هل أتاك حديث الكرب ورفيقه؟

 إلتقى الكرب بالبلاء ذات محرّم فسأل الأوّل الثاني: إلى أين تقصد؟
قال إلى أرض من ناحية نينوى فإني مأمور إلى هناك. فأجاب البلاء: وأنا بذلك أمرت! ولم يكونا من قبل قد ترافقا إلّا قليلا ما.
قال الكرب: لولا أني أعلم أن النبوّة قد ختمت لجزمت أن صاحبنا نبيّ، فإنّنا ما التقينا إلا على نبيّ مرسل أو وليّ مقرّب، فما ترى يا صاح؟
قال البلاء: إعلم يا صاحبي أنني أكثر منك تجوالا بين صفوف المؤمنين، وأنني ما رجفت يوما كرجفتي في يومي هذا ولولا أنني أُمرت ما تحرّكت ولقد وددت أنّني لم أخلق.
فترافقا حتى إذا أتيا أرض الطّفوف جنب الفرات قال الكرب: الحمدلله أن ثمّة ماء فإنّه مخفّف للكروبات مبلسم لشيء من جروحات الأكباد المتفطّرة.
فقال البلاء: ما أظنّ يا صاحبي أنّ ذلك كائن، فإنّ الحسين يقتل عطشانا، ويلقى بالعراء ومعه الشهداء من أهل بيته وأصحابه فإنّه مصيبهم مما يصيب الحسين، فمن لم يقتل منهم لقي أسرا وضيما بعده لم يلقاه أحد من الأولين، ولا أظنّه كائنا في الآخرين من المؤمنين. قال الكرب: إني لا أعجب ممّا يصيب الحسين فإنه لم يؤذى نبيّ كما أوذي جده وإنه من جدّه وجدّه منه فلا بدّ أن الأذيّة فيه أكثر مما في غيره من العترة. ولا بد أنه لا يوم كيومه. ولكنني عجبت للأصحاب مما خلقهم، ومما جبلت طينتهم.
قال البلاء: إنّهم يا صاحبي من فاضل طينة أهل البيت لو قد علمت وإنّي لمصيبهم حتى يكونوا مع الحسين في جنّته.
قال الكرب: أسمعت بالكرب العظيم الذي نجّى الله منه نوحا وأهله؟ فإنني الكرب الأعظم، وإنّني لا أنبغي إلّا لسيّد شباب أهل الجنّة. وأنشآ يقولان:
هذه الأرض أرض كرب وبلاء * فيها آل بيت أحمد شهداء
يقتل ثاني السّبطين فيها ضاميا * وتُخضّبُ أوصاله بالدماء
ثم يُسبى الآل وفيهم إمامان * ويُساقوا عند أنجس الأشقياء
وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل في الشدّة والرّخاء.
د. علي المحجوب