اغتيالُ الطفولة

بقلم: حنان الزيرجاوي

حوادثُ مُروِّعةٌ يندى لها جبينُ الإنسانيةِ، وجرائمُ بشعةٌ بحقِّ الطفولةِ والبراءةِ، وأعمالٌ همجيةٌ وأساليبُ بشعةٌ لا يُمكِنُ وصفُها ويصعبُ على العقل إدراكُها وتصديقُها..

مُنفِّذو تلك الجرائم هم آباءٌ وأمهاتٌ انحرفت لديهم تلك الغريزةُ والفطرةُ الإلهيةُ التي وضعها اللهُ (جل وعلا) في قلوبِهم لتتحوّلَ إلى العدوانيةِ والإجرامِ فتتوارى كُلُّ ملامحِ الحُبِّ والحنانِ والعطاءِ لتتلوثَ أيديهم بدماءِ فلذاتِ أكبادِهم ويخونوا تلك الأمانةَ التي استودعَها اللهُ (تعالى) عندَهم ويقتلوا البراءةَ والنقاء.

دموعٌ مُنهمرةٌ وصرخاتٌ مُتعاليةٌ لم تكبحْ جنونَ أُمٍّ - إنْ صحَّ الاحتفاظُ لها بهذه الصفة- برمي أطفالِها الصغار في نهرِ دجلة وبشكلٍ مؤلمٍ من فوقِ جسرِ الأئمة.. وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ فإنّما يدلُّ على أنّ تلك المرأةَ فقدتْ فطرتَها السليمةَ الإنسانيةَ والطبيعيةَ التي وضعها الله (تعالى) عندها، فتحوّلت إلى قاتلةٍ بلا رأفةٍ ولا رحمة، وتجرّدتْ من كُلِّ عواطفِها وأمومتها..

  وهذه الجرائمُ البشعةُ التي تكرّرتْ في هذه الفترة تطرحُ الكثيرَ من علاماتِ الاستفهامِ عن الدوافعِ والمُسبباتِ التي دفعتْ تلك الأمَّ أو مثيلاتها لعملِها الإجرامي هذا، ولا نُنزِّهَ الآباءَ؛ فالكثيرُ من الجرائم والقصص المأساويةِ الغريبة التي حدثتْ كانَ بطلُها الأب!

نحنُ لا نُبرِّرَ للأمِّ فعلتَها الشنيعةَ هذه لكنّ تكرر هكذا أفعال لها أسبابُها كثيرة تحتاجُ لدراسةٍ وعلاجٍ وتكاتفٍ.

ولعل أهمّ تلك الأسباب هي:

1-لقمةُ الحرام؛ فالأبُ الذي يُطعِمُ أولادَه من المالِ الحرامِ سيكونُ هذا سلوكهم، فهذه الانحرافاتُ هي أحدُ مصاديقِ أكل المال الحرام.

2-انعدامُ المسؤولية، وإهمالُ التربية واللامبالاةُ بسلوكياتِ الأولاد والبنات مُنذُ بدايتِهم وفي سنِّ المُراهقة سينتجُ هكذا أفرادٍ مُجرمين، عالة على المُجتمع.

3-إذا كانتِ البيئةُ التي يعيشُها الأولادُ هي مُستنقعاً عديم الأخلاق ستُنشِئُ آباءً وأُمهاتٍ غيرَ مؤهلين لتلك المسؤولية.

4-أسبابٌ نفسيةٌ وعقليةٌ تحتاجُ لمُعالجةٍ وعدمِ التهاونِ بتركِ علاجها.

وقد لا يسعنا مُعالجةُ الجرحِ النازفِ في كبدِ الإنسانية إنْ غادرتِ الرحمةُ سماءَ الهطول، وباتتِ القساوةُ تُنذِرُ برياحٍ عاتية لن تدعَ لنا حرفًا في سجلِنا البشري يُمكِنُه أنْ يُشيرَ لنا بالسموِ والنقاء..

الأسبابُ قد تتعدّدُ وتغتفرُ لدواعي ارتكابِ الجريمة في حقِّ الأغراب، ولكن أنْ يصلَ الأمرُ إلى الأقربين أو فلذات الأكباد فهذا ما لا يُمكِنُ التسامحُ به مهما تعدّدتِ الأسباب، ولا مغفرته...

غايةُ ما يُمكِنُنا قولُه هو إنّ هؤلاءِ المُجرمين ارتكبوا جريمةً بحقِّ أعظمِ صلةٍ خلقها الله (تعالى)، واتصفَ بها وأشارَ إلى سعتِها، وهي صفةُ الرحمةِ التي ضاقتْ عندَ هؤلاءِ إلى حدِّ أنّها لم تسعْ حتى أبناءهم.