الشباب وضعف السلطات التربوية

استطلاع: حنان الزيرجاوي

كيف ضعفت القدوات المجتمعية في عيون أبنائنا؟ وكيف انحسر دور السلطات التربوية والقيميّة من معلّم وأب وأسرة ورموز مجتمعية..؟

تساؤلات عدّة يجيب عنها مجموعة من المثقفين حول أسباب ذلك الضعف.. وحلول الًلا إنقياد والفوضى في محاكاة المثُل العليا محل المنهج الموروث الناصع، الذي كان مبنياً على الأخذ بنصائح وآراء أعلامنا وقياديي المجتمع من معلمين ووالدين ورموز تربوية وأخلاقية.

التغييب المتعمد لأثر الأسوة الحسنة

أ.م.د. حسن عبيد المعموري، تدريسي في كلية العلوم الإسلامية بجامعة بابل، يرى ان ضعف السلطة التربوية من أهم التحديات التي يواجهها الفرد والأسرة والمجتمع في وقتنا الحاضر، لأن صلاح هذه الأركان يستند كثيرًا على مبدأ الأسوة الحسنة الذي دعا إليه القرآن الكريم، لأن الإنسان يحتاج أن يجد من يحذو حذوه، ويسير على منهجه، ولذلك بعث الله تعالى الأنبياء، واختار الأئمة الصلحاء، ليكونوا مناراً لغيرهم، وسبيلاً مهيأً يسلكه الآخرون بهُداهم.

تأسيساً على ذلك، نقول: إن التغييب المتعمد لأثر الأسوة الحسنة، والتعميه الإعلامية عليها دفع الكثيرين إلى اتخاذ السيئين أسوة وقدوة، ويأتي ذلك ضمن عمل ممنهج ساعد عليه كثيراً الانفتاح الكبير في السوشيال ميديا، فثمة أيادٍ خفية خبيثة، تعمل على صنع بديل للأسوة الحسنة، بشتى وسائل الترويج والتلميع والتسويق، ليجد الشباب المتطلع - ولا سيما في مرحلة المراهقة - في هذه النماذج مداً روحياً تتطلبه هذه المرحلة، وعن طريق هذا البديل تُبَثُّ لهم الأفكار والرؤى التي تزيد من الهُوة يوماً بعد يوم بين الشاب والأسوة الحقيقية الحسنة، وصولاً إلى كره هذه الأسوة والتشكيك بمن جعلها أسوة انتهاءاً بالوقوع في وحل الإلحاد.

هذه المعطياتُ كان نتاجُها أن يضعفَ الإيمان بمبدأ الأسوة الحسنة، ويستتبعه ضعف قيمي عند الشباب يجعلهم لا يطمئنون إلى كل مَن يمارس هذا الدور سواء أكان على صعيد الأسرة أم المؤسسة أم المجتمع، ويشككون فيه، ويحتملون أنه ينطلق من أغراض شخصية ومنافع خاصة، سواء أكان هذا الاحتمال والتشكيك صحيحا أم وهما لا وجود له.

العيش بعالم افتراضي بعيد عن القيم والمبادئ الاسلامية

أ.د. سعيد غني الدراجي، أكد انه" يمكن القول بأن  صراع الثقافات قديما وحديثا، بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي من جهة وبين المعسكر الغربي والإسلامي من جهة اخرى، انتج لنا هجمات فكرية منحرفة في القرون الماضية وهجمات الكترونية ورقمية تتناغم وعقول فئة الشباب والاطفال في العصر الحديث والتي اجتاحت العالم ككل والتي سيطرت بشكل كبير على عقولهم، ولعدم وجود الضوابط الحكومية والتوجيه الثقافي الهادف بفلترة وتقنين صفحات الانترنت، يمكن القول ان الطفل انعزل بشكل خطير عن مجتمعه الذي يعيش فيه بما يقدم له من ثقافات المجتمعات الأخرى والافكار السلبية من ميوعة وانحلال وتبرج فاضح وعادات غير منضبطة، بعيدة عن الدين والعرف والقيم الاصيلة التي حث عليها ديننا الحنيف، من خلال العيش مع الاجهزة الالكترونية والبرمجيات وفق الحاسوب والنقال واجهزة التابلت والايباد وغيرها من الاجهزة الحديثة، وكذلك المواقع العالمية عبر محطات فضائية موجهة توجيها سلبيا، والتي تعد العامل الاول في انحراف الشباب والاطفال وابتعادهم عن التوجيه الحقيقي للاب والام والاسرة والمنظومة الدينية والتي أسقطت القدوة في نظرهم،  فيشبّ على قيم غير القيم، وآداب غير الآداب، ويجد نفسه يعيش بعالم افتراضي بعيد عن القيم والمبادئ الاسلامية، أي انه يعيش في مجتمعه جسداً بلا عقل، لذا نجد انتشارا واسعا، لظواهر ومشكلات غريبة على مجتمعاتنا  من انتشار الانتحار والشذوذ الجنسي وعقوق الوالدين والالحاد وضرب القيم الدينية والقدوة الصالحة والابتعاد عن العادات الاسلامية والعرفية  .

