زقورة اور.. الهندسة المعمارية المذهلة التي نافست الاهرامات المصرية

سلّطت هيئة الإذاعة البريطانية "بي. بي. سي"، الضوء على زقورة "أور" السومرية في محافظة ذي قار العراقية والتي وصفتها بأنها "إنجازاً هندسياً مذهلاً" يطل على مدينة تاريخية قديمة باتت مقصداً سياحياً ودينياً بعد زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس لها في العام الماضي 2021 لكونها تضم بيت النبي إبراهيم الذي تعود إليه الأديان السماوية.

واستهلت "بي. بي. سي" تقريرها الذي تابعه مركز الاعلام الدولي ، بالقول "للمصريين اهرامات الجيزة، ولكن للعراق زقورة أور، وهي انجاز هندسي مذهل ما زال قائما، يطل على آثار مدينة تاريخية قديمة.

ووصف التقرير البريطاني الموقع العراقي الذي يقع كمركز للحضارة، في قلب الصحراء منذ أربعة آلاف سنة حيث أنقاض مدينة أور العظيمة، والتي كانت في يوم من الايام العاصمة الادارية لبلاد ما بين النهرين، وهي الان ضمن أرض قاحلة.

وذكر التقرير ان زقورة أور التي يبلغ عمرها 4100 سنة، مشيدة بشكل متدرج، وهي كمجسم على جانبيه ادارج عملاقة.

واوضح التقرير ان الزقورات الاولى تعود الى ما قبل اهرامات الفراعنة المصريين، وما يزال بالامكان ايجاد عدد قليل منها في كل من العراق وايران في العصر الحديث.

وهذه المباني تفرض نفسها على غرار نظيراتها الفرعونية، وهي ايضا لها اغراض دينية، الا ان هناك اختلافات بينها، حيث ان الزقورات لها عدة مستويات من المدرجات بخلاف جدران الاهرامات المسطحة، كما ان الزقورة ليس فيها غرف داخلية، وانه بدلا من القبور الموجودة داخل الاهرامات، فإن معابد الزقورات، متواجدة في اعلى البناء الحجري.

المبنى المقدس

ونقل التقرير عن المتخصصة في الشرق الأدنى القديم في جامعة كيس ويسترن ريزيرف الامريكية، مادالينا رومور، قولها ان الزقورة هي بمثابة مبنى مقدس، كانت في الاساس معبداً مع منصة ودرج، لكن مع مرور الوقت، جرت اعادة بناء المعابد والمنصات وتوسيعها مرات عدة، وتزايد تعقيدها وحجمها، الى ان بلغت شكلها الافضل كما في زقورة أور المتعددة المستويات.

واشار التقرير الى ان زقورة أور تم بناؤها بعد حوالي 680 عاما على بناء الأهرامات الأولى، الا ان شهرتها تكمن في انها من بين أفضل الأماكن المحفوظة، وايضا لان موقعها هو في مدينة اور التي لها مكانة بارزة في كتب التاريخ.

مهد هندسة المياه والقوانين

وبحسب مختصين، فإن بلاد ما بين النهرين كانت هي منشأ الري الصناعي حيث كان سكان أور يقطعون القنوات والخنادق لتنظيم تدفق المياه وري الأراضي البعيدة عن ضفاف نهر الفرات.

كما انه من المعتقد ان أور هي مسقط رأس سيدنا إبراهيم، وهي منشأ أول القوانين، "قانون أورنمو" الملك السومري الذي كتب قانونه في 2100  قبل الميلاد، اي قبل 400 عام من "قانون حمورابي" الاكثر شهرة في بابل.

علم الفلك والزراعة

وتعكس زقورة أور، المعرفة السومرية للدورات القمرية والشمسية، حيث ان كل من الزوايا الاربع للزقورة كانت تشير في اتجاه أساسي تماما مثل البوصلة، بينما الدرج الكبير الذي يقود الى المستويات الاعلى، موجها نحو شروق الشمس في الصيف.

