أعظم الخيانة

أعظم الخيانة
عبدالهادي البابي
ورد في الحديث المأثور عن الإمام الجواد عليه السلام قوله: (كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة )..أي أن يكون ممن ينصرهم ويؤيدهم ويدعمهم ويحارب لأجلهم  لأن الخونة والمفسدين   يقوّون ويتكاثرون بمن يساعدهم ويعاونهم ويغطي على خياناتهم ومفاسدهم ويمنع القضاء أن ينال منهم ! 
وقد خاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم  (ولا تكن للخائنين خصيماً)وهذا الخطاب موجّه إلينا،فلاندافع عن الخائنين في شؤون حياتهم ، ولانبرر أعمالهم بأن نجد لهم العذر لأنهم خانوا المجتمع وخانوا الحياة ، وقد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام :( إن أعظم الخيانة خيانة الأمة )..
وخيانة الأمة تتمثل في كثير من الأوضاع والحالات المتنوّعة ، فيخون الحاكم أمته ، بتعامله معها بالظلم والجوروالاستبداد وقمع الحريات ، ويخون الناس أمتهم فيمكنّون العدو من احتلال وطنهم ، ويخونون أمتهم ، فيتجسسون لصالح العدو حتى يمكنّوه من السيطرة عليهم ، وخيانة الأمة أيضاً هي أن تُوّجه أجيالها  إلى الانحراف والتضليل ، وينال صفة الخيانة أيضاً هؤلاء الذين يعملون على إثارة الفتن بين صفوف أبناء الوطن الواحد ، إن كانت فتن طائفية أو مذهبيّة أو سياسيّة ، ويدعون إلى التباغض والتحاسد والتحاقد بين الناس في أي موقع من مواقع التحديات والتعقيدات الأجتماعية والسياسية ..
وعليه فإنّ كل إنسان يتحرّك ليزرع الفرقة ويشيع الفاحشة ويهيء الظلم والباطل بين الناس ويبذر الحقد بينهم ،ليمزق وحدتهم ويضعف واقعهم ، هو إنسان خائن لله ورسوله ولأمته ووطنه !
و في ظل التعقيدات السياسية والاقصادية والاجتماعية التي يعيشها الناس في هذه المرحلة ، فإن كل إنسان يعمل على أن يثير حقداً أو فتنة أو نزاعاً أو يعمل على تعطيل القوانين أو دعم وتأييد الظالمين أوالدفاع عن السارقين 
والمفسدين وإبعادهم عن مساءلة القضاء والتستر على جرائمهم واختلاساتهم وخياناتهم فهو خائن لله ولرسوله ولأبناء وطنه وشعبه!
وما علينا إلا أن نراقب الله ورسوله في كلماتنا وأعمالنا وعلاقاتنا وفي تأييدنا أو رفضنا ، وعلينا أن نحسب حساب الله وحساب الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى غداً يوم لا ينفع لا مال ولا بنون، في كل أمر نفعله أو نتركه  قبل أن نحسب حساب المصالح والمنافع والمحسوبيات والعلاقات الشخصية  اتجاه أي أحد، فلا نحسب حساب الناس مهما كان الناس في مواقعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
 ولكن علينا أن نحسب حساب الله وحساب التاريخ وحساب الأجيال القادمة التي تنتظر منا أن نذلل لها الصعاب ونوطيء لها الأمور ونقدم لأبنائنا وطناً عزيزاً حرّاً كريماً رافضا وجود جيوش الاحتلال وممنوعا على الحكام الفاسدين وعلى الخائنين والسارقين ، لأنها مسؤوليتنا وعلينا أن نبادر لها ونعمل عليها حتى تترحم علينا أجيالنا القادمة وعندما يتذكروننا فأنهم سيتذكروننا بخير ...ولانريدهم أن يقولوا عنا : ماذا ترك لنا آباؤنا وأجدادنا غير الخيانة والدمار والفساد ، وماذا صنعوا لنا غير الطواغيت والظلمة، وما ذا أسسوا  لنا من أساس غير أساس المحاصصة والتفرقة والمحسوبية !
فهذه فرصتنا الذهبية التي أعطاها الله لنا ، وهذه فسحتنا الرحيبة التي أكرمنا بها المولى سبحانه وتعالى  فلاينبغي أن نضيّعها من أيدينا ونلوم أنفسنا بعد فوات الآوان على عدم التعامل معها والاستفادة منها ونحن نمتلك أعظم ميراث لخير شعب ولخير أمة أُخرجت للناس.

المصدر : مجلة الروضة الحسينية العدد 47 جمادي الاول  1433هـ