عاشوراء وأهل البيت

حدثٌ جلَل مرّت عليه قرون عديدة ولم يندثر بل أن ذكره لن ينتهي الى قيام الساعة، ونجده يتعاظم ويزداد سعة وانتشاراً سنة أثر أخرى، ذلك هو يوم عاشوراء الموشَّح بالشعائر الحسينية التي وثّقها تراث أتباع أهل البيت عليهم السلام، تجسيداً للولاء للإمام الحسين واستذكاراً لتضحيته التي قوّمت معنى الإسلام وأعادت بريقه بعدما حاول بني أمية محوهُ وطمس معالمهِ السامية النبيلة.

ولعل سائل يقول لماذا هذا الإصرار الشديد على إحياء واقعة مضى عليها قرابة 1400 عام، فنجيبه بأن التبعية لأهل البيت عليهم السلام وإظهار المودّة لهم والالتزام بتعاليمهم إنما جاءت من باب التأكيد الإلهي في آيات قرآنية معروفة، فضلاً عن الأحاديث النبوية المتواترة والروايات التي وردت عن الأئمة الأطهار مؤكدةً على ذلك.

فعن ابن عباس انه قال: لما نزلت (لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) قالوا: يا رسول الله ومَن قرابتكَ هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: (علي وفاطمة وابناهما).

وجاء في أحاديث النبي صلَّ الله عليه وآله في فضل سيد الشهداء (عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده أبَي بن كعب فقال لي رسول الله: مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين. قال له أبَي: وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرضين أحد غيرك؟ قال: يا أبَي: والذي بعثني بالحق نبياً, ان الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض, وانه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل: مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام خير ويُمن وعز وفخر وعِلم وذخر....)

ولا ينتهي ذكر السبط الشهيد وبيان فضائله واستذكار كربلاء وعاشوراء عند أحاديث النبي الأكرم بل يتواتر مروراً عبر الأئمة المعصومين عليهم السلام جميعاً، فقد ذكر أمير المؤمنين علي عليه السلام عِظم ما يحصل في كربلاء عندما مرّ بها في حرب صفين ( ها هنا ها هنا. فقال له رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: ثقل لآل محمد ينزل ها هنا فويل لهم منكم، وويل لكم منهم. فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم إلى النار).

سيد الشهداء عليه السلام وهو صاحب المَصاب والذكرى الخالدة كان يصفُ خروجه من المدينة الى مكة ثم الى العراق وصولاً الى الطف عبر ثمانية وثلاثون منزلاً، بأنه رسالة يجب أن يوصلها للناس وهدفاً يجعل منه ناقوساً يدق في غياهب التاريخ جرس الحرية والعدالة والفضيلة بوجه الظلم والطغيان والفساد، حيث قال (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمَن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين).

بل أن الإمام الحسين عليه السلام ثبّت حقيقة تاريخية تتعلق بالموكب المهيب الذي رافقه طوال مسيرته، مشيداً بأهله وأصحابه الذين رافقوه لنصرته في نهضته المباركة، قائلاً: (أمّا بَعد، فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أوفى ولا خيراً مِن أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبَرَّ ولا أوصلَ مِن أهلِ بَيتي، فَجزاكُم اللهُ عَنّي خيراً...)

وقد سطعَ الإيمان الراسخ لأهل البيت عليهم السلام، بحديث علي الأكبر في واقعة الطف حين قال لأبيه (يا أبتَ، ألَسنا على الحق؟ فقال: بلى والذي إليه مَرجِع العباد. فقال علي الأكبر: إذاً لا نبالي أوَقعنا على الموت أو وقعَ الموت علينا. فأجابه الإمام الحسين عليه السلام: جزاك الله مِن ولدٍ خير ما جزى ولداً عن والده).

مثلما تجلّى ذلك الإيمان عند رفاق المسيرة إلى الطف حين قال لهم إمامهم سيد الشهداء عليه السلام (ألا وإني قد أذنتُ لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جمَلا...) فانبرى إليه مسلم بن عوسجة قائلاً: أنحن نخلي عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك، أما والله حتى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي... والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله فيك...)

وبالغَ زهير بن القين فقال: والله لوددتُ انني قُتلت ثم نُشرت ثم قُتلت حتى اُقتل هكذا ألف مرة، وان الله جل وعز يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

أما الإمام المهدي عجّل الله فرجه، فكانت لهُ قصة مختلفة مع جدّه الحسين عليه السلام، فقد جاء في زيارة الناحية، ما هو أبلغ أثراً وأشد سطوعاً من حقائق الإيمان بشخصية سيد الشهداء عليه السلام وبيان صفاته الشريفة ونهضته المباركة، حيث نُقل عن الحجّة عجّل الله فرجه في هذه الزيارة قولهُ (أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ أقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتَ بِالمَعرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ والعُدْوَانِ، وأطَعْتَ اللهَ وَمَا عَصَيْتَهُ، وتَمَسَّكْتَ بِهِ وَبِحَبلِهِ، فأرضَيتَهُ وَخَشيْتَهُ، وَرَاقبتَهُ واسْتَجَبْتَهُ، وَسَنَنْتَ السُّنَنَ، وأطفَأْتَ الفِتَنَ). وفي مقطع آخر من هذه الزيارة العظيمة يخاطب جدّه (كُنْتَ للرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَلَداً، وَللقُرآنِ سَنَداً، وَلِلأمَّةِ عَضُداً، وفي الطَّاعَةِ مُجتَهِداً، حَافِظاً للعَهدِ والمِيثَاقِ، نَاكِباً عَن سُبُل الفُسَّاقِ...).

ان هذا الإستذكار والتخليد والتمجيد والتذكير بعِظمِ رسالة سيد الشهداء عليه السلام مما جاء في القبسات النورانية لأئمة أهل البيت عليهم السلام إنما يُعد في واحد من معانيهِ دعوة للتمسّك بعاشوراء والشعائر الحسينية، لِما تمثلهُ من تجسيدٍ للعدل والإحسان ومواجهة الظلم ودحض الباطل ونشر مفاهيم الدين الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيداً عن لغة العنف والإكراه والتشدد والتطرف.

صباح الطالقاني  

..................................................

المصادر/

1-تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن/ ج4/ ص94.

2-مهج الدعوات ص ٢٨٩ - 292.

3-كتاب صفين/ الجزء الثالث ص 141.

4-نفس المهموم ص 227.