الغياب شبه التام لدور المؤسسات التعليمية والاعلامية

عبد اللطيف الشميساوي، استاذ تربوي، بيّن" ان الحياة بُنيت على أسس وقواعد ثابتة، ومتى ما تعرضت هذه الأسس والقواعد إلى هزات أو عواصف اخلاقية أو قيمية او دينية منحرفة تكون نتيجتها انقلاب المثل الاخلاقية وتتشوه المفاهيم الحقة, والإنسان الذي هو السبب الرئيسي لخلق هذه الدنيا يأتي وهو نقي يغترف منها ما يجده أمامه وكما ورد في الاحاديث الشريفة ما مضمونه ( كل مولود يولد على الفطرة) هذه الفطرة السليمة التي يعبر عنها الله تبارك وتعالى بقوله: (فطرة الله التي فطر الناس عليها), ولعل من اهم الاسباب التي اوصلت شبابنا إلى هذا الوضع المزري وانسلاخ اكثرهم عن موروثنا وقيمنا واخلاقنا وديننا يمكن ان نوجزها بما يلي :

١.الغياب شبه التام لدور المؤسسات التعليمية والإعلامية في اداء مهامها وتوجيه الشباب الوجهة الصحيحة وتركهم فريسة سهلة للإعلام الموجه من الاعداء .

٢.التقصير التام والمنعدم من قبل السلطات الحكومية في السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي وفتح الباب على مصراعيه لبث السموم داخل فكر الشباب .

٣.النظام التربوي العقيم والمتهالك وكأن هناك أيادي خفية مهمتها ان ينهار التعليم من خلال القضاء على شخصية المعلم وطبع المناهج التي تفتقر الى ما يبني شخصية الطفل والشباب بالمثل والاخلاق والدين .

٤.التفكك الاسري وانشغال الأبوين وترك الشباب بدون توجيه او مراقبة .

٥.اكل المال الحرام وآثاره الكارثية على بناء الإنسان بعد تفشي الرشوة والربا والسرقة والغش .

الاستعمار الالكتروني

كوكب رشيد عبيد، مرشدة  تربوية، ترى" ان هذا الموضوع بات يؤرّق كافة المتصدين للعملية التربوية من آباء ومعلمين ورجال دين وقضاة ومحامين وغيرهم.

وتضيف" من وجهة نظري المتواضعة أن هناك معاول لم تعد متخفية بثوب البراءة في تهديم البنى التحتية الأخلاقية للمجتمع وأقصد هنا الاستعمار الالكتروني الحديث الذي لم يعد بحاجة لاستخدام المدافع والدبابات (الأسلحة الثقيلة) في تسقيط المجتمعات ونهب خيراتها وإنما لجأت إلى الطرق الإلكترونية (الحرب الفكرية) في ضعف المجتمعات ومن هذه المجتمعات المجتمع العربي الإسلامي، وذلك من خلال تسقيط القدوات المجتمعية المتمثلة بأطراف المجتمع الرئيسية والمتمثلة (برجل الدين ثم المعلم ثم الأم) فإن هذه القدوات اذا تمكّن العدو من اسقاطها فإن المجتمع يسقط تلقائياً بدون أدنى تعب وعناء فالمسألة تشبه الديناميت الذي يوضع في زوايا البناء الشاهق فلا نحتاج إلى معاول لإسقاطه يكفي فقط إسقاط هذه الركائز لينهار باقي البناء بكل سهولة.

غزو ثقافي وإعلامي وحرب ناعمة

أ.د. عبد الرضا البهادلي، أكد وجود" أسباب كثيرة خلف ذلك ابتداء بالأسرة وعدم وجود منهج تربوي إلى عدم اختيار الزوجة الصالحة أو الزوج الصالح إلى عدم وجود المنهج الديني الصحيح في المدارس والجامعات إلى عدم وجود الإدارة الأمينة في المدارس والجامعات إلى عدم اخذ طلاب العلوم الدينية دورهم وعدم تعاونهم في النهوض بالمجتمع... هذا كله مع غزو ثقافي وإعلامي وحرب ناعمة من قبل أمريكا وإسرائيل والغرب في القضاء على قيمنا وأخلاقنا... بالإضافة إلى الاستخدام السيئ لعالم الإنترنت.. لذلك نحن بحاجة إلى ثورة كبرى على النفس من أجل الرجوع وهذا يتم إذا أدركنا الخطر.

