ذكر علي (عليه السلام) في القرآن

غيث شبر
القرآن الكريم محط ركاب القوم والملاذ عند الاختلاف , والقرآن الكريم كم ذكر من الامور الصغيرة والكبيرة, ومن هنا دأب اعداء أهل البيت يشنعون على قولنا بولاية علي عليه السلام لأمرة المؤمنين من أنه لو كان حقا لذكره الله تعالى في كتابه الكريم مع أنه ذكر زيدا وغيره فيه ..
لكن لا يخفى على القارئ المنصف هذه المتلازمة الذكرية المدعاة في القرآن الكريم من قبل السائل من الامور المثيرة للسخرية فعلا, وهي  لا تصدر عمن له علم بالاديان .
فهل يجوز ان نقول ان ( البقرة ) و(الكلب) اهم من كيفية أداء الصلاة ؟ فالقران ذكر البقرة و ذكر الكلب ولم يذكر كيف نصلي, ولم يذكر ما نقول عند الركوع, بل لم يذكر حتى اسماء الصحابة كابي بكر و عمر وعثمان, بينما تراه ذكر (ابا لهب) و ( ازر ) و (فرعون) .
فمناط الذكر ليس مؤشرا على مقدار الاهمية, بل المناط هو (احتياج الحال الى المقال) وهو الاس الاول من اسس البلاغة, واحتياج ذكر التفاصيل في قضية زيد هو سبب الذكر, فانه كان يجب الايضاح فيها في القرآن بشكل مفصل لانه امر احرج النبي صلى الله عليه واله, فبعد ان كان تحريم زوجة الربيب  على  المتبني من الامور الشائعة والمتسالم عليها, اراد الله -عزّ وجلّ- ان يبين ذلك الامر بقوة, فأمر النبي (صلى الله عليه واله) بالزواج من زينب بنت جحش  بعد ان يطلقها زيد ربيب الرسول (صلى الله عليه واله), وهذا امر فيه ما فيه من التشكيك و الاحراج لمقام النبي (صلى الله عليه واله) , ولكنه في نفس الوقت هو السبيل الوحيد للخروج من دائرة الحرمة العرفية, وكسر ذلك الحاجز العرفي في التحريم وعلى يد صاحب الدعوة فكان لزاما بلاغيا في لغة القران ان يوضح ذلك الامر تفصيلا.
  بقي امر وهو ؛ ِلم لمْ يذكر في كتاب الله ان عليا عليه السلام هو الخليفة من بعد النبي؟  اذ به سينتهي  الخلاف وسيكون  كل شيء متفقا عليه .
وهنا ثلاثة امور تجيب عن هذا التساؤل :
1. أن التمييز سنة الهية تضمن العدالة .
2. أن الذكر لا يحقق الاتفاق .
3. أن الذكر يحقق مقتضى التحريف.
و لتوضيح الحال في هذه الامور نقول:
الحكمة الاولى : ان التمييز كمفهوم قراني من المفاهيم التي ركز عليها المشرع كثيرا, فقال سبحانه وتعالى (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)( ), وقال في سورة الأنفال (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)( ),  و التمييز هو نقيض المساواة, وان كان المتبادر عند الكثير ان المساواة اساس العدالة بل هي العدالة, لكن هذا الامر خطأ فادح, فالحكم بالتعادل بين فريقين بالغاء اهداف الفريق الاول لاجل احلال العدالة بالمساواة ظلم لاحد الطرفين, وكذا اعطاء حقوق متساوية لفردين اديا واجبات متفاونة ظلم, اذ الظلم ليس الا الخطأ في قيم المتغيرات و العدالة وصحة الجواب يقتضيان التمييز في تلك القيم.
وهذا دأب البشر, بل هي سنة كونية لا يمكن تغييرها, فالطالب الذي يؤدي ما عليه و يمتلك مقومات عقلية افضل يحضى بفرصة افضل, و الرياضي الذي اجهد نفسه بالتدريب بالظرف المناسب وامتلك مؤهلات جسدية افضل تكون فرصه بالفوز بالذهبية اعلى, فالتمييز بين المراتب واعطاء الميداليات المختلفة هو العدالة,  اما ان نعطي جميع طلاب الصف درجة متساوية فهو الظلم بعينه, وان نعطي جميع اللاعبين الميداليات الذهبية فهو ايضا من عدم العدالة.
