التسقيط الاجتماعي للشخصية الاعتبارية للآخرين

صباح الطالقاني

يتمتع أفراد المجتمع بشخصية اعتبارية، نابعة من مقومات بنائهم الديني او الاجتماعي، ويمكن تعريف الشخصية الاعتبارية على انها المكانة والمنزلة الاجتماعية التي تكون للشخص او المكون الاجتماعي، والناشئة من مقومات البناء الديني والاجتماعي والثقافي والاخلاقي والاقتصادي والسياسي، أو لكونه انساناً مع قطع النظر عن وجود هذه المقومات.

وفي سلسلة معالجات الظواهر السلبية في المجتمع تحدثَ ممثل المرجعية العليا الشيخ الكربلائي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بتاريخ 27/ربيع الآخر/1440هـ - 4/1/2019م عن ظاهرة التسقيط الاجتماعي للشخصية الاعتبارية للآخرين قائلاً" كل شخص له مقومات كأن تكون بناء ديني او فكري او ثقافي او اخلاقي اواجتماعي وينشأ لهذا الشخص من هذه المقومات منزلة اجتماعية ومكانة اجتماعية، نسمي هذه المنزلة و المكانة بالشخصية الاعتبارية، ويكون ذلك حتى وإن لم يحمل تلك المقومات لأنه انسان بطبيعة الحال".

الملفت للنظر في هذه الظاهرة هو انها قد تُمارس ضد شخص معين وفي مرة اخرى قد تُمارس ضد مكون بأكمله، وهذا الاخير يعد الأخطر والأصعب.

وأوضح الكربلائي أهمية الشخصية الاعتبارية قائلاً" الانسان مخلوق أكرمه الله تعالى وشرّفه وفضلّهُ على بقية المخلوقات، وهذا الانسان بما له من كرامة انسانية مع قطع النظر عن دينه او فكره هو انسان اكرمه الله بل سخّر له الكون بلِحاظ انسانيته وكرامته الانسانية، وبصورة عامة تتولد لدى الانسان حاجة فطرية الى المنزِلة كضرورة اجتماعية حياتية، وهو يحتاج بما انه انسان الى أن تُحفظ كرامته وإنسانيته، ومن هنا فإن التسقيط الاجتماعي يتنافى مع فطرة الانسان بصورة عامة والاخلاق الانسانية بصورة خاصة".

وأفاد الكربلائي" ان التسقيط يعد مؤشراً على وجود خلل ديني أخلاقي ثقافي، وهو تارة يُمارَس على مستوى أفراد قلائل لأن المجتمع يُنكر ويتشدد في الإنكار على هذه الظاهرة فيبقى قلّة يمارسون مثل هذا الامر المنافي للدين والأخلاق والعرف الانساني والفطرة الانسانية، وتارة يُمارَس على مستوى عدد كبير والمجتمع لا يُنكر ولا يكترث بهذه الظاهرة التي تؤدي الى الكثير من المخاطر على مستوى الفرد والمجتمع! وقد تؤدي الى نزاعات وصراعات في داخل المجتمع! أقلّها هو مسألة الاضطراب النفسي الذي يعيشه الفرد، فأي واحد منّا اذا تم ممارسة التسقيط الاجتماعي بحقه وابتعد الناس عنه ونفروا منه ولم يقضوا حاجاته ولم يتعاونوا معه.. فإنه سيعاني من الاضطراب النفسي وعدم الاستقرار النفسي".

ان الأمر يشتد خطورة وتعقيداً إذا تمت ممارسة التسقيط ضد مكون ديني او قومي او مذهبي، ففي هذه الحالة سوف تشتد الآثار السيئة مع وجود وسائل التواصل الكثيرة التي أصبحت بمتناول كل فرد في كل مكان وزمان، وستكون الآثار مدمرة للمجتمع ومؤشرة على وجود خلل ديني واخلاقي وثقافي واجتماعي..

وتسائل ممثل المرجعية العليا عن وجود أصل في لسان التأليف الاسلامي لمصطلح التسقيط الاجتماعي؟ لُيجيب، انه مصطلح حديث يقرّب المعنى الى الذهن، ولكن يوجد له معنى آخر في لسان الروايات ويتمثل بـ هتك حرمة المؤمن او انتهاك كرامته او هدم مروءة الشخص..

وأوضح الكربلائي" وردَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعِرضه). وليس المقصود بمعنى العِرض هو المعنى العرفي، (لا) ولكن معنى العرض هنا المنزلة والمكانة الاجتماعية للإنسان الناشئة من المقومات التي ذكرناها، وتسقيطه اجتماعياً يُعتبر هنا هتك للعرض.

