رسالة الحقوق ولائحة الامم المتحدة

صباح الطالقاني

تبدأ لائحة الاعلان العالمي لحقوق الانسان بديباجة تجعل من كلمة "لما كان" أساساً افتراضياً لأسباب عمومية متفَق عليها للشروع بإقرار فقرات تلك اللوائح، وتكررت هذه الكلمة 7 مرات، موضحةً أسباب تراوحت بين الاعتراف بكرامة الانسان وحقوقه المتساوية كأساس للحرية والعدل، ونشوء أعمال عنف همجية آذت الضمير الانساني، وضرورة تبني الأنظمة لهذه الحقوق كي لا يضطر الانسان لسلوك طريق التمرد... كمبررات لتثبيت 30 مادة حقوقية متفق عليها كمستوى مشترك ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب وصولاً الى توطيد احترام وتقديس هذه الحقوق والحريات.

وتراوحت مواد هذه اللائحة العالمية بين حرية الانسان وتساويه مع الآخر في الكرامة والحقوق، دون أي تمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الرأي او الأصل او الثروة، وانه لا يجوز استرقاق او استعباد اي انسان، ولا يجوز تعريض اي شخص للتعذيب والعقوبات والحط من الكرامة، وأن كل الناس سواسية أمام القانون، وان لكل فرد الحرية في التنقل واختيار محل اقامته او اللجوء لبلاد أخرى هربا من الاضطهاد، وأن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، وأن لكل شخص حق بالضمان الاجتماعي كما في الحصول على عمل وأجر متساو مع الأقران.

لقد تعرضت هذه الوثيقة الدولية التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة عام 1948م الى أغلب الحقوق المتعلقة بالفرد، بهامش كبير من المتعلقات المادية، مقابل القليل من الحقوق المعنوية سواء ما خصَ الفرد تجاه أقرانه أو ما خصهُ تجاه الجانب الايماني والروحي، الذي يجب أن نتفق على انه أصل الحياة وعلّة وجود الانسان، رغم تعدد معانيه وتباين مستويات تبنّيه وفق اتجاهات مختلفة وقناعات متغايرة.

وهنا يأتي دور الريادة الفكرية لأئمة أهل البيت عليهم السلام في بيان الحقوق للناس، فنجد أن (رسالة الحقوق) للإمام علي ابن الحسين السجّاد عليه السلام، هذه الوثيقة العلمية والقانونية التاريخية التي كتبها بُعيد واقعة الطف في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، نجدها قد بيّنت رؤية الامام السجاد حول وجود حقوقاً ذاتية، وحقوق اخرى مترتبة على الانسان تجاه خالقهُ جل وعلا، وتجاه محيطه من الناس والمخلوقات وكل شيء، حتى شملت رسالة الحقوق 51 حقّاً، بدأت بحق الله تعالى حيث بيّن عليه السلام: (فأما حق الله الأكبر عليك، فأن تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل الله لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منهما).

ثم بيّن الامام حق النفس قائلاً، وأما حق نفسك عليك فإن تستوفيها في طاعة ﷲ، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك.

ثم تطرّق السجاد عليه السلام الى حقوق الجوارح كاللسان والسمع والبصر وحتى أعضاء الجسد التي تضمّها جوانح الخلق الانساني، وحق الصوم والصلاة والصدقة والزكاة والإمام والمعلِّم وحقوق الراعي والرعية، وحقوق الرحم، وحقوق الجليس والجار والصاحب، والحقوق الاقتصادية مثل حق الشريك والمال والغريم والخليط، وحقوق الخصومة كحق المدعي والمدعى عليه، والحقوق الاجتماعية كحق الكبير والصغير والفقير وحقوق أهل الملّة وحقوق أهل الذمة.

ومن هنا فان من المهم الاعتقاد بأن المحور الذي تستند اليه موضوعات (رسالة الحقوق) هو توثیق العلاقة بین الإنسان وخالقه، وتنظيم العلاقات الفردیة والاجتماعیة في حيّز الحقوق والأخلاق، وکأن السجّاد عليه السلام في تصدّيه لتقويم الانحراف الواقع في عصره، عمدَ الي تجديد طروحات الاسلام النموذجية التي تبنّاها جدّه المصطفى وأبيه المرتضى عليهم الصلاة والسلام، في سبيل ايجاد رؤية متوازنة لاحتياجات الانسان المادية والروحية، فيكون بذلك قد أحيا قيَماً كادت سياسة بني أميّة في تجهيل الناس وتسطيح العقول أن تطمسها تماماً وتعود بها الى غياهب الجاهلية.

وبالمحصّلة، نجد أن الامام السجّاد عليه السلام قد بنى (رسالة الحقوق) على ثلاثة مرتكزات، مرتكز يتصل بالله تعالى، وآخر يتصل بذات الانسان، وثالث يتصل بالآخرين، لتكون هذه الرسالة وثيقة تاريخية تتفوق على افضل واحدث رؤى لوائح حقوق الانسان التي وضعتها البشرية حتى الآن.