فالعدالة تركز على التمييز, والتمييز انما يحصل بوجود متعلق خاص به في العمل والجزاء, ففي العمل لابد ان يكون متعلق التمييز هو الكاشف عن الاكفأ والافضل, فمثلا الامتحان في المدرسة يقدم نحو من الكاشفية في مستوى الطالب وكذا مسابقة 100 متر تقدم كاشفية للرياضي  الافضل, فالامتحان المدرسي هو افضل مثال للامتحان الالهي, فلو وضعت الاسئلة التي يستطيع الكل الاجابة عليها نكون تلقائيا قد جردنا الامتحان من غرضه الرئيسي وهو الكاشفية, فانه لن يكون كاشفا عن المستويات التي نريد الكشف عنها, ونكون ايضا قد ظلمنا الطالب المتفوق بعدم تمييزه, ولذا فان بعضا من الاسئلة يكون مقدار صعوبتها هو المميز لمستويات التفوق ليقدم لنا الامتحان غرضه وهو الكاشفية عن تفاوت المستويات ولتتحقق العدالة في الحكم على كل طرف بما يستحقه, و الامامة و غيرها من الامور التي لم تذكر باشكال  بديهية في القران هي مناط التمييز الالهي, ولو ذكر الله علي ولم يُحرَفَ القران  ولم يختلف عليه المسلمين لم يكن حينذاك محل للتمييز, وصعوبة في الامتحان, بل سيكون كل الامتحان من الامور البديهية التي لا تحتاج الى بذل جهد لكسبها, هذه هي الحكمة الاولى المفترضة في الجواب وهي حكمة التمييز, المنصوصة في القرآن الكريم.
الحكمة الثانية : بشّر كل نبي بالنبي الذي بعده فقد بشر انبياء بني اسرائيل بقدوم عيسى عليه السلام وكان بنو اسرائيل يترقبون اليوم الذي يأتيهم فيه عيسى لكن ما الذي حصل ؟ هل امنوا به ؟  الغريب في الامر ان عيسى استوفي ولم يكن يؤمن به الا العشرات او اقل من ذلك.
وكذا بشر عيسى عليه السلام بالنبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسماه باسمه في الانجيل, وبعد ان كثر اتباع عيسى عليه السلام على مدى اكثر من خمسمئة عام, وظلوا ينتظرون قدوم المسمى احمد في العهد الجديد والقديم و المسمى ( محمد ) في مواضع عديدة من انجيل برنابا  , ما الذي حصل ؟ هل امنوا به ؟
ونفس الحال وقع عند المسلمين, فحينما يقف الرسول في حجة الوداع في يوم الغدير, وعلى مرأى من كل المسلمين من الحجاج في ذلك العام وينصب خليفة من بعده ابن عمه علي لكن ما الذي حصل ؟ هل امن كل هؤلاء ام انهم انقلبوا على اعقابهم بعد وفاته صلى الله عليه واله وسلم (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ).
فالذكر على ما تبين مع انه لا يحقق حكمة التمييز فانه لا يحقق ايضا مصلحة الاتفاق, والتي هي ملخص غاية دعوى المدعي المتسائل وبانتفائها ينتفي اس السؤال.
الحكمة الثالثة : ان الله أبى ان يجري الامور الا على اسبابها, ولذلك فانه جل وعلا خلق قانون السببية وجرى عليه كل السنن التكوينية و التشريعية.
ثم انه جل وعلا وعد انه سيحفظ كتابة من التحريف و التزييف فقال عز من قائل (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وهذا الوعد قائم الى يومنا هذا, و السبب الذي جعله الله تعالى مقتضيا للحفظ, هو الغاء مسببات التحريف, فالاناجيل التي ذكرت النبي صلى الله عليه واله وسلم بالاسم صريحا حُرفت ومسح منها الاسم, وحتى انجيل برنابا الذي وصل سالما بعد ان تسربت نسخة منه من مكتبة الفاتيكان قبل عدة قرون, فانه وان سلم من التحريف لكنهم نسبوا اليه التحريف وانكروه وحرموا طباعته ولم يعترفوا بشرعيته.
فالتصريح بمسالة الامامة في القران بالشكل العلني يخلق الدواعي القوية للتحريف كما فعل اسلافهم من قبل, وكما حرفت السنة النبوية ومنعوا من كتابتها لعقود من الزمن باعذار واهية مترهلة.
فالامامة هي محط ركاب النزاعات الدنيوية التي يتصارع لاجلها اهل الباطل الذين يسعون لها بكل الوسائل وليت شعري انها لو ذكرت لما وجدت اتفاقا بين المسلمين على كتابهم الكريم.
فالحكمة الثالثة هي حفظ المعجز من دواعي التحريف، وبهذا فان ذكر تلك القضية لا يحقق مصلحة الاتفاق المدعاة, ويحقق داع من اهم دواعي التحريف, ويمنع من حكمة التمييز, فكان من الطبيعي جدا عدم ذكره بشكل صريح في القران الكريم.
================== 
المصدر: مجلة الروضة الحسينية/ العدد 61