حب أهل البيت (عليهم السلام) بين العقل والعاطفة

 

 نحن أتباع أهل البيت(عليهم السلام) فتحنا أعيننا على الحب الفطري لهم وشربت حلومنا الاعتقاد بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهذه لاشك نعمة جاد علينا بها الخالق فطوع أهلينا للقيام بأدائها وإيصالها إلينا. وبهذا الصدد يقول الشاعر:

                             لا عذب الله أمي إنها شربـــت          من خير ثدي حبــــــــــاه الله بالمنن
                             وأرضعتني بأيمان على ثقـــة           حب الوصي وغذتنيـــــــــــه باللبن
                             وكان لي والد يهوى أبا حسن             فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن

 

 ومن اجل اكتمال تلك النعمة، وصقلها والسير في الوجهة التي أرادها الله تعالى لنا صار من الضروري أن نطلع على سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الميامين عليهم السلام والتابعين المخلصين لهم رضوان الله تعالى عنهم و نتحقق من الكيفية التي أرادوا من أتباعهم أن يكونوا عليها.

ولإعطاء الموضوع قسطا من الأهمية التي يستحقها، لابد من تناول النقاط الثلاث التالية-من بين عدة نقاط أخرى-:

1. القدوة الحسنة: إذ نقرأ عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه يقول: كونوا  دعاة لنا صامتين. وقد سئل كيف يكون الداعي صامتا، قال أن يكون عملكم هو الدليل على كونكم من شيعتنا. كما انه(عليه السلام) قال: اقتدوا بأئمتكم في التعامل مع الناس، كي يقول من يراكم: رحم الله جعفر بن محمد، كم هذب أتباعه، وسئل احد الصالحين لو انه أراد أن يجد الناس على حقيقتهم، فهل يذهب إلى المسجد؟. فقال ذلك الصالح للسائل: بل اذهب إلى السوق، والقصد من وراء ذلك هو أن الناس إنما يظهرون على حقيقتهم ليس من خلال كثرة العبادة وطول السجود، بل إن الناس يظهرون على حقيقتهم من خلال تعاملهم مع الآخرين، وخير ما يتجلى ذلك في السوق، وفي هذا يقول الإمام الحسين (عليه السلام)، لا يغرنكم طول ركوع الرجل وطول سجوده...... ولكن اختبروه عند أداء الأمانة وصدق الحديث. وهذا مصداق قول الشاعر:

                                 إذا غاب أصل المرء فاستقرِ فعله    فان دليل الفعل ينبو عن الأصل

2. المغالطات وسوء الفهم: هنالك الكثير بين ظهرانينا ممن يفسر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال أهل البيت (عليهم السلام) على هواه، وبما يعود عليه بالنفع. فمثلا القول أن من صام أو حج أو قام بفعل معين مما أوجبه الله عليه، يُغفر له من ذنوبه ما تقدم وما تأخر، فيفسره أولئك على أن غفران الذنب يشمل ما سبق وما يأتي!!. وهو لا شك ليس المقصود في الحديث، إنما المقصود هو ما سبق من الذنوب، أي المتقدم منها: أي الذنب الذي كان في بداية الحياة، مثلا- وما تأخر: أي الذنب السابق أيضا-الذي حدث فيما بعد الذب الأول، أو الذب الذي وقع من العبد من وقت قريب على ساعة المغفرة، وبهذا فان كليهما (أي ما تقدم وما تأخر) يعودان لنفس المرحلة وهي مرحلة الماضي، ولا تشمل مرحلة المستقبل بشكل من الأشكال.

3. الفرق بين الواجب والمستحب: ينصرف ذهن البسطاء منا- والكثير ممن يتخذون الدين لباسا وغطاءً- إلى أن ما نؤديه من أعمال مستحبة كالكرم الضيف وزيارة الأئمة وإكرام زائريهم وما إلى ذلك هو أفضل ما يرضي الله عنا، وهو يعوض عن القيام بما هو واجب من قبيل الصلاة اليومية ودفع الخمس والزكاة وما إليها.

ومما لا شك فيه أن أعمالا من هذا القبيل هي من المستحبات المندوبة ولها شأنها وكرامتها وثوابها العظيم عند الله تعالى، لكنها لا ترقى إلى مستوى الواجبات ولا تعوض عنها، كما أنها-أي المستحبات-لا تُقبل دون رصيد من الواجبات، حتى أننا بتنا نجد من يخصص من أمواله ما يقيم به الولائم لما فيها من أبهة ودنيوية، وهم يعتبرون ذلك مما يطهر أموالهم ويزكيها وخاصة في رمضان مثلا بينما يقوم في وقت الأزمات باستغلال الناس ورفع أسعار البضائع، ثم أنهم يقومون بأعمال مستحبة من قبيل تقديم الخدمات للزائرين في مواسم الزيارات، ظنا منهم أن الأخيرة أهم من الأولى وأنها تمحو آثارها وعواقبها، أو أنها تكفّر عن التقصير في الواجبات.

      

وهذا الأمر يناقض تماما ما أوصانا به الله تعالى في كتابه على لسان نبيه المصطفى(ص وفي سيرته وسير أئمتنا الطاهرين( عليهم السلام)، ولا شك أن تجلية الأمر هي من ضمن واجبات القائمين على الدين من محدثين وكتاب ومحاضرين مرشدين وموجهين وقراء وطلبة حوزة ومثقفين متدينين وغيرهم.

             

 وفيما يخص بكاءنا وتأسينا لأهل البيت، نتساءل: ما الفرق بين أن نستمع إلى قصة مأساوية أو نشاهد فلما تراجيديا، فنذرف الدموع على ما فيهما من أسى وبين التأسي والاعتبار بالمآسي التي لاقاها أهل بيت النبوة على أيدي الوثنيين الجدد، رغم أن ما أراده الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من أن يكون جزاء تبليغه الرسالة المودة في القربى؟ فالنبي وآله الصالحون لم يطلبوا منا البكاء على مآسيهم دون اخذ العبرة والاعتبار من تلك المآسي بل ومجمل سيرتهم عليهم السلام، فأول ما طلبوا ويطلبون منا هو أن نسير على هديهم الذي خطه لهم الله تبارك وتعالى وساروا عليه خير مسير، ويأتي التأسي على ما لاقوه من ظلم وجور لاحقا، وبذا نكسب الأمرين معا: رضا الله تعالى ورضا رسوله وأهل بيته(صلوات الله تعالى وسلامه عليهم).

                                                            د.حميد حسون بجية