أين أنت من صلة الرحم؟

اعداد: عبد الرحمن اللامي

ذوو القربى، والأرحام، والعشيرة، والقوم، كلمات وردتْ في القرآن الكريم في مواضع عديدة وقد أمرنا الله (تبارك وتعالى) أن نعطيها حقّها من الوصل والبذل والعطاء وكفّ الأذى عنها، فإذا أردنا شعباً يسوده الوئام والسلام بين فئاته وطبقاته علينا أن نثقفه على صلة الأرحام وزرع هذه القيمة العليا فيه.

 يقول الله (تعالى شأنه): }إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى..{ (90) سورة النحل، ويقول (عزّ من قائل): }وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى...{ (83) سورة البقرة،... }وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ (1) سورة النساء... }  وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ (75) سورة الأنفال.

ثمّ تأتي السنة المطهّرة لتؤكّد لنا ذلك أيضاً، إذ يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم): "صل رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما يوصل به الرحم كف الأذى عنها".(بحار الأنوار، ج71ص103/104)، وفي حديث آخر: "إنّ أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم"، وفي حديث آخر: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيصلْ رَحِمَه"، وفي آخر: "بلّوا الأرحام ولو بالسلام"، أي ندّوها بصلتها والعرب يطلقون النداوة على الصلة كما يطلقون اليبس على القطيعة.

وكذلك دَرَج علماؤنا الأعلام (أعلى الله مقام الماضين وأدام ظلّ الباقين) على وجوبها المؤكّد وعدّوا قاطعها من العاصين ومن مرتكبي الكبائر، وليبق معنا القارئ العزيز في هذا الاختبار القصير والذي نهدف من ورائه بيان بعض المفاهيم المتعلّقة بالموضوع، فضلاً عن توضيح مدى التزامنا بهذا الواجب أو تقصيرنا (لا سمح الله ) فيه، فما عليك إلاّ أن تؤشّر على الحال التي توافق ما أنت عليه ومن ثمّ نجمع ما حصدنا من نقاط ونذهب الى النتيجة:

تعني صلة الرحم الإحسان إلى كلّ مَن يشاركك في النسب وإن كان بعيداً، وإيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم، وقطيعة الرحم تعني عدم الإحسان إليهم, وهناك مَن يزيد على عدم الإحسان بالإساءة إليهم، فهل أنت ممّن:

 أ. يواصل الإحسان إلى الأقارب والأرحام؟

 ب. لا يواصل ولا يقاطع ولا يحسن ولا يسيء إليهم؟

 ج. يقطع صلته بهم ويسيء إليهم؟

لقد ورد في الشريعة المقدّسة نصوص جمّة بخصوص صلة الرحم وأن يقدّم المسلم أقاربه في فعل الخير على نفسه، فهل أنت ممّن:

 أ. يقدّم أرحامه وأقاربه على نفسه؟

 ب. يؤخّر أرحامه وأقاربه بعد نفسه؟

 ج. لا شأن له بأرحامه؟

يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "الصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشر، وصلة الإخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربعة وعشرين"، فصلة الرحم أقواها وأعلاها، فهل أنت ممّن:

 أ. يَعي هذه المفاهيم ويتنافس في أدائها؟

 ب. يؤدّيها من دون وعيٍ لهذه المفاهيم؟

 ج. لا يؤدّيها ولا صلة له بهذه المفاهيم؟

لو كانت علاقتك قد ساءت بينك وبين أهل زوجتك لسبب ما، ومن حقّك على زوجتك أن لا تخرج هي من بيتك إلاّ بإذنك، فهل أنت ممّن:

 أ. يسمح لها بزيارة والديها وأهلها لتصل أرحامها وقت ما شاءت؟

ب. يسمح لها بزيارة والديها وأهلها لتصل أرحامها في يوم ووقت تحدّده لها؟

 ج. لا تسمح مطلقاً.

