمام الصادق(عليه السلام) قال:(ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني)، أي إن الله تعالى توفى إسماعيل ابن الإمام الصادق(عليه السلام) قبل أبيه ليعلم الناس انه ليس إماما. وكان قبل ذلك يبدو انه الإمام لأنه ابنه الأكبر. 
        ينقسم القضاء الإلهي إلى قسمين، فمنه ما هو محتوم ومنه ما هو مشروط. فلا يقع البداء في المحتوم، وهو مما استأثر به الخالق -جلّ وعلا -ولا يُطلع عليه أحدا. ولو افترضنا البداء في المحتوم فهو يعني أننا نفترض التغير في علم الله تعالى. وأما المشروط فهو مكمن البداء وفيه يقول سبحانه (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب) 39/الرعد. فقد يظهر الله شيئا أو أمرا لمصلحة ثم يمحوه لمصلحة أخرى غيرها. ومن أمثال ذلك نسخ الشرائع السماوية التي سبقت الإسلام بما ورد في شريعة الإسلام. وهذا ليس دليلا على عجز في علم الله تعالى وهو ما يشرعه الله تعالى مؤقتا لمصلحة معينة. 
وقد يغير الله مصير إنسان من شر إلى خير أو العكس،  كالزيادة في الرزق والعمر أو النقصان فيهما، طبقا لأعمال وأقوال ونوايا ذلك الشخص. فالصدقة تدفع البلاء وكذلك الاستغفار يزيد في الرزق والدعاء يردّ القضاء وصلة الرحم تزيد في العمر أيضا. وقد يختار الله البقاء على الأشياء كما أحدثها. 
      وينبغي لنا أن نوضّح شيئين هما: لوح المحو والإثبات وأمّ الكتاب. 
يقول الشيخ ناصر مكارم شيرازي في كتابه(الأمثل في كتاب الله المنزل 2006،ج 6 ص465وما بعدها) إن تحقق وصيرورة الحوادث لها مرحلتان: المرحلة القطعيّة الثابتة وهي أمّ الكتاب أو اللوح المحفوظ حيث لا سبيل للتغيير فيها، و المرحلة المتغيّرة أو المشروطة وهي حالة المحو  والإثبات والتي يجد التغيير إليها سبيله.
      وفي الواقع ينظر البشر إلى الحوادث بأسباب وعلل ناقصة. ولنأخذ نظرتنا إلى السمّ الذي يؤدي بطبعه إلى قتل من يتناوله. ولكن هنالك الترياق الذي هو ضد السم ولو تناوله من يتناول السم لعطل مفعوله. فحادثة الموت بسبب السم ليست قطعية فهي في لوح المحو والإثبات، إذ قد يجد التغيير سبيله إليها. 
    وعندما ننظر إلى الحادثة من خلال العلّة التامة لها، أي بتوفر الشروط اللازمة لها وعدم الاكتراث بالموانع (مثل الترياق) فتكون الحادثة قطعية، أي أن مكانها في اللوح المحفوظ وأم الكتاب ولا سبيل إلى تغييرها. 
     وبكلام آخر، ثمة للعلم الإلهي مرحلتان: علم بالمقتضيات والعلل الناقصة، وعلم بالعلل التامة. فما يرتبط بالمرحلة الأولى موجود في لوح المحو والإثبات، وما يرتبط بالمرحلة الثانية موجود في اللوح المحفوظ وأم الكتاب. 
   ويورد الشيخ ناصر(المصدر السابق) عدة أخبار وأقوال تؤيد ذلك. فمنها ما قاله الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما سئل عن هذه الآية للسائل: (لأقرنّ عينيك ولأقرنّ عيني أمتي بعدي بتفسيرها، الصدقة على وجهها وبر الوالدين واصطناع المعروف يحوّل الشقاء سعادة ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء). وقول الإمام علي (عليه السلام) : (لولا آية في كتاب الله، لحدثتكم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة). وهو يقصد بذلك هذه الآية.
   ومن الأمثلة الواردة في القرآن وفي الأثر على البداء قصة يونس(عليه السلام) مع قومه وقصة السيد المسيح(عليه السلام) عندما أخبر عن موت عروس ليلة زفافها، لكنها لم تمت. وعند التقصي عن ذلك عرف أن أهلها تصدقوا، وقصة إبراهيم(عليه السلام) بذبح ابنه إسماعيل(عليه السلام)، إذ ظهر البداء بعد استعداد إسماعيل(عليه السلام) للذبح، وقصة النبي موسى(عليه السلام) الذي ترك قومه ثلاثين يوما لاستلام أحكام التوراة، التي زيدت عشرة أيام.
ولنا أن نتساءل: دون وجود البداء، ما فائدة الدعاء الذي أمَرنا الله والنبي والأئمة به؟ ما فائدة الدعاء وقد جرى القضاء بما هو كائن في كل شيء؟
        وما من شكّ أن نقيض فكرة البداء هو ما كان يقوله اليهود من أن القضاء جرى بما كان وقد جفّ ورُفع القلم، وأن الله لا يمكن أن يغيره، وهو ما عبّر عنه القرآن في الآية 64 من سورة المائدة: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء). 

المصدر : مجلة الروضة الحسينية / العدد 47