وذكر التقرير ان الملك "أورنمو" وضع حجر الزقورة الأول في العام 2100 قبل الميلاد، ولكن البناء اكتمل لاحقا من قبل ابنه الملك شولجي، وذلك عندما كانت المدينة عاصمة مزدهرة لبلاد ما بين النهرين، مضيفا انه مع حلول القرن السادس قبل الميلاد، صارت الزقورة في حالة خراب بسبب الحرارة الشديدة في الصحراء ورمالها القاسية.

وأشار التقرير إلى أن الملك البابلي "نابونائيد"، بدأ في العمل على ترميمها في نحو 550 قبل الميلاد، ولكنه بدلا من اعادة اعمار الطبقات الثلاث الاصلية، عمد الى بناء سبع طبقات لتتلاءم مع المباني البابلية العظيمة الأخرى في ذلك الوقت مثل زقورة إيتيمينانكي التي يعتقد البعض انها كانت هي برج بابل.

ونبه التقرير الى ان الجزء الاكبر من الزقورة ما زال سليما حتى يومنا هذا وذلك بسبب ثلاثة ابتكارات بارعة قام بها المهندسون السومريون، وهي التهوية التي حالت دون التدهور الكلي للهيكل، حيث حفر السومريون مئات الثقوب المربعة في الجدران الخارجية للسماح بعمليات التبخر السريع.

واوضح التقرير الى انه تم بناء الجدران مع ميل طفيف ما اتاح للمياه ان تتدفق الى أسفل جوانب الزقورة ومنع تجمعها في المستويات العليا.

اما الابتكارالاخر، فانه يتعلق ببناء المعبد في الجزء العلوي منه بالطوب الطيني المعرض للنار بالكامل والذي تم تثبيته معا بواسطة القار، ومنع القطران القطران تسرب المياه الى اللب غير المعرض للنار.

الجفاف والصحراء

واشار التقرير الى انه برغم هذه الانجازات، فقد اصيبت المدينة بالجفاف بحلول القرن السادس الميلادي، بعدما غير نهر الفرات مساره، ما ترك المدينة بدون ماء وغير صالحة للسكن، وتم الخلي عن أور والزقورة ثم دفنتهما جبال الرمال لاحقا بفعل الرياح والزمن.

وتابع التقرير انه لم يتم العثور على بقايا الزقورة حتى العام 1850، ثم في وقت لاحق من عشرينيات القرن الماضي، تولى عالم الآثار البريطاني السير ليونارد وولي قيادة عملية تنقيب عن النصب التذكاري، وكشف النقاب عن ما تبقى من هيكل المبنى واستخرج خناجر ذهبية وتماثيل منحوتة وأغطية رأس من المقابر المحيطة، الا ان حفريات التنقيب لم تشمل سوى 30٪ فقط من الموقع، وما يزال هناك الكثير ليتم اكتشافه.

وفي مفارقة، لفت التقرير الى ان الزقورة ما زالت مهمة حتى يومنا هذا لدرجة انه خلال حرب الخليج عام 1991، وضع صدام حسين طائرتين مقاتلتين من طراز "ميغ" بجانبها، آملا أن يمنع الموقع التاريخي الولايات المتحدة والدول الحليفة من مهاجمة طائراته، لكن "لسوء الحظ"، فان الزقورة عانت من أضرار طفيفة.

وبعدما اشار التقرير الى ان العراق فتح ابوابه امام السياحة من الغرب منذ العام 2021 ، وراحت تتقدم وانما ببطء، وختم التقرير بالاشارة الى انه مع التسلق نحو المستويات العليا من الزقورة، كان يظهر عبر الصحراء الممتدة، مجسمات صغيرة منتشرة في جميع انحاء المنطقة في انتظار عمليات التنقيب، وهي بلا شك تخفي عالما من الكنوز التي لم يتم اكتشافها حتى الان.

عباس نجم