وإذا ما لاحظنا المنزلة العظيمة لحرمة الكعبة وهي بيت الله الحرام وكم نحرص على ان لا ننتهك حرمة البيت الحرام بكلام ولا بقول ولا بمقالة ولا بفعل ولا بتصرف، فكيف بنا مع الأحاديث التي تقول أن حرمة المؤمن أعظم حرمة عند الله من حرمة الكعبة..!!

وقد نتصور ان هذا الامر بسيط وإذا يوم القيامة تظهر لنا من أعظم الحرمات! وكم من العقاب ينتظرنا ونحن نكتب ونصوّر ونشوه ونفتري ونطعن براحتنا وبكل سهولة وبساطة ويُسر معتقِدين ان هذا الامر بسيط!"

أنواع التسقيط

من الملاحَظ أن نوع التسقيط يتبع نوع الشخصية الاعتبارية، فتارة يكون التسقيط دينياً وتارة اجتماعياً وسياسياً وهكذا، وهو في كل الأحوال يعد فعلاً شنيعاً لا ترتضيه الذائقة الانسانية والشرائع السماوية والنظُم والقوانين التي تحدد علاقة الانسان بالمجتمع. 

وتطرق الشيخ الكربلائي الى أهم أنواع التسقيط التي نراها بكثرة في وقتنا الحاضر مبيّناً:

1-التسقيط الديني: وتتفرع منه ثلاثة أشكال

أولاً: التشويه الفكري.

ثانياً : التسقيط للكيان والفرقة.

ثالثاً: تسقيط الرموز الدينية.

أولاً: التشويه الفكري: ويُقصد به اللجوء الى التسقيط الفكري للرموز الواضحة في استقامتها الدينية وسيرتها وسلوكها وكمالاتها والتي لا يمكن التعرض لها في التسقيط بالطرق المعروفة.

وذلك من خلال أساليب دقيقة في التزوير للفكر الديني الذي يمتلك حقائق معرفية وعقائدية ورموز معروفة بكمالاتها، وتفسير الحقائق الدينية بتفسيرات وتأويلات تناسب أهواء الجهة التي تريد تسقيط هذا الفكر الديني.

ومن ذلك، اللجوء الى سلب مقامات وفضائل وصفات حسنة لهذا الكيان الذي يعتقِد بهذا الفِكر وإنساب أمور سيئة الى هذا الفِكر، من اجل تسقيط منزلته لدى المجتمع وعزلهِ عنه.

ثانياً: التسقيط للكيان والفرقة: احياناً يُنسب الى الكيان والفرقة التي تعتقد بهذا الفِكر يُنسب اليها أفعال شنيعة وتصرفات سيئة من اجل تسقيطها وتسقيط فكرها.

ثالثاً: تسقيط الرموز والقادة لهذا الفِكر: حينما لا يتمكنون من الفِكر ولا من الكيان، يلجأون الى الرموز الدينية فينسبون اليها تصرفات وسلوكيات وأفعال وعلاقات تشوّه صورتها أمام الناس، واحياناً تسلبها مقامات معنوية، وكما هو معروف ان قوة الرمز الديني فيما يتصف بهِ من كمالات معنوية وتقوى وورع وزهد وأخلاق عظيمة، حيث ينجذب الناس اليهِ ويحبونهُ ويعملون وفق منهجهِ..

2-التسقيط الاجتماعي: هناك أبعاد خطيرة لهذا النوع من التسقيط، لأن الواحد مِنّا لا يعلم يوم القيامة ماذا سيُكشف في صفحة كتابهِ من أنواع هذا التسقيط.

ويتركز هذا النوع في صفحات التواصل الاجتماعي، وفي أحاديثنا احياناً، ومن جملته أن الانسان يتتبع زلاّت وعثرات وسقطات الانسان الآخر، ويقوم بنشرها على نطاق واسع ويُشهّر بهِ فيؤدي الى تسقيط مكانته الاجتماعية لدى الآخرين، ولهذا التسقيط نتائج كارثية على المجتمع عموماً.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: (لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإنَ من تتبع عثرة أخيه تتبع الله عثرته، ومن تتبع الله عثرتهُ فضحهُ ولو في جوف بيته) بمعنى انك إن تتبعت عثرات أخيك المؤمن فإن الله تعالى سيتتبع عثراتك في جوف بيتك وسيفضحك بأن تُنشر هذه العيوب والزلات والسقطات الاخلاقية وغيرها التي هي داخل البيت، وكُنت أنت امنٌ من ان تُنشر الى الناس.

مصدر الصورة: https://imamhussain.org/arabic/