استغراق المجتمع في عالم الانترنت

الاعلامي حسين فرحان،  قال" الملاحظ أن بوادر الضعف قد بانت وأن السكوت والتغافل عن معالجات سريعة ومناسبة سيفاقم الوضع ويمنحه صفة (الضعف) بما تحمله الكلمة من معنى.

أما العوامل المساعدة على تفاقم هذا الامر فهي متعددة ومنها استغراق المجتمع في عالم الانترنت بما يقدمه من مواد عبر مواقعه وقد خلقت حالة من التباعد الأسري، وحققت حالة من الإشباع في تلقي المعلومات وإن كانت هدامة، فصارت بالمقارنة مع ما يمنحه الآباء من أسس تربوية تشكل رقما كبيرا يصعب التعامل معه، وهذا الأمر ينطبق على المادة العلمية التي تقدمها المدرسة والتي تفتقد إلى عناصر التشويق والإثارة التي تقدمها المواقع الألكترونية، كل هذا أفقد الأبناء والطلبة الرغبة في الإنصات بشكل جاد لعالمهم الواقعي الذي يضم الأب والمعلم.

يضيف فرحان" هناك سبب آخر لظهور بوادر الضعف، والذي عبّرتم عنه باللاإنقياد والفوضى هو المتغيرات السياسية والاقتصادية المتسارعة، والتأثّر باللامبالاة التي تكتنف الأداء الحكومي الذي يفترض به أن يقدّم لهذه الأجيال ما يغنيها عن الانقياد وراء العوالم الافتراضية، فالجيل الذي يعوّل عليه في بناء البلد اصبح ينظر إلى بعض من يفترض كونهم من  الرموز بازدراء نتيجة صراعات الطبقة السياسية، وانعكاس هذه الصراعات على الأداء الحكومي وبالتالي انعكاسها لتهدد المجتمع برمته بأزمات مالية واقتصادية وخدمية".

وختم" القضية تستحق الاهتمام ونأمل بأن يتم كبح جماحها قبل فوات الأوان".

انسحاب بعض الأهل من مسؤولياتهم

نعمت أبو زيد، أستاذة جامعية ومختصة تربوية من لبنان، أكدت" نحن بلا شك نلاحظ التحوّلات التي تشهدها المؤسسات الاجتماعية والأسرية والتي هي نتاج أسباب وعوامل كثيرة ومتنوعة، منها ما هو بسبب العالم الرقمي وتطوُّر العلوم والتقنيات(مثل وسائل التواصل الحديثة), أو بسبب الحاجات الإقتصادية والثقافية الجديدة. وهذه النتاجات والتحولات قد تكون نتاج خطط وبرامج ثقافية موجّهة ومخطط لها لضرب كيان الأسرة وتغيير العلاقات بين أفرادها.

وأضافت ابو زيد" بما أنّ مرحلة الشباب هي مرحلة عمرية مهمة جدا وتعتبر من ركائز البنية الإنسانية كونها المرحلة التي تنمو وتتفتّح معها الشخصية وتؤثر فيها عوامل التربية الأسرية والبيئة والمحيط، يتم استغلالها لتمرير هذه الخطط عبر وسائل ناعمة، تنطلق من رغباتهم واهتماماتهم (وبالطبع إذا طالت هذه الخطط الأسرة ستطال كل أفرادها وبالعكس)،ومن هذه الظواهر :تصوير الأسرة كمؤسسة سلبية مقيّدة له، إدانة النظام الأبوي تحت مسميات مختلفة، تبخيس دور الأم، تشويه صورة العلماء وهدم القدوة، الفراغ الذي يعيشه، انسحاب بعض الأهل من مسؤولياتهم، الإستهانة بالرموز التربوية والمعلمين(والكثير من الأسباب التي يمكن التوسيع فيها.."

الجينات احد الأسباب

د. حسناء رستمي، طبيبة، ترى" أن الاسباب - باختصار تام - عميقة وواسعة تمتد طولياً على مدى أكثر من 800 سنة من هجوم المغول على العراق ومنهجة تدمير المجتمع العراقي، وتمتد عرضياً عبر توالد الاجيال واستحداث الاختراعات واساءة الاستخدام، هذه من ناحية مادية، أما روحانياً فمن المؤكد أن أكل الحرام، والنظر الحرام، والسماع الحرام لها تأثيرها المباشر والمتراكم على الجينات وليس على السلوك فقط، وللجينات خرائط تتغير وفق معيشة الكائن الحي.. وهذه النقاط تُعتبر كرؤوس أقلام وإن كل نقطة هي عبارة عن بحث كامل يبيّن تدرّج التغيير وآلياته عبر الاجيال، حيث امتد التأثير إلى اللغة وأساليب الكلام".