ديموتاريخ الحسين (ع) في أقوال المستشرقين 1

الحلقة الأولى

اريد ان أعلن ان الديموتاريخ لا يحتاج الى قول هذا المستشرق او ذاك حينما يتصدى بالذكر للحقائق المتعالية من قبيل حقيقة الحسين أو حقيقة الجمال والادب وغيرها ...؛فحياة تلك الحقائق واستمرارها وديمومتها أقوى برهان على تعاليها؛ فهي كما يقول هيجل ناصعة في ماضيها وفي حاضرها، او هي فيما يقول ماركس مفهومة التأثير عبر الاجيال. فهي إذن لا تحتاج الى شهادة هذا المستشرق او ذاك المفكر لتحظى بالمصداقية العلمية او لتكون عنصراً من عناصر بناء مصداقية المعرفة، لكن مع كل ذلك هناك غرض منهجي من سرد بعض الاقوال في هذا الموضوع؛ وهو التأكيد مرة أخرى على ان قوانين الديموتاريخ هي مدار كل قراءة علمية ناضجة انتجها المفكرون في العالم مهما كان مشربهم، فحتى لو لم يتوصل المفكرون الى تلك القوانين بشكل منهجي واضح المعالم والحدود، الا ان ما اصطلح عليه بـ (الغريزة الديموتاريخية) أمر لا يمكن الشك في انه ضمير التاريخ والفكر والانسانية؛ فهذه الغريزة (ولك ان تقول الفطرة كما يسميها القرآن) لا يخلو منها إنسان عاقل، وهي بالتالي تلازم الانسان الواعي ملازمة الحياة؛ فبالنظر لذلك ولغيره سأسرد بعض اقوال المستشرقين ومفكري الغرب كيما يتجلى المقصود..

فمثلا قال عالم الآثار الانكليزي وليام لوفتس :

لقد قدّم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الانسانية وأرتفع بمأساته الى مستوى البطولة الفذة.

أقول: ومثل هذا الكلام صريح في ان المأساة علة لولادة البطولة الفذة في التاريخ، لكن مثل هذه الحقيقة لا تقرأها بدقة كل قوانين المنهج الآخر؛ فهلاك يزيد الاموي وموته بطريقة بشعة وكذلك نيرون الطاغية والاسكندر الكبير مأساة أيضا، وهي على قطيعة كاملة مع البطولة؛ فليس كل مأساة تنجب بطولة فذة حتى لو كانت طاغوتيّة؛ لذلك قوانين الديموتاريخ تحدث تقسيما منهجيا جديدا لمقول المأساة؛ فمأساة نيرون والاسكندر الكبير وهتلر ويزيد بن معاوية مأساة سوداء تتقزز منها الانسانية، كما هو معلن مبثوث في كتب الادب والتاريخ العالمية، في حين ان مثل مأساة الحسين ناصعة بيضاء. والمعيار القانوني هو الارتفاع بالمأساة الى مستوى البطولة الفذة كيما تعقد حلفا مع الخلود، كما فعل الحسين،  في ضوء قانون الديموحياة.

فما قاله الاستاذ وليام صحيح بدافع الغريزة الديموتاريخية،  بلا ان يفصل بين المقولات الضخمة من قبيل مقولة المأساة بشكل قانوني.

قال المستشرق الالماني ماربين: قدم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال اثبات مظلوميته وأحقيته، وادخل الاسلام والمسلمين الى سجل التاريخ ورفع صيتهما..؛ لقد اثبت هذا الجندي الباسل في العالم الاسلامي لجميع البشر ان الظلم والجور لا دوام لهما، وان صرح الظلم مهما بدا راسخا وهائلا في الظاهر  الا انه لا يعدو ان يكون ــ أمام الحق والحقيقة ـــ سوى ريشة في مهب الريح

أقول: قوله: لا دوام للظلم والجور، صريح في قانون الديموتاريخ النافي؛ أي النافي لاستحقاق أن تبقى الحقيقة اليزيدية المجرمة أو الاموية الطاغوتية الاستبدادية حية متصرفة في المجتمع والتاريخ، كما ان ذيل عبارته: وأن صرح الظلم مهما بدا راسخا وهائلا في الظاهر الا انه لا يعدو أن يكون ــ أمام الحق والحقيقة ــ سوى ريشة في مهب الريح. نص صريح في قانون الديموتضاد كما ان قوله : وأدخل الإسلام والمسلمين الى سجل التاريخ ورفع صيتهما صريح في قانون الديموحياة، مضافا الى انه صريح في أن الحسين تشكيل متعال لحقيقة الرسالة المحمدية ولحقيقة دين الإسلام الحنيف.

وقال المفكر المسيحي انطوان بارا:

لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبراً ولدعونا الناس الى المسيحية بإسم الحسين

أقول: يريد ان يقول الاستاذ انطوان بارا أن الحقيقة الحسينية ضرورة إنسانية تضفي على الانسانية والتاريخ الديمومة والاستمرار والتنامي ؛ إذ لو كان الحسين مسيحياً لتنامت به وقويت حتى المسيحوية؛ فليلتفت المسلمون إذن!

قال المستشرق الانكليزي ادوارد براون:

وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها.  أقول: يسبح الاستاذ براون في محيط قوانين الديموتاريخ المثبتة؛ فكأنه يريد أن يقول: إن كل ما يبقى تأثيره خالداً مستمراً في التاريخ، كغشيان الحزن لقلب من يسمع حديثا عن كربلاء بعد تلك المدة المديدة، ثلاثة عشر قرنا(الديمويقين) لابد وأن يكون قد استظل بمظلة طهارة الروح، وكما عرفنا فإن طهارة الروح أمر تخضع له الانسانية بإرادة وبغير إرادة  وهو إيجاز مفيد لقانون الديموحياة.

قال الهندوسي تاملاس توندون:

هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر

البشري، وخليق بهذه الذكرى ان تبقى الى الابد وتذكر على الدوام.

أقول: أشرنا سابقاًــ وسنشير لاحقاً أيضاً ــ الى ان هناك صراعاً بين الحقائق وبين نفاياتها، وأن مآل النفايات هو الموت، ومآل الحقائق الحياة والبقاء، وهذا هو منطلق قوانين الديموتاريخ حينما يتحدث عن ارتفاع مستوى الفكر البشري ووعيه؛ فما يريد قوله تاملاس بالنظر لذلك هو أن مثل الحقيقة الحسينية على صراع دائم مع نفايات المعرفة، لكنها هي المنتصرة على الدوام، والنفايات هي الخاسرة على الدوام وفي كل حال.

المصدر: ديموتاريخ الرسول المصطفى (ص) والحسين (ع) لباسم الحلي

إعداد: فضل الشريفي