المرأة.. وجدليّة حقوقها

أنطوان شاربنتيي/ كاتب فرنسي

تواجه المرأة على المستوى العالمي تحديات في عدة مجالات، ويشغل موضوعها في الغرب وفي الشرق كثير من الباحثين والمؤسسات الحكومية والمدنية، فضلاً عن المؤسسات الدينية.

الجميع يبحثون في حقوق المرأة ويسلطون الضوء على ما يمكن وما لا يمكن، وكأن هذه الأخيرة تلد منقوصة الحقوق، ويجب العمل لبناء أطر مختلفة ومتعددة لتحقيق حقوقها، بينما الأمور المطروحة من حقوق وحرية وكرامة للمرأة هي من المسلمّات والبديهيات الموجودة في كافة الأديان، وأغلب الدساتير حول العالم، ولكن التكلّم بحقوق المرأة هو برهان واضح على أن عدد كبير من المجتمعات ما زالت تحت سيطرة السلطة الذكورية، وعدم المساواة، التي ما زالت تحكم العالم شرقاً وغرباً.

يجب التنويه قبل أي مقارنة بين الشرق والغرب في موضوع المرأة، بأن المجتمعات الغربية قبلت بخروج المرأة من المنزل للعمل أولاً من أجل أهداف اقتصادية وليس فقط من منطلق المساواة مع الرجل، إذ أن الخروج من المنزل هو استغلال اقتصادي للمرأة على حساب بُنية العائلة، والذي هو أحد أسباب انهيار المجتمعات الغربية.

من جانب آخر، فإن المقارنة بين المرأة العربية والمرأة الغربية ليست مسألة موضوعية لأن العادات والتقاليد مختلفة تماماً، وهي-المقارنة- في بعض الأحيان تعبّر عن عدم احترام خصوصيات المجتمعات العربية، من خلال محاولات فرض عادات وتقاليد الغرب على المرأة الشرقية والعربية، وتعبّر في أحيان أخرى عن استعمار فكري تحت ذريعة حقوق وحرية المرأة، فإذا رفضنا المقارنة فهذا لا يعني أننا لا نريد إعطاء النساء العربيات حقوقهن، وحريتهن، ولا يعني أننا لا نحبهن ولا نحترمهن، فالمرأة العربية لها دور أساسي في بناء مجتمعاتها، بمعنى أن عدم احترام وتطبيق معايير الغرب ليس نقصان بحقوق المرأة العربية.

المرأة الغربية بطبيعة الحال حاصلة على الحقوق، لكن احترام كرامتها ما زال ضعيفاً، وأحد البراهين هو موضوع التحرش الجنسي والعنف المتنوع تجاهها، الذي أخذ طابعاً متصاعداً وأصبح يشغل المجتمعات الغربية والأوروبية بأعلى المستويات السياسية والحكومية.

والحال نفسها في بعض المجتمعات العربية، لكن قد تكون المرأة العربية غير حاصلة على كل حقوقها وهذا لا يمنع أن تكون شريكاً فعلياً وأساساً لبناء الأسرة.

المرأة العربية تشارك فعلياً منذ فترة ليست قصيرة في كافة مجالات الحياة السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، لكنها تواجه تحديات في الفترة الأخيرة إبان ما يسمى بالربيع العربي وإفرازات الثورات وظروف عدم الاستقرار والاضطرابات والحروب التي ما زالت قائمة منذ ٢٠١١ في دول عربية كسوريا، العراق، اليمن، لبنان و فلسطين، ومن هنا أصبحت على عاتقها مسؤولية كبيرة في إعادة إعمار الإنسان العربي، من خلال دورها كأم ومربّية ومُعيلة في حال عدم وجود الأب، خصوصا عندما نرى أن عدد كبير من الرجال توفوا أو أصيبوا بالجراح والإعاقات.

قد تتغير ظروف وحالة المرأة العربية في ظل الحروب وما بعدها، ولا نستطيع أن نعرف إن كانت ظروفها ستتحسن أو تتراجع، وهل ستصل إلى مستوى المرأة الغربية في مجال الحقوق والحرية، لكن الأكيد هو أن المجتمعات العربية لا تستطيع التخلي عن دور المرأة الأم، المربّية، العامِلة في عدة مجالات والمشارِكة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

بصورة عامة، يجب أن تهتم المجتمعات العربية أكثر وأكثر في تعليم وتثقيف المرأة خصوصاً بعد موجة ما يسمى بالربيع العربي والحروب التي قامت من بعدها، و من مقولة الجهل يجر الجهل والثقافة تجر الثقافة، على مجتمعنا العربية الاهتمام بتربية المرأة الإنسانية، الأخلاقية والدينية على غرار الرجل، وتعليمها لأجل مستقبل أفضل. 

المجتمعات الغربية قطعت أشواطاً كبيرة في هذه المجال، ونراها اليوم في أعلى المستويات، لكن يجب تفادي أن تصبح المرأة سلعة بيد المجتمع وعبودية باسم الديمقراطية أو لخدمة الليبرالية وما شاكل.

الحوار حول الحقوق هو الأساس السليم، ولكن يترتب على المرأة الأخذ بعين الاعتبار واقع المجتمع التي تعيش فيه، ومعه واقع أسرتها وأن لا تكون مطالبتها بالحقوق والحرية موجهة ضد الأسرة، من إنجاب الأولاد وتربيتهم، كما هو الحال في بعض الأحيان في الغرب.

فحقوق المرأة وحريتها لا تتعارض مع القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، كما هو الحال للرجل، وغير ذلك تصبح الأشياء شواذ ومن المنطقي تصحيحها بطريقة أو بأخرى.