الرحم القريب نسباً كالوالد والأخ، يختلف عن الرحم البعيد كابن العم أو ابن الخال, كذلك الرحم الذي يسكن في مدينتك، يختلف عن الذي يسكن خارجها وهكذا، فإن الرحم القريب نسباً ومكاناً أولى بالصلة من البعيد, فهل أنت ممّن:

 أ. يراعي هذه الأولوية في صلة الأرحام؟

 ب. يراعي هذه الأولوية ويضيف لها الأقرب من نفسه لغرضٍ أو مصلحة بينهما؟

 ج. لا يراعي هذه الأولويات ولا شأن له بالموضوع؟

لكي تكون واصلاً لأرحامك لابدّ أن تزورهم بين الحين والآخر وتستضيفهم عندك في مناسبة أو بسواها وتفتقدهم وتسأل عنهم وعن أحوالهم وتسلّم عليهم حتى ولو عن طريق الهاتف، وتعود مرضاهم، وتشاركهم في أفراحهم بتهنئتهم ومواساتهم في أحزانهم بتعزيتهم, وتشيّع جنائزهم، وتجيب دعوتهم, وإذا دعوك فلا تتخلّف إلا لعذر، فهل أنت ممّن:

 أ. يفعل كلّ ذلك دائماً وزيادة؟

 ب. يفعل ذلك بين الحين والآخر؟

 ج. لا يفعل ذلك؟

يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): "ثلاث هنّ للكافر مثل ما هنّ للمسلم: مَن استشارك فانصح له، ومن ائتمنك على أمانة فأدّها إليه، ومن كان بينك وبينه رحم فصلها ..." (معدن الجواهر ص 38)، وسأل الجهم بن حميد: الإمام الصادق (عليه السلام): "تكون لي القرابة على غير أمري، ألَهُمْ عليَّ حقٌ؟ قال: نعم، حقّ الرحم لا يقطعه شيء، وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقان؛ حق الرحم وحق الإسلام" (أصول الكافي،ج2، ص157، ح30)، فلو كان لك رحمٌ لا يدين بدينك، أو ليس على شاكلتك الحزبية، أو غير ذلك من الفروقات الجوهرية، فهل أنت ممّن:

 أ. يواصل كلّ تلك الفئات ويحسن إليهم، عملاً وتطبيقاً للشرع الحنيف؟

 ب. لا يواصل بعضاً منهم ويواصل آخرين؟

 ج. لا يواصل أحداً البتة؟

إصلاح ذات البين بين الأرحام, فإذا علمت بفساد علاقة بعضهم ببعض، عليك أن تبادر بالإصلاح وتقريب وجهات النظر ومحاولة إعادة العلاقة بينهم، فهل أنت ممّن:

 أ. يبادر ويسعى ويهتمّ بهذا الأمر لإدراكه ضرورته؟

 ب. لا يبادر ولكنه يسعى ضمن المبادرين في ذلك؟

 ج. لا يهمّه الأمر سواءً ساءتْ أم استقامتْ العلاقات بين أرحامه؟

سئل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم): (أمِنَ العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه؟ فأجاب: لا ولكن من العصبيّة أن ينصر الرجل قومه على الظلم)، فإن حكم الشريعة مقدّم على صلة الرحم، فلو ارتكب قريب منك جرماً استحق عليه العقوبة، فهل أنت ممّن:

 أ. لا يتشفّع له ولا يدافع عنه ما دام مسيئاً؟

 ب. يتّخذ موقفاً محايداً لا له ولا عليه؟

 ج. لا شأن له بالموضوع؟

إذا كان لك رحمٌ يتعاطى بعض المحرّمات كأن يغتاب الآخرين عند حضورك أو يسمع الغناء أو يأكل الربا أو يشاهد أفلاماً إباحية أو غير ذلك من المحرّمات، فهل أنت ممّن:

 أ. يستمرّ في مواصلتهم لأجل إصلاح حالهم والضغط عليهم لترك ما هم عليه أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر؟

 ب. ينقطع عن مواصلتهم بما أنهم قائمون على المعاصي؟

 ج. لا يأبه للأمر، لا من قريب ولا من بعيد؟

 

النتيجة

وبعد هذه الرحلة القصيرة من الاختبار ننتقل لجمع حصادنا من النقاط لكي نرى حالنا ونتأمّل في مستوى تطبيقنا لهذا الواجب المقدّس:

أحسبْ لكلّ (أ) عشر نقاط ولكلّ (ب) سبع نقاط ولكلّ (ج) خمس نقاط، واجمع ما أشّرت عليه ممّا توافق مع حالتك.

فإذا بلغ مجموع نقاطك بين التسعين والمائة فأنت يا سيّدي بلا شكّ ممن يواصل الإحسان إلى الأقارب والأرحام، ويؤثرهم على نفسه، وهذه من صفات الواعين لمفاهيم الشرع الحنيف، والمدركين لضرورة خلق مجتمع متماسك متراصّ يهتمّ بصلة الأرحام، فهنيئاً لك سيدي لبلوغك هذه الدرجة العالية.

أما إذا كانت درجتك بين السبعين والخمسين فأنت على خطى الواصلين لأرحامهم، ولكنك تحتاج لمزيد من الاهتمام بالموضوع، وإدراك تفاصيله المهمّة وفوائده الجمّة، وعليك الاستماع لدروس الإيثار وقمع أهواء النفس الأمّارة بالسوء، والإعلاء لما فيها من همم الشهامة ومنازل الكرامة، والتعرّف على أركان الدين الحنيف من مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك.

أما إذا كانت الدرجة دون الخمسين ـ والعياذ بالله ـ فنحن نحتاج الى أن نبدأ من جديد بعد مسح شامل لكلّ رواسب التيه واللامبالاة والإقرار بأنّا خُلقنا لكي نبني ونتقدّم ونرقى ونتكامل ونصل الى السعادة في هذه السنوات المقدّرة لنا من حياتنا الدنيوية، فلزاماً علينا أن نتدرّج في التعلّم والكسب لمعارف الدين القويم والتي منها ما نحن بصدده.  

إنّ معظم الناس يجهلون فضل صلة الرحم وعاقبة قطيعتها، وذلك بسبب ضعف دينهم، وقليل اطلاعهم، ونزر اهتمامهم بمثل هذه المواضيع، وبالتالي يزهدون بالثواب الجزيل الذي يترتّب لمن يصل رحمه، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم): "ما من خطوة أحب إلى اللّه من خطوتين: خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في سبيل اللّه، وخطوة إلى ذي رحم قاطع" تأمّل عزيزي القارئ في كلمة قاطع، فكيف أنت بالرحم غير القاطع، وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم): "إنّ فى الجنة درجة لا يبلغها إلاّ إمام عادل، أو ذو رحم وصول، أو ذو عيال صبور"، فإنّ أكثر هذه الأحاديث وغيرها ممّا يرغّب في إيجاد التواصل بين النوع الإنساني.

تغيب عن أذهان عامة الناس القيمة الكبيرة لصلة الرحم, ولا يأبهون لما يترتّب على قاطعها من العقاب، فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يجيب رجلاً من خثعم حينما يسأله: "يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام؟ قال: الإيمان بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: صلة الرحم، قال: ثم ماذا؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: فقال الرجل فأخبرني: أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الشرك بالله، قال:ثم ماذا؟ قال:قطيعة الرحم، قال:ثم ماذا؟ قال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف"، فانظر الى مقام صلة الرحم كيف جعلها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد الإيمان، فلا نجعل في طريقنا الى مواصلة الأرحام عراقيل وعقبات من مثل الكِبَر استنكافاً عن زيارتهم، أو قطيعة ورثناها من آبائنا، أو تصوّرات خاطئة نتصوّرها إذا ذهبنا لزيارتهم، أو مشاغل الدنيا وضيق الوقت، فإنّ كلّ ذلك من أحابيل الشيطان ومكره.