قتل الإمام الحسين (عليه السلام) الجريمة الأولى

قتل الإمام الحسين (عليه السلام) الجريمة الأولى

المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظلّه)

لا ينبغي الإشكال في أن أعظم جريمة من الناحية الواقعية - بل حتى العاطفية- في هذه الفاجعة الممضة هو قتل شخص الإمام (صلوات الله عليه) لما يتمتع به...

أولاً: من مقام ديني رفيع يستحق به الولاء والتقديس، كما يتضح بالرجوع إلى ما ورد في حقه وحق أهل بيته صلوات الله عليهم في الكتاب المجيد، وعلى لسان النبي ص مما لا يسعنا استيعابه بإيجاز، فضلاً عن تفصيل الكلام فيه.

ولا سيما مع وضوحه وشيوعه، وتيسر الاطلاع عليه بالرجوع للمصادر الكثيرة للفريقين.

وإذا اختص الشيعة بالقول بالنص الإلهي على إمامة الحسين (صلوات الله عليه)، وأنه هو الإمام الحق دون غيره، فلا إشكال بين المسلمين قاطبةً بأنه عليه السلام في عصره هو الرجل الأول في المسلمين، أفضلهم عند الله عز وجل، وارفعهم مقاماً، وأعظمهم كرامة، وأولاهم بالإمامة من غيره.

قال البلاذري: (وكان رجال من أهل العراق ولثمان أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين يجلّونه ويعظمونه، ويذكرون فضله، ويدعونه إلى انفسهم، ويقولون: إنا لك عضد ويد، ليتخذوا الوسيلة إليه، وهم لا يشكون في أن معاوية إذا مات لم يعدل الناس بحسين أحداً).

وثانياً: من قربه من النبي، فهو بقية أهل البيت الذين كان صلى الله عليه وآله وسلم يخصهم بعواطفه وألطافه، ولا زال بقايات الصحابة يذكرون مفردات ذلك ويحدثون به.

حتى إن غير واحد من الصحابة أنكروا على عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية حينما أخذا ينكتان ثغر الإمام الحسين عليه السلام بالقضيب لمّا وضع رأسه بين أيديهما، وذكروا لهما أن رسول الله ص كان يقبل ثغره، كأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبو برزة الاسلمي، وربما غيرهم.

وبالجملة: كان الناس إذا رأوا الحسين عليه السلام وذكروا رسول الله وتذكروا مشاهده معه، وما كان يبديه نحوه من مظاهر الحب والحنان والتكريم والتبجيل، وذلك يوجب مزيداً من الانشداد الديني والعاطفي نحوه عليه السلام.

وثالثاً: من مؤهلات شخصية من عقل ودين واستقامة وشجاعة وعلم وعمل وخلق وسلوك وسخاء وحسن معاشرة ومخالطة مع الناس... إلى غير ذلك مما يفرض حب الخاصة والعامة له عليه السلام، واحترامهم إياه وانشدادهم نحوه.

حتى أنه صلوات الله عليه لما كتب إلى معاوية ينكر عليه جملة من موبقاته قيل لمعاوية: (أكتب إليه كتاباً تعيبه وأباه فيه) فقال: ما عسيت فيه أن أقول في ابيه إلا أن أكذب، ومثلي العيب أحداً بالباطل، وما عسيت أن أقول في حسين ولست أراه للعيب موضوعا....).

 

الإمام الحسين (عليه السلام)  هو الرجل الأول في المسلمين:

ومن أجل ذلك كله حاز المقام الأول في المسلمين، حيث يأتي عن شبث بن ربعي في حديث له عن قتل الإمام الحسين أنه عليه السلام خير أهل الأرض، وعن معاوية أنه عليه السلام أحب الناس إلى الناس.

وفي حديث محمد بن الحنفية مع الإمام الحسين   قال: (إن أخاف أن تدخل مصراً من هذه الامصار، وتأتي جماعة من الناس، فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، واخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأول الأسنة، فإذا خير هذه الامة كلها، نفساً وأباً وأماً، أضيعها دماً، وأذلّها أهلاً).

وورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الإمام الحسين عليه السلام مرّ على جماعة هو فيهم، فقال: (ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟) قالوا: بلى، قال: (هو هذا الماشي، ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين، ولئن يرضى عني أحب إلي من أن تكون لي حمر النعم).

وفي حديث للفرزدق: (هذا الحسين بن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، هذا والله خيرة الله، وأفضل من مشى على الارض من خلق الله....).

وعنه أيضاً أنه قال للإمام الحسين عليه السلام: (أنت أحب الناس إلى الناس والسيوف مع بني أمية، والقضاء في السماء).

وفي حديث لعبد الله بن مطيع مع الإمام الحسين عليه السلام وهو في طريقه إلى مكة قال له فيه: (فالزم الحرم، فأنت سيد العرب في دهرك هذا....).

وقال ابن الاثير: (فقال الناس لسنان بن أنس النخعي: قتلت الحسين بن علي وأبن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قتلت اعظم الناس خطراً.....).

وقد قال من شقي بحمل رأسه الشريف مخاطباً أسياده الظالمين:

أوقر ركابي فضة أو ذهبا      إني قتلت السيد المحجّبـــــــا

قتلت خير الناس أمّاً وأبا     وخيــرهم إذ ينسبون نسبــا

وقد جاء في كتاب عبد الله بن جعفر له عليه السلام محاولاً صرفه عن المسير: (أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تقرأ كتابي هذا، فإني مشفق عليك من هذا الوجه أن يكون فيه هلاكك، واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين،  

 

فلا تعجل..).

وقال عبد الله بن مطيع: (أذكرك الله – يا بن رسول الله – وحرمة الإسلام  أن تنتهك، انشدك الله في حرمة قريش، أنشدك الله في حرمة العرب، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحداً أبداً.....).

وروى ابن سعد مسنداً قال: (مرّ حسين بن علي على أبن مطيع، وهو ببئره قد أنبطها، فنزل حسين عن راحلته، فاحتمله ابن مطيع احتمالاً حتى وضعه على سريره، ثم قال: بأبي وأمي أمسك علينا نفسك، فو الله لئن قتلوك ليتخذنا هؤلاء القوم عبيداً).

وعنه أيضاً أنه قال للإمام الحسين عليه السلام: (ووالله لئن قتلت لا بقيت حرمة بعدك إلا استحلت).

وبنظير ذلك صرح الإمام الحسين عليه السلام نفسه في المعركة حينما اشتد به الحال، فقد صاح بصوت عال: (يا أمة السوء بئسما خلفتم محمداً في عترته، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله الصالحين فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي....)

وقال عليه السلام ايضاً: (أما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله، الله أسخط عليكم لقتله مني).... إلى غير ذلك.

ويؤكد ما ذكرنا أن عبد الله بن الزبير كان شديد البغض لبني هاشم والتحامل عليهم، حتى إنه قال لإبن عباس: (إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ اربعين سنة). وقد ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته، فقيل له في ذلك، فقال: (إن له أهل سوء يشرئبون لذكره ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا به).

وكان ينال من أمير المؤمنين عليه السلام..

حتى أنه لما عُزّيّ عبد الله بن عباس بالإمام الحسين عليه السلام، ثم أنصرف معزّيه قال ابن عباس: (إنه ليعدل عندي مصيبة الحسين شماتة ابن الزبير. أترون مشي ابن الزبير إليّ يعزّيني؟ إن ذلك منه إلا شماتة).

ومع كل ذلك كان يعرف هو وغيره أنه لا يستطيع طلب البيعة لنفسه والإمام الحسين (صلوات الله عليه) في الحرم، حتى أتهمه الناس في مشورته على الإمام الحسين عليه السلام بالخروج إلى العراق.

وقال الإمام عليه السلام: (إن هذا ليس شيء من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز، وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي، فودّ أني خرجت حتى يخلو له).

بل ورد أن ابن الزبير قال للإمام الحسين عليه السلام: (أما إنك لو أقمت بالحجاز، ثم اردت هذا الأمر ههنا لما خالفنا عليك وبايعناك ونصحنا لك)، وقال له: (أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس).

كل ذلك لما ذكرناه من أن الإمام الحسين عليه السلام كان هو الرجل الأول في المسلمين، ولا يتقدم عليه غيره.

وبذلك كان الإقدام على قتله وانتهاك حرمته هو الجريمة الكبرى التي قام بها الأمويون في الواقعة، والمصيبة العظمى التي حلّت بالمؤمنين والمسلمين.

وقد زاد في بشاعة هذه الجريمة أنه عليه السلام لم يقتل مواجهة في المعركة، وإنما قتل ذبحاً صبراً، بعد أن ضعف عن القتال، وأعياه نزف الدم، فبقي على وجه الارض طويلاً.

وقد أضيف إلى هذه الجريمة النكراء جرائم وانتهاكات زادت في مسأوية الفاجعة.

================

المصدر: مجلة الروضة الحسينية/ العدد 48 لشهر جمادى الآخرة سنة 1433هـ /باب صفحة من كتاب.

مستقاة من كتاب فاجعة الطف.. أبعادها،ثمراتها ، توقيتها

للمرